اعتدنا أن نتتلمذ علي كتابات استاذنا د. عاطف العراقي. واعتدت أنا شخصيا أن أقرأ مايكتب, وأتمعن ثم أتنهد محاولا أن أكتسب بعضا من القدرة علي التخلص من هذا الكم الذي تراكمه الكلمات من التشاؤم. لكن آخر ماقرأته له البحث عن المعقول في الثقافة العربية يبدو أنه قد جعلني أعتقد أن العقل يقول إن التشاؤم من حالنا هو الأقرب إلي العقل. وإذ نطرق أبواب الكتاب المبدع يكون الإهداء إلي روح المفكر الأديب توفيق الحكيم ويقول في ختامه أذكريني فقد أصبحت الحياة بحورا من الألم والشقاء والظلام, وإن كان أكثرهم لايعلمون وفي بداية التصدير نقرأ غير مجد في يقيني واعتقادي تجاهل المعقول والارتماء في أحضان الخرافة والأسطورة واللامعقول. إن اللامعقول يعني الانكسار والهزيمة في دنيا الحياة. إنه يعني الجهل مقابل العلم. ومن منا يرتضي لنفسه تفضيل الجهل علي العلم وتفضيل الضعف علي القوة ويمضي يبدو أننا كعرب ارتضينا لأنفسنا للأسف الشديد الانسحاب من الحياة, وذلك حين أسرفنا في الحديث عن اللامعقول وارتضيناه دستورا لنا في الحياة التي نحياها. نجد هذا الإسراف عند أناس تحسبهم من المفكرين وهم الواقع من أشباه المفكرين, يتحدثون إلينا وكأنهم من العقلاء في الوقت الذي يكشف كلامهم وتؤدي كتاباتهم السوداء إلي القول بأنهم لا يعيشون إلا في دنيا الخرافة واللامعقول حتي أصبحت كلماتهم وكتاباتهم معبرة خير تعبير عن أنهم من أنصار التخلف العقلي والعياذ بالله ص9 وليأذن إلي أستاذي أن أجد نفسي مختلفا معه فهؤلاء ليسوا حتي أشباه مفكرين... بل هم فعلا وكما قال سطر لاحق من أنصار التخلف العقلي فكيف لشبه العاقل أن يحفر بمخالب متخلفة في عمق الخرافة واللاعقل ليستمد منها زاده من إظلام العقول وإطفاء أنوار المجتمع وليبث في أرجائه ماهو أسوأ من الجهل وأكثر سوادا من الجهالة. ويكفي أن نقرأ ونسمع ونشاهد مايتلي علينا من نفايات التراث القديم, محاولات استخدامه استخداما جنونيا في بث بذور التخلف والأسطورة والخرافة؟ علما بأن التراث فيه ماهو عقلاني ومتجاوب مع متطلبات الحياة. لكن البعض وعن عمد متعمد يتجاوز كل الصفحات البياض في كتب التراث ولاينتقي من هذه الكتب إلا الأسوأ فلماذا؟ ولأي هدف؟ وبأي ثمن يجري شحن بطاريات العقل العربي والإسلامي بالتخلف والجهالة والتطرف؟ وإذ نعود الي د. عاطف العراقي نقرأ أنه من المؤسف أن دعاة التخلف والجهالة يجندون الآلاف من الأنصار يدافعون عن أقوالهم السوداء بحيث أصبحوا كجيوش البلاء والجهل والخرافة ويقول إنهم يتحدثون عن التراث وكتب التراث الصفراء بنوع من التعظيم والتمجيد لأنهم يريدون التقوقع في الداخل ولايريدون الخروج إلي الحياة, حياة النور, حياة المعقول ولايضعون في اعتبارهم أن كتب التراث, ونقصد بها المتغير من التراث قد وضعها أناس مثلي ومثلك. وإذا كنا نجد فيها الصواب تارة فإننا نجد الأخطاء تارة أخري, وإذا كنا نجد فيها المعقول تارة, فإننا نجد فيها الخرافة مرة أخري, افحصوا بعض كتب التراث من منظور الحاضر فسوف تجدون فيها كما من الخرافات قد يزيد عددها عن تعداد سكان الدول العربية من مشرقها إلي مغربها. وإذا قال أنصار اللامعقول بضرورة الوقوف عند التراث وعدم تجاوزه إلي مقتضيات الحاضر والمستقبل فإن هذا يعد من جانبهم صعودا إلي الهاوية وبئس المصير ص!!. ونمضي مع الدكتور العراقي إذ يقول: لقد قام العرب بدور لايمكن التقليل منه في الماضي ولكن لابد أن نضع في اعتبارنا أن الأفكار التي روجوا لها وانتصروا لها, ليس من الضروري أن تكون كلها أو بعضها مناسبة لنا في حياتنا التي نحياها, وإذا روج البعض من أشباه المفكرين وأنصاف المفكرين لفكرة غير الفكرة التي نقول بها فلهم دينهم ولي دين, فإنهم يتحدثون في واد غير ذي زرع لأنهم ارتضوا لأنفسهم حياة التصحر والتحجر والعدم, وليس النماء, والعدم يعني الظلام والحياة تعني النور, نور الوجود, لقد أرادوا لأنفسهم ولنا حياة الخفافيش التي تؤثر الظلام ولا تستطيع مواجهة النور ص11. والمثير للدهشة هو أن هؤلاء الذين يعنيهم د. العراقي يحاولون جاهدين أن يمنحوا دعاواهم الظلامية والمختلفة كساء دينيا لكي يمنحوها حصانة غير مستحقة. أولا لأنه لاتوجد فكرة إنسانية محصنة عند التطوير أو التغيير من ثم فهي ليست محصنة ضد النقد هادئا كان أو قاسيا لكنهم ولأنهم يدركون خواء فكرهم وتخلفه وعجزة عن مواكبة روح العصر يتمسحون بالدين الذي هو في جوهره مع إعمال العقل ومع العقلانية ومع العلم والتقدم والتجدد ألم يقل الرسول الكريم إن الله يبعث علي رأس كل مائة من السنين لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها؟ ونعود للدكتور العراقي لنقرأ أقول وأكرر القول بأننا كعرب الآن وأكثر من أي وقت مضي في أمس الحاجة إلي مراجعة أفكارنا. إن هذا أفضل لنا من الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار والخطب البلاغية والانشائية التي تفقدنا المصداقية أمام العالم المتقدم وتفقدنا لغة الحوار والتواصل والوجود. ثم هو يحذرنا من مصير كمصير الهنود الحمر إذ تعلقنا بالماضي وحده لكن المفارقة المبكية هي مايورده د. العراقي إذ يقرر أن هؤلاء المتخلفين والظلاميين الذين ينكرون الحضارة الغربية وجدوي التطوير وإعمال العقل واستثمار مستحدثات العصر هم أنفسهم يستخدمون ذلك كله ابتداء من المطبعة إلي الكمبيوتر والانترنت والأقمار الصناعية في الترويج لأفكارهم الضالة المضلة. ويبقي سؤال يقف دوما أمام عيني كلما شاهدت فضائية من فضائيات التأسلم السياسي أو التي افضل تسميتها فضائيات بير السلم التي تروج للخرافة والتخلف والتطرف وإنكار العقل, سؤال يقول من يقف خلف هذا كله؟ وكم يتكلف هذا كله؟ ومن يمول هذا كله؟هل لدي أي منكم إجابة عن هذا كله؟