في حديثه الي سفراء روسيا في الخارج وممثليها في الهيئات والمنظمات الدولية اعاد الرئيس دميتري ميدفيديف ترتيب أولويات الدبلوماسية الروسية في الفترة القريبة المقبلة كما ابرز المهام المرجوة من ممثليات بلاده في البلدان الاجنبية والتي حددها بثلاث مهام منتقدا الكثير من اساليب عملها التي قال انها لا تتفق مع معايير العصر وإن تبدت ملامح' تردد' تجاه الموقف من ايران التي اتهمه رئيسها بانه بوق ناطق باسم مصالح اعدائها. وفي اطار ما يمكن تسميته بتغيير نهج السياسة الخارجية للبلاد وتحديد المهام الجديدة امام ممثلي الدبلوماسية الروسية اوجز ميدفيديف استراتيجية العمل في الفترة القريبة المقبلة ولاول مرة في تاريخ الدبلوماسية الروسية في اطار ثلاثة محاور: الاول ويتعلق بالعمل من اجل تحديث الاقتصاد والانتاج فيما تمثل المحور الثاني في تدعيم مؤسسات الديموقراطية والمجتمع المدني اما الثالث والذي اثار دهشة الجميع فقد تمثل في مكافحة الجريمة المنظمة التي تبدومن صميم عمل المخابرات والاجهزة الامنية. هكذا وضع ميدفيديف تحديث روسيا والاستعانة بافضل تكنولوجيا العصر في صدارة عمل سفاراته في الخارج ما يعكس اولويات الكرملين في الفترة القريبة المقبلة. قال بضرورة تحقيق التغير النوعي في العمل الدبلوماسي مشيرا الي اهمية استثمار روسيا للسياسة الخارجية بشكل فعال من اجل حل مهام التنمية. دعا ميدفيديف الي انشاء تحالفات جديدة مع المانيا وفرنسا وايطاليا والاتحاد الاوروبي وكذلك مع الولاياتالمتحدة واسيا وبلدان المحيط الهادئ بعد ان كان وسابقاه اي فلاديمير بوتين وبوريس يلتسين يؤكدان دوما علي اولوية العلاقة مع بلدان الجوار القريب اي بلدان منظومة الكومنولث. وعلي الرغم من انه تدارك الموقف ليؤكد' انه ورغم كل ما للغرب وبلدان اسيا والمحيط الهادئ من اهمية فان الاولوية تبقي للتعاون مع بلدان الكومنولث' فان الشواهد تشير الي ان الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية تظل مرتبطة بكل ما يلبي احتياجات روسيا من تكنولوجيا العصر ويساهم في اقالتها من عثرات التخلف ودعم تطورها العلمي التقني رغم ما يوجهه البعض من انتقادات الي الرئيس الروسي ومنهم جينادي زيوجانوف زعيم الحزب الشيوعي الروسي الذي اتهمه صراحة بالخضوع للغرب, مشيرا الي اعلان انضمام روسيا الي العقوبات ضد ايران. وفي نفس اطار اعلان التكنولوجيا معيارا لاولوية علاقات روسيا مع هذه الدولة اوتلك يتضح تقدم مواقع اسرائيل عن البلدان العربية علي خريطة الاولويات الروسية من منظور ما حققته من تقدم علمي تقني وصلت اليه ضمنا بفضل الكوادر العلمية المتميزة التي هاجرت اليها خلال العقود الاربعة الاخيرة من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق. وفي ذلك تفسير لتراجع اهتمام الكرملين بالبلدان العربية واغفال الاشارة اليها ضمن اولويات المرحلة المقبلة في اطار ما قاله في اجتماعه مع سفرائه' علينا العمل بشكل براجماتي والنظر في كافة الاتجاهات والانفتاح علي الجميع بعيدا عن اي مواجهة'. وكان ميدفيديف قد كشف في اكثر من مناسبة عن تخلي بلاده عن التمسك بمخلفات الماضي وايديولوجيته وضرورة ان يضع الدبلوماسيون الروس في الخارج ذلك نصب اعينهم. ولم يفت ميدفيديف انتقاد عمل الكثيرين من رجال الدبلوماسية الروسية ممن يتمسكون بانماط قديمة في العمل مثل اصرارهم علي موافاته بتقاريرهم' السرية' حول ما يجري في العالم من