رغبة ملحة لابد أن تسيطر علي أي شخص يقابل د. آمال العيسوي, الحاصلة علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية لهذا العام, وهي مناشدة كتاب السيناريو بأن يعدلوا من الصورة النمطية للباحثين والعلماء التي رسموها في الأذهان علي مدار سنوات طويلة مضت.. فهي شابة جميلة أنيقة رشيقة, حتي أن الأمر قد يختلط علي البعض فيصعب التفرقة بينها وبين طلبتها من فرط بساطتها التي لاتنم عن أنها تعمل في واحد من أصعب فروع العلم وهو تطبيقات النانو تكنولوجي في مجال هندسة المواد, والذي سوف توضحه السطور المقبلة. لم تحصل د. آمال رغم تميزها علي100% أو أكثر من مجموع الدرجات في الثانوية العامة لأنها ببساطة لم تحصل عليها من المدارس المصرية, حيث عاشت لسنوات بالخارج برفقة والديها وشقيقتها الوحيدة التي درست الإعلام, فوالدتها كانت أستاذة للمواد الأدبية أما والدها فكان مهندسا ميكانيكيا, وقد ورثت عنه عشق هذا التخصص فدرست الهندسة الميكانيكية وتعمقت بها حتي حصلت علي الدكتوراه من جامعة كمبردج البريطانية, وأصبحت أستاذا مساعدا في هذا المجال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة, وأجرت العديد من الأبحاث الدقيقة به حتي حصلت علي جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الهندسية لهذا العام لتكون الفائزة الوحيدة بهذا التقدير العلمي المهم من الجامعات الخاصة لأبحاثها المتميزة في تطبيقات النانوتكنولوجي في مجال هندسة المواد والتي تم نشرها في أفضل الدوريات العلمية المتخصصة. كانت طالبة متفوقة خاصة في الرياضيات وحصلت علي بكالوريوس العلوم تخصص هندسة ميكانيكية من الجامعة الأمريكية عام89 مع مرتبة الشرف( إمتياز) والتي حصلت عليها أيضا في الماجستير ثم سافرت الي بريطانيا لدراسة الدكتوراه لتتلمذ علي يد البروفيسور مايك أشبي عالم الهندسة الشهير. وإذا كانت هناك مصادفة تعد من حسن الطالع بالنسبة لها فهي عشقها لتخصص إختيار المواد المناسبة وطرق تصنيعها, والذي درسته علي يد أستاذها المصري د. محمود فرج والذي يعتبر هو ود. مايكل أشبي أهم وأشهر أستاذين علي مستوي العالم في هذا المجال. وبعد حصولها علي الدكتوراه إنضمت كباحث مشارك لفريق بحثي لإعداد مناهج وأساليب إختيار أنسب المواد وطرق تصنيع المكونات الميكانيكية الذي يستخدم في أكثر من600 جامعة في أوروبا وأمريكا. وتوضح د. آمال العيسوي أنها درست هندسة المواد, والتي من بين أهدافها تحسين الخواص, وقد ركزت أبحاثها علي تطوير مادة الألومنيوم وتحسين خواصها بإستخدام أنابيب الكربون النانونية( دقيق الجزيئات) لتصبح أخف وزنا وأكثر متانة وأجود في توصيل الحرارة والكهرباء وغيرهما من المواصفات التي تجعل إستخدام مادة الألمنيوم مناسبة لمجالات أكثر تعددا مثل الأجهزة الدقيقة أو وسائل المواصلات من سيارات وطائرات وغيرهما. رغم ما أوضحته د. آمال العيسوي إلا أن هناك تساؤلات كان لابد من طرحها عليها ومن بينها: * متي تطبق نتائج هذا البحث؟ تجيب: في مجال هندسة المواد يصبح التطبيق ممكنا في أقل من خمس سنوات, وأنا واثقة من تطبيق نتائج البحث نظرا لردود الفعل التي استشعرتها بعد نشره من إهتمام كثير من الباحثين وبعض الجهات العلمية التي لها ثقل في هذاا لمجال. * إذا كان البحث بهذه القيمة العلمية, فلماذا كانت الجائزة تشجيعية وليست تقديرية؟ أجابت: جائزة الدولة التشجيعية تمنح لمن هم أقل من45 سنة, ويتقدم الباحث بأعماله ويتم تقييمها وفحصها من قبل لجنة علي أعلي مستوي, أما جائزة الدولة التقديرية فلا يتم التقدم لها, وإنما تمنح للعلماء الكبار علي مجمل أعمالهم, ويتم الترشيح والإختيار من قبل لجنة علمية من واقع تقارير موضوعية عن عطائهم وإنجازاتهم. * هل كنت علي ثقة من فوزك بالجائزة؟ كنت واثقة من أبحاثي ولكن المنافسة شديدة فمعظم المتقدمين من الباحثين الجادين وأبحاثهم جيدة, ولكني شعرت بالتفاؤل عندما حصلت قبل إعلان جوائز الدولة بأسبوع علي جائزة البحث العلمي من الجامعة الأمريكية لهذا العام عن نفس البحث. * كيف عرفت خبر فوزك بالجائزة؟ أبلغتني صديقتي وأنا في طريقي للجامعة بعد أن قرأت أسمي بالجريدة بين الفائزين, ولكن لأن الخبر لم ينشر إلا في الطبعة الثالثة فلم يقرأه معظم الناس لذا كان علي إبلاغهم. ووسط سعادتي الغامرة بالفوز تذكرت والدي ووالدتي رحمهما الله اللذين كنت أتمني أن يكونا أول من أبلغهما, وعليا لفور إتصلت بشقيقتي التي كانت في امريكا لأبلغها دون أن أتذكر فارق التوقيت ثم أبلغت أقاربي وصديقاتي وزملائي بالجامعة. ورغم أنني سعيدة وفخورة بالجائزة إلا أنني أشعر بمسئولية أكبر تجاه عملي وتجاه الطلبة الذين أدرس لهم وأعتمد عليهم في أبحاثي وأعلمهم أسلوب البحث العلمي وأعرفهم أن طريقه ليس سهلا ومشاكله كثيرة ولكن لاتوجد مشكلة بلا حل. * ماهي أهم مشاكل البحث العلمي؟ وماهي نصيحتك للشباب؟ تجيب أهم مشاكل البحث العلمي في مصر هي عدم وجود التمويل الكافي ولكن مؤخرا تم تخصص صندوق لهذا الغرض بأكاديمية البحث العلمي وقد ساعد كثيرا من الباحثين في مواصلحة عملهم, كما أن هناك مشكلة أخري كانت تقابلهم وهي صعوبة الإطلاع علي مايدور بالخارج وإضطرارهم للسفر والانتقال من مكان لآخر لمعرفة الجديد إلا أن شبكة المعلومات( الإنترنت) قد ساعدت كثيرا في حل هذه المشكلة. أما نصيحتي للشباب فهي الإلتزام بالمثابرة وعدم الإحباط والقراءة المستمرة والإطلاع وإختيار مجالات غير مسبوقة والبحث عن الجديد وعدم التكرار أو التقليد والثقة في أنه طالما كان العمل جيدا فسوف يقبل ويجد المساعدة والعون. * كيف ترين مستقبل البحث العلمي في مصر؟ وماذا عن مشاركة المرأة فيه؟ تجيب: أنا متفائلة بالإتجاه الحالي لدعم البحث العلمي, وبأفكار الشباب, أما بالنسبة للمرأة مغادة يساورها تخوف من دراسة العلوم خاصة الهندسة, ولكن هذا ليس في مصر فقط, فحتي في جامعة كمبردج في بريطانيا كنت أري نسبة الدراسات بهذا التخصص تتساوي مع نسبة الذكور أو تقل مثلما هو الحال لدينا. ولكن بشكل عام فإن من تعمل في مجال البحث العلمي لابد أن تجد تفهما من المحيطين لطبيعة عملها, فالبحث العلمي كما قلت ليس سهلا وهو ماأذكر به الطلبة دائما حيث أجد بينهم عناصر متميزة خاصة بين طلبة الماجستير. وعلي ذكر مساعدة الطلبة.. فالدكتورة آمال تم إختيارها مؤخرا لتصبح الممثل القيم في مصر لجمعية المهندسين الميكانيكيين البريطانية, وهو ما أتاح لها فرصة مساعدة الطلاب المصريين سواء بالجامعة الأمريكية أو الجامعات القومية ليتطورا ويساهموا في تحقيق أم أهداف الجمعية وهو تحسين العالم من خلال الهندسة. وتعكس كلمات الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية, عشقا للحياة ولمساعدة الآخرين, فكان لابد من سؤالها عن علاقاتها وأنشطتها خارج مجال العمل, فأجابت: أنا أحب السفر في الداخل والخارج, وأعشق قراءة الروايات البوليسية, وأهتم بالرياضة, وقد سبق وحصلت علي جائزة الجمهورية في التجديف, عندما كنت طالبة بالجامعة ولكني الآن لا أجد الوقت الكافي لها, وأقدر الصداقة وأفسح لها مساحة كبيرة من إهتمامي رغم مشاغلي. تضيف: إعتدت مقابلة صديقاتي في الصباح الباكر, نجتمع لنتناول القهوة أو لتناول الإفطار ثم نتوجه الي أعمالنا لأن الأعباء الإجتماعية قد تعوق أي ترتيبات في المساء خاصة بعد يوم عمل طويل أو حتي في العطلة الأسبوعية, لذا وجدت أن الصباح هو أنسب الأوقات لجلساتنا الودية التي نحرص عليها لنبدأ يومنا بعدها بمنتهي التفاؤل.. في نهاية اللقاء كان السؤال عن آمالها وطموحاتها للمستقبل, فإبتسمت علي إستحياء قائلة أنها كثيرة ولكن مايسيطر علي الآن هو إحساسي بالمسئولية. ** تري هل هو تواضع العلماء أم لإحياء البنت المصرية الذي لم يفلح في أن يمنع من يراها من تخيلها وهي تتسلم جائزة نوبل في العلوم في يوم من الأيام.. فأمثالها لايمكن أن يتوقفوا عن البحث ولا عن التميز