سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
د. سيد القمنى يكتب: أوباما.. تحليل الخطاب وردود الفعل (2-4) .. رد الفعل العربى اهتم بإسرائيل ونسى الجميع وجوب الضغط على ماكينات فرز الإرهاب فى الفضائيات ومعاهدنا الدينية
رد الفعل العربى على خطاب الرئيس الأمريكى بالقاهرة كله كان قد ركز على ممكنات أوباما الضغط على إسرائيل، ووسط كل هذه الهموم القومية والدينية لم يصادفنى من تذكر وجوب الضغط على ماكينات فرز الإرهاب فى قنواتناالفضائية الإسلامية ومعاهدنا الدينية، لم يتكلم أحد عن الضغط لوقف العمل بأحكام إسلامية بحاجة لإعادة اجتهاد ونظر، كما فى ميراث المرأة أو ولايتها على نفسها فى أضعف الإيمان التى لا تملكها ولا على نفسها حسبما يدرّس أزهرنا لشبابنا فى معاهده، ومن يزوجها هو وليها ولو كانت طفلة رضيعة، فإن زوجت نفسها بعد عقل ورشاد فهى زانية. لم أقرأ لأحد يتكلم عن ضغوط من أجل إيقاف العمل بعقيدة الولاء والبراء التى تترتب عليها أحكام هى الكراهية المطلقة للمختلف عنا وتصل إلى حد التخلص منه بقتله، وهى مشترك أصيل بين كل ما يدرسه أبناؤنا فى معاهد الأزهر سواء فى مواد الحديث أو الفقه أو التفسير، أو عقيدة الجهاد التى تعتبر غير المسلم مستباح الدم والعرض والمال، ولا ألمح أحدهم استجابة لليد الأمريكية الممدودة وعلى سبيل إثبات الجدية وحسن النوايا إلى وجوب رفع المواد الدينية بالدستور، والتى تميز بين رعية هذا الدستور حسب معتقداتهم، ولا وجوب الضغط من أجل حقوق الإنسان التى يهددها أول ما يهددها الدستور نفسه فى مادته الثانية مع قانون طوارئ أبدى. لهذا كله وفى ظل المناخ الذى كان لا يزال ساخنا بعد خطاب أوباما مباشرة، لم تفتنى تصريحات (عصام دربالة) قيادى مجلس شورى الجماعة الإسلامية، ومطالبته حركة طالبان والقاعدة بالتعامل مع هذا الخطاب بشكل عملى حتى تغادر أمريكا المنطقة؟؟ (عايزين يستفردوا بينا ؟؟). وأن خطوة البداية السليمة حتى يمكن هذا التعامل هى الإعلان الفورى بالتوقف عن استهداف أمريكا عسكريا.. إن دربالة يعرف ما يقول، وهو ما أرى وراءه رؤية ثاقبة تنطوى على قراءة المستقبل المتوقع من هذا الخطاب التاريخى، فأمريكا ستتعامل مع الأنظمة القائمة أو مع أى بدائل حتى لو نقيضة تحل محلها، طالما الصداقة الأمريكية الإسلامية قائمة بما يحمى المصالح الأمريكية، وهكذا تكون ريمة - أقصد أمريكا - قد رجعت لعادتها القديمة. أما نحن شعوب هذه المنطقة فلسنا فى الموضوع أصلا، نحن الفريسة ليس أكثر. حتى الصوت العلمانى ممثلا فى صديقى لورد العلمانيين العرب (طارق حجى) جاء يردد طلب الجميع بتفعيل الكلام، "وأن سمة خطاب أوباما كانت التوازن فى تناول كل موضوع: الإسلام، الصراع العربى الإسرائيلى، علاقة الولاياتالمتحدة بالعرب المسلمين، التعليم، المرأة، حقوق الإنسان، التنمية، إيران، القدس"... نعم وصدقا كانت سمة الخطاب هى التوازن، لكنه توازن الرعب والفزع من الآتى على مستوى الشعوب، وليس على مستوى قضايا الأمة العزيزة قوميا ودينيا، فإنى مطمئن أن السعى لتهدئة المشاعر وتصفية الخواطر على قضايانا العاطفية سيكون حثيثا فعلا، وهو ما سيرضى الشعوب الإسلامية والحكومات الإسلامية ويبقى الجميع فى سمن على عسل. بدا لى صديقى طارق متفائلا بهذا الخطاب وتمنيت أن يكون تفاؤله محل نظر من القدر وألا يكون المخبوء فى رحم الأيام موجبا للتشاؤم، لأنى شخصيا مصاب بالأسف على حلمنا بدولة مدنية حديثة، وأتوجس خيفة وأظن أن التوجه الأمريكى الجديد جاء قبل مجىء أوباما للرئاسة بعد تجارب الصومال والأفغان والعراق بالذات.. وهو الانعتاق من منطقتنا بأقل قدر من الخسائر مع ضمان المصالح الأمريكية، وجاء أوباما ليكرس الموقف الجديد وينفذه، وهو ما يعنى أننا سنعانى أكثر من أجل الوصول إلى الحلم الليبرالى الذى يتسرب من بين أيدينا برئاسة أوباما واحتمال استمرار ذات الخط من بعده، بعد رد فعلنا واستقبالنا لإسقاط طاغية العراق وإحقاق الحريات والحقوق فى العراق وفى أفغانستان، بمذابح نذبح فيها بعضها البعض، وهو ما تكرر فى الديمقراطية الفلسطينية والديمقراطية السودانية، والديمقراطية الأفغانية، ...