تجد قيادة حكومة وجيش جنوب السودان التي تتأهب للتوجه نحو استفتاء تقرير المصير بعد أشهر قليلة, وقد حزمت أمرها علي المضي قدما نحو الانفصال في مواجهة صعبة مع خصمها الجنرال المتمرد جورج أتور, الذي خرج ناقما علي السلطة في الجنوب بعد أن خسر منصب الوالي في ولاية جونجلي في الانتخابات الأخيرة. وربما تعود صعوبة المواجهة الي عدة أسباب, من بينها أن القائد المتمرد ظل لسنوات طوال أحد قياديي الحركة ورفيق درب قيادات الجيش الشعبي, وبالتالي ليس من السهل التشكيك في ولائه أو اعتباره عميلا للمؤتمر الوطني, كما درجت الحركة علي التشكيك في كل مناهض لها واتهام المؤتمر الوطني شريكها اللدود في الحكم وعدو الأمس بالوقوف خلفه. وهناك أيضا أعداد انضمت إليه من القوات التابعة له وغيرها, وهو ما تقلل مصادر الحركة من شأنه, كما تعود أهمية الرجل أيضا الي أنه ينتمي الي قبيلة الدينكا, وهي ذات القبيلة التي ينتمي إليها مؤسس الحركة وزعيمها الراحل الدكتور جون قرنق وخليفته رئيس حكومة الجنوب الحالي سلفا كير ميارديت, وأتور ينتمي الي الفرع نفسه من القبيلة الذي ينتمي إليه وزير الداخلية الحالي بالجنوب. وتجعل كل هذه العوامل مجتمعة حكومة الجنوب تفضل الحل السلمي مع رفيق الأمس, وربما ذلك ما دفع سلفا كير للاتصال بأتور هاتفيا ومطالبته بالعودة. فهل تتغلب هذه الرغبة من أجل الحل السلمي, أم يدفع غضب أتور وشعوره بالظلم بعد اتهامه للحركة بمحاولة اعتقاله بعد الانتخابات الي تغليب خيار التصعيد. والمؤكد أن أي تصعيد من أتور أو غيره من المتمردين بالجنوب سيؤدي الي تعكير صفو العلاقة بين شريكي الحكم في السودان وتوسيع الفجوة بينهما, مما يجعل الأيام المقبلة الحاسمة في السودان أكثر صعوبة. ويبقي أن تمرد أتور يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل الجنوب, بل والسودان كله, في كل أوضاعه المحتملة, ويقرع أجراس إنذار مبكرة حول المخاطر المرتقبة لمآلات الأوضاع في السودان.