انتشرت خلال الأيام الماضية الكثير من الأقاويل حول قيام وزارة التضامن بدراسة قرار يفيد بأن يكون بنك ناصر الاجتماعي هو المسئول الوحيد عن القروض الصغيرة في مصر بدلا من الجمعيات الأهلية. وهذا عقب ما صرح به مصدر مطلع في الصحف الخاصة بأن الدراسات التي أجرتها وزارة التضامن الاجتماعي علي الجمعيات الأهلية كشفت بأن بعض الجمعيات التي تقوم بإقراض المشروعات الصغيرة في المحافظات المختلفة تقدم القروض الصغيرة بفوائد عالية تصل في بعض الأحيان الي18% وبناء عليه تقوم وزارة التضامن الاجتماعي حاليا بدراسة قرار لمنع الجمعيات الأهلية من تقديم القروض الصغيرة. ففي حالة صدور مثل هذا القرار سيكون بمثابة حكم اعدام علي الجمعيات الأهلية العاملة في مجال الاقراض, فالرسوم الإدارية التي يتم فرضها علي هذه القروض هي التي تضمن استمرارية واستدامة عمل الجمعيات الأهلية التي تعمل في هذا المجال, حيث انه من خلال تلك الرسوم يتم تغطية كافة المصروفات والنفقات الخاصة بمتابعة القروض التي حصلت عليها الفئات المستهدفة. كما تغطي أيضا هذه الرسوم تكاليف العديد من الخدمات المكملة الأخري التي تقدم مع القرض للفئات المستهدفة مثل استخراج شهادات ميلاد بطاقات الرقم القومي خدمات صحية خدمات تعليمية وبالتالي تضمن الرسوم وصول الخدمات بأفضل شكل الي جميع هذه الفئات, فإذا أصبح بنك ناصر هو المسئول عن القروض الصغيرة في مصر فمعني ذلك ان الخدمات المكملة للقروض التي تقدمها هذه الجمعيات من المستحيل ان تصل الي الفئات المستهدفة منها, كما ان مثل هذا القرار سيؤدي الي التقليل من فرص العمل التي يوفرها مجال القروض للكثير من الشباب. وعلي جانب آخر فإن بنك ناصر لن يقوم بالبحث عن الفئات التي تحتاج هذه القروض كما تفعل الجمعيات الأهلية, وهذا من شأنه أن يقلل من أعداد المستفيدين الذين في حاجة فعلية لهذه القروض للحصول عليها, كما انه لن يقوم بعمل متابعة ميدانية لتحديد ومعرفة الاحتياجات الفعلية للمواطنين مثلما تفعل الجمعيات الأهلية. فالجمعيات هي الأقرب من الناس وهي الأقدر علي تحديد احتياجاتهم لأنها تعمل في الشارع, كما أنها الأقرب من الفئات الفقيرة والمهمشة التي في حاجة الي هذه القروض بالفعل لتحسين مستوي معيشتهم, فهذه الجمعيات لا تكتفي فقط بإعطاء القروض للمستفيدين بل تقوم بإجراء دراسات عن طبيعة المشروعات التي من الممكن تنفيذها, بالإضافة الي انها توفر عددا من التدريبات للفئات المستفيدة من القروض حول كيفية الادارة الناجحة للمشروعات واساليب العرض الجذابة, الي جانب تقديمها لبرامج محو الأمية للمستفيدين الذين لايجيدون القراءة والكتابة وهذه كلها خدمات أساسية ومعلومات لابد أن يعرفها القائم علي المشروع لضمان نجاح مشروعه, ولن يستطيع بنك ناصر تقديمها. ومن ناحية أخري فقد أشارت بيانات وزارة التضامن الاجتماعي إلي ان المجتمع المدني يسهم في القضاء علي البطالة من خلال القروض التي يمنحها للشباب لعمل مشاريع صغيرة كما أشارت نفس التقارير الي ان هناك أكثر من44731 شخصا يعملون بمنظمات المجتمع المدني, وان هناك أكثر من600 جمعية تنموية تقوم بتقديم القروض الصغيرة وهو ما يعني ان المجتمع المدني يسهم في توفير فرص عمل لقطاعات كبيرة من الشباب, فإذا ما تم تطبيق مثل هذا القرار فسوف يتسبب في الاستغناء عن نسبة كبيرة جدا من العاملين في الجمعيات الأهلية مما يؤدي الي ارتفاع نسبة البطالة في المجتمع المصري, هذا بخلاف ان هذه الجمعيات تقوم بدفع ضرائب وتأمينات للدولة مما يسهم في زيادة الدخل القومي الذي يصب في النهاية في تقديم الخدمات للمواطنين. وأري ان من يقومون بدراسة اصدار مثل هذا القرار لم ينظروا للموضوع من كافة زواياه وما سيترتب عليه من آثار سلبية سواء علي مستوي الفئات المهمشة المستهدفة من هذه القروض أو علي مستوي الجمعيات الأهلية أو علي مستوي المجتمع ككل, فإذا ما تم دراسة هذه القضية بشيء من التروي سوف نجد انه لزاما علي الدولة ان تشجع عمل هذه الجمعيات وتدعمها حتي تستطيع ان تقدم القروض لكافة الأفراد الذين فعلا هم بحاجة لها, وانه من الممكن السيطرة علي عمل هذه الجمعيات من خلال سن تشريعات تنظيمية لعمل الجمعيات الأهلية تساعد علي تفعيل الدور الذي تقوم به ولايكون الهدف منها عرقلة العمل أو وضع الصعوبات امام هذه المنظمات التي تمثل الضلع الثالث للتنمية في المجتمع حيث لابد ان يعي المجتمع انه لن يتم تحقيق أي تنمية بدون شراكة بين الأضلاع الثلاثة, وهي القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الأهلي.