إلخ. المصيبة ليست فى الانسحاب العسكرى فهو مطلوب لتهدئة التوتر، المصيبة فى الانسحاب الكامل ونفض العالم الحر يديه منا يأسا من إمكانية قدرة شرقنا على قبول الحداثة، وهو ما يبدو لى أنه يحدث الآن، لتركنا فى فوضانا الخلاقة حتى تصفى النار بعضها بعضا دون تدخل، فتكون بلادنا حلقة مصارعة حرة كبيرة يقتل فيها السنى الشيعى، ويقتل الشيعى المسيحى، ويقتل المسيحى الأرثوذكسى المسيحى الإنجيلى، وتقتل الحكومات الجميع وقتما تشاء، حتى تصفو النار عن رماد خامد غير ضار، أو أن يخرج البعض من هذه المحرقة إنقاذا للبقية الباقية بعقد اجتماعى مدنى حديد يسمح لنا باللحاق يركب الحداثة الإنسانية الذى غادرنا فعلا منذ عقود. ■ ■ ■ ووسط هذه التحولات المتسارعة، لا ننسى أن الإرهاب وإن كان إسلاميا، وإن كان فرزا لموادنا الدينية ومشايخ الفضائيات، فإنه فى بدئه القريب كان هندسة أمريكية وتمويلا وتنفيذا عربيا وإسلاميا بتعاون معلوم ومنشور الوثائق، تصديا للشيوعية والمد السوفيتى، وهو ما أكده بريجنسكى بقوله لصحيفة لونوفيل أوبزرفاتور 1998: إن الأمريكان خططوا لاستدراج السوفيت للخيار العسكرى فى أفغانستان، وأنهم من أسس للصحوة الإسلامية، وأنهم هم من صنع القاعدة، وأنه ليس نادما على دعمه للتطرف الإسلامى الذى استقل عن سادته وأربابه، وبدأ يعتدى على مصالح أمريكية هنا وهناك، لأن الأكثر أهمية وقتها كان هو إسقاط الإمبراطورية السوفيتية وإنهاء الحرب الباردة وتحرير أوروبا الشرقية، وليس طالبان والهائجون الإسلاميون إلا مجرد أعراض جانبية يمكن التخلص منها.....إلى أن ضربت الأعراض الجانبية وهؤلاء الهمج الهائجون مانهاتن والبنتاجون فى مشهد جعل كل ما شاهدناه من خيال هوليوود لونا من الصناعة الخفيفة المتواضعة بل جعلها سقيمة الخيال، إزاء خيال بن لادن الإبداعى ومهندس القاعدة الرهيب. هذا ناهيك عن فشل مشاريع السلام فى الشرق الأوسط وهى القضية الأعز على المسلمين، إضافة إلى دعم أمريكا العلنى الدائم لإسرائيل، مما أعطى المتطرفين المسلمين أسباب تطرفهم وشرعيتهم فى الوجود فى نظر الشارع المسلم، كرد بديل عن الحكومات الإسلامية مكسورة الجناح، المسكينة بنت السبيل، وأنهم يؤدون بذلك فرضا إسلاميا معلوما من فروض الكفاية هو الجهاد. ومن ثم بدت تلك الحركات المسلحة الأمل الوحيد الباقى للدفاع عن الحقوق العربية والانتقام للمسلمين واستعادة الأرض المحتلة وإقامة دولة إسلامية منيعة، ولا سبيل لهذا الحلم بغير الإسلام كحل خلاصى وحيد بإقامة الدولة الإسلامية فى أى مكان على الأرض ومنها تبدأ الفتوح، ومن يقوم بذلك إنما يجاهد فى سبيل الله وكرامة المسلمين ودينهم. هذا مع تغافل رؤية المسلمين لدولة الفتوح الإسلامية الطالبانية وما جلبته من كوارث محلية وعالمية. إن الاستخدام الانتهازى للإسلام لتحقيق مصالح ومنافع مادية دنيوية بحتة شأن عرفناه فى مشايخ الصحوة الذين أساءوا للمشيخة الرصينة الراسخة وللإسلام نفسه، قياساً على احترام هذه المشيخة وتبجيلها قبل ظهور مشايخ الصحوة فى نظر كل الناس. ويبدو أن الرئيس الأمريكى بعد أن ولد فى ثقافتنا وعاش بيننا وعرف طرائقنا وفهم أقصى أمانينا ومنطقنا فهو ابن منطقتنا التى هى جذوره ونسبه، من هنا لبس مولانا بارك بن حسين آل أوباما ثياب الواعظين رعاه الله وحفظه، آمين، ولجأ لطرائقنا ومناهجنا فى التفكير للمصالحة وتجميل الوجه الأمريكى للمسلمين، ومن ثم بدأ بالسحر الإسلامى الذى ينتشى له المسلمون ليشعرهم أن إسلامهم قد غزا البيت الأبيض فى فتح ميمون، وعليه فلا داعى لإعادة الفتوح والغزوات المباركة على أمريكا مرة أخرى.