احداث يملك اي مرء ان يطالع تفاصيلها بنفسه علي' الانترنت'. وكان من الطبيعي ان يستعرض ميدفيديف مواقف بلاده تجاه الكثير من القضايا الدولية والاقليمية ومنها العلاقات مع ايران في توقيت مواكب لاجماع المجتمع الدولي حول ضرورة التشدد معها داعيا الي الابتعاد عن تبني اية' مواقف مبسطة' في التعامل مع المشكلة النووية الايرانية. ورغم انه عاد الي ما سبق واعلنه سلفه فلاديمير بوتين حول ان العقوبات لا تحل شيئا ولا تاتي بالنتائج المرجوة فقد اعترف بان ايران لاتتصرف كما يرام علي حد قوله, مشيرا الي ان تصرفاتها بعيدة عما وصفه بالتصرفات المثالية. وناشد القيادة الايرانية ابداء روح الانفتاح والتعاون والشفافية في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واذ قال بضرورة التحلي بالصبر واستئناف الحوار البناء مع طهران كشف الرئيس الروسي عن ان الهدف من القرار الاخير الذي اتخذه مجلس الامن بشأن ايران يتمثل في دفعها الي استئناف العملية التفاوضية باسرع ما يمكن مشيرا الي ان الدبلوماسية يمكن ان تمني بالفشل في حال عدم استغلال هذه الفرصة وهوما يمكن ان يكون فشلا جماعيا علي حد قوله. غير ان تطورات الموقف الروسي بشأن ايران تقول بصعوبة اعتبار ما اعلنه ميدفيديف حول هذا الموضوع القول الفصل حيث سرعان ما وقعت موسكو مع وزير الطاقة الايراني مسعود كاظمي ما وصفته ب' خريطة الطريق' حول التعاون مع ايران. وكان دميتري ميدفيديف قد اعلن صراحة في ختام مباحثاته مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل في يكاتيرينبورج الروسية ان ايران شريك تجاري تاريخي وفعال بالنسبة لروسيا وإن اكد ان ذلك لا يعني ان تغض روسيا الطرف عن الطريقة التي تطور ايران من خلالها برنامجها النووي مؤكدا ان بلاده تنتظر ايضاحات من ايران حول هذا الموضوع بما في ذلك ما يتعلق بجانبه العسكري. واضاف دعوته الي ايران كي تجد في نفسها الشجاعة للتعاون مع المجتمع الدولي حتي في تلك القضايا التي لا تروق لها علي حد قوله. ومع ذلك فوجئت موسكوب'تجاوزات' الرئيس الايراني محمد احمدي نجاد الذي اتهم رئيسها ميدفيديف بانه الناطق باسم مشروع اعداء ايران. واذا كان نجاد عاد وقال ان روسيا بلد عظيم وصديق تريد ايران تعزيز العلاقات الودية معه فانه يبدو وقد نهج مواقف روسيا التي تعني ايضا وفي بعض جوانبها الشئ ونقيضه وهوما يعكس ما اسمته صحيفة فيجارو الفرنسية ب الشيزوفرينية الروسية التي تعودت عليها الولاياتالمتحدة علي اعتبارها وسيلة للاحتفاظ بقنوات الحوار غير الرسمي مع طهران من خلال موسكو' علي حد تعبيرها. فمن اعلان عن مخاوف بشان البرنامج النووي الايراني وشقه العسكري الي الانضمام الي عقوبات مجلس الامن ثم الي حديث عن ضرورة التحلي بالصبر والاستمرار في الحوار مقدمة لمعاودة التاكيد علي' ان العقوبات لم تحل يوما مشكلة' الي الانتقال الي توقيع' خريطة طريق' للتعاون مع ايران بما في ذلك امدادها بالكثير من احتياجاتها من الوقود. واضافت' الفيجارو' الفرنسية ان موسكوليست علي استعداد للتخلي عن حليف يوفر لها التوازن المضاد في علاقتها سواء مع الغرب اومع كل من الصين والهند وهوما يمكن ان يندرج تحت بند' البراجماتية' واعتبار ان المصالح هي الدائمة علي حد قول بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا الاشهر وأول من دعا الي هجرة اليهود الي فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر.