كتب - بلال المسلمى: عندما تصبح الكأس أكبر من مباراة و الفرحة مهرجاناً كبير اللإحتفال عندما يتجاوز وطن آلامة وينسى شعب متاعب الإقتصاد وانقسامات السياسة يصبح لكرة القدم معنى أكبر بكثير من الركلة والهرولة وراء قطعة جلد منفوخة بالهواء. فلم يكن ما جري في مدريد ومدن إسبانيا بعد تتويج الماتادور بكأس العالم للمرة الأولي في التاريخ إلا تجسيدا حقيقيا لكل هذه المعاني, وانعكاس لأهمية اللعبة وتأثير الانتصارات الرياضية علي أحوال الناس. فالشعب الذي رفض أن يغير عاداته بالتخلي عن نوم القيلولة من أجل مواجهة أثار الأزمة الاقتصادية العالمية لم يعرف النوم طوال ست وثلاثين ساعة تواصل فيها الاحتفال بالأبطال العائدين من جوهانسبرج. والشباب المحبط الذي يعاني20% منه من البطالة كان أكثر بهجة, ألقي بأحزانه وراء ظهره وترك العنان لفرحة هيستيرية لم تعرفها إسبانيا في تاريخها, بل إن هناك من وصفها بأكبر عيد عرفته البلاد منذ نشاتها. فرح الإسبان وابتهجوا لم يكترثوا أبدا بأزمة الاقتصاد ولا دعوات الانفصال ومواجهات الحكومة والمعارضة, الجميع عاش الاحتفال بل إن الأصوات التي انتقدت بشدة تخصيص24 مليون يورو مكافأة للأبطال توارت, ولم يعد بمقدور أحد المساس بصانعي الانجاز الكبير, لم يظهر صوت معارض يتحدث عن100 ألف عاطل يمكنهم الاستفادة من المبلغ المخصص لأبطال كأس العالم, لم يجرؤ أثنار المعارض علي معاودة الاتهامات لغريمه رئيس الحكومة ثاباتيرو بالقفز علي الانجاز ومحاولة استغلاله سياسيا, لأن الجميع قاموا بذلك. رئيس الوزراء السابق هنأ الأبطال وأشاد بروح الإسبان وبالعمل الجماعي, ورئيس الوزراء الحالي اعتبره انتصارا لكل إسبانيا, ولفرقها الصغيرة والكبيرة. أما وزير الخارجية ميجيل انجيل موراتينوس الذي كان صاحب أبرز تصريح أثناء البطولة عندما قال بعد الخسارة في المباراة الأولي من سويسرا: الماتادور فريق كبير, وسيلعب في النهائي', وقتها اعتبر الجميع تصريحات الوزير الإسباني محاولة لشحذ الهمم وإشاعة التفاؤل, لكن أحدا لم يسأله عن سر ثقته المفرطة في فريق تعثر في خطواته الأولي, وعاد موراتينوس نفسه بعد التتويج باللقب ليؤكد أن الفوز بالكاس له مكاسب أكبر من الكرة, وستجني بلاده نتائج ذلك في السياسة والاقتصاد وفي العلاقات الدولية. بل إن باحثين أكدوا تحسن صورة الإسباني في العالم كله وفي أوروبا علي وجه التحديد, وجاء الفوز بكأس العالم يقفز بمعدلات النمو الاقتصادي نصف نقطة وسط توقعات بإرتفاع مؤشر للبورصة, والناتج العام المحلي. فيما ذهب وزير التعليم الإسباني- آنخل جابيلوندو لأبعد من هذا عندما وصف الانتصار بأنه'الدرس التربوي الكبير' الذي يجب أن تتعلمه إسبانيا من منتخبها الوطني لكرة القدم, مشيرا إلي أن بلاده لن تنهزم في المجالات الأخري إذا عملت بشكل جماعي ومنسق, وأضاف.' إذا كنا نعمل في جميع المجالات علي هذا النحو, كفريق واحد وبجهد متناسق, فإن هذا البلد لن يهزم في مئات المجالات الأخري. إسبانيا تعافت فجأة من كل العلل, فكأس العالم أكبر من متاعب الاقتصاد وأزمات السياسة ونزاعات الانفصاليين.