كتب:محمد فؤاد: الأحداث في قيرغيزستان كانت مثار اهتمام العالم, فأعداد القتلي والقصص المروعة التي تناقلتها وكالات الأنباء جعلت الدول الكبري والهيئات الدولية تدعو إلي ضرورة التصدي لتلك الأحداث الخطيرة. خاصة أن منطقة آسيا الصغري من الأجزاء الحساسة في قارة آسيا وذات أهمية اقتصادية وسياسية. ولو نظرنا إجماليا للأحداث فسنجد أنه لايوجد سبب واضح وراءها, فأحيانا يقولون: إنها اقتتال طائفي وأحيانا أخري يقولون إنها بسبب نزاع في حانة بين الشباب. ولكن لو ركزنا في الأمر فسنجد أن الأحداث تركزت في منطقة أوش جنوب قيرغيزستان حيث تتركز الأقلية الأوزبكية والتي يبلغ عددها نحو15% من سكان البلاد البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة. وتلك المنطقة كانت المكان الذي توجه إليه الرئيس المخلوع كرمان بك باكييف بعد أن تمكنت المعارضة من إقصائه من منصبه فإضطر للهروب إلي هناك قبل أن يهرب خارج البلاد. وهذ المنطقة لها حساسية كبيرة فهي تضم عددا من الأقليات وتقع في وادي فرجانة الذي تتقاسمه عدة دول هي قرغيزستان وطاجيسكتان وأوزبكستان. والمعلومات الواردة من هناك تقول إن رجال الرئيس السابق باكييف كانوا يسيطرون علي المنطقة ذات الأغلبية الأوزبكية كما قاموا بعمليات تصفية حسابات مع عدد من الأشخاص. ولم يقتصر الأمر علي ذلك بل تعداه إلي أن رجال باكييف سيطروا علي المكاتب الحكومية في المنطقة وبالتالي أصبحت جميع المناطق تقع تحت سيطرتهم. وقد أدي ذلك إلي انحسار وجود قوات الحكومة الانتقالية فانتشرت عمليات تهريب المخدرات التي تأتي من أفغانستان حيث تعد تلك المنطقة أول نقطة لوصول المخدرات الأفغانية قبل أن تنطلق إلي مختلف دول العالم. وفي الوقت نفسه منطقة أوش لها أهمية اقتصادية حيث أصبحت مركزا تجاريا مهما في وادي فرجانة الذي تتقاسمه الدول الثلاث سالفة الذكر. وبطبيعة الحال وبعد المعطيات السابقة نري أن تلك المنطقة بالفعل فوق صفيح ساخن, فرجال الرئيس السابق يحاولون استغلالها لإثارة القلاقل ضد الحكومة الانتقالية الحالية بما فيها من أقليات مختلفة بينها حساسيات, وبالتالي فإندلاع أي نزاع فيها يكون بمثابة شرر يتطاير علي الجميع ناهيك عن الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها سواء اقتصاديا أو سياسيا. ونخلص مما سبق أن العنف الذي شهدته قيرغيزستان كان مدبرا وليس مجرد نزاع في حانة بين شباب بل هو أمر تم الإعداد له بعناية فائقة. والأصابع تتجه إلي أعوان باكييف لأن لهم مصلحة في إذكاء العنف وإظهار أن الحكومة الانتقالية لا تسيطر علي الوضع, ولكن هذا لايمنع إمكانية أن تكون هناك عصابات مسلحة لها مصلحة في أن يتفاقم التدهور الأمني حتي تستطيع العمل بحرية, فمن الممكن أن تكون مصالح جهات مختلفة قد التقت في نقطة واحدة. ومهما كان المسئول فقد تسببت تلك الحالة في تشريد آلاف النازحين الذين راحوا ناحية الحدود الأوزبكية هربا من الوضع الأمني المتدهور وأعمال العنف والقتل. والمشكلة أن تلك العوامل مازالت موجودة وبالتالي فمسببات العنف مازالت كما هي. ولو وضعنا في حسباننا أن قيرغيزستان تحدها كازاخستان وأوزباكستان والصين ودول بها أقليات عديدة فيما بينها حساسيات كبيرة فيعني هذا أن الأمور في غاية الخطورة, فاندلاع أي شرر في منطقة من الممكن أن يتطاير بشكل كبير إلي دول الجوار التي تعاني أصلا مشكلات عرقية. ويكفي فقط أن نشير إلي أن أي نزاع عرقي في المنطقة سيكون مركزه في قيرغيزستان وذلك لأنها تضم كما قلنا15% من الأوزبك و50% من القيرغيز و9% من الروس و25% من الطاجيك بمعني أنها خليط ساخن من أعراق مختلفة. ولو وضعنا في اعتبارنا أن منطقة آسيا الوسطي تضم دولا تحكمها أنظمة متآكلة الشرعية من الممكن أن تعمل علي إذكاء أي نزاع عرقي بهدف إلهاء الناس عن حكمها المستبد, فهذا يعني أن الخطورة أشد نحوتدهور الأوضاع. ومن الممكن ان يتساءل البعض حول إمكانية تدخل روسيا وأمريكا لضبط الأوضاع بما أن لكل من الدولتين مصالح في المنطقة. والإجابة تتمثل في أن روسيا تدرك أن التدخل في النزاع لمصلحة جماعة أو عرق علي الآخر من الممكن أن تكون له تداعيات وخيمة, لأن الطوائف الأخري لن تسكت ومن الممكن أن يمتد التدهور إلي أفغانستان حيث الوضع في غاية الالتهاب. والموقف السابق يجعل روسيا لاتتسرع في التدخل مما يعطي مثيري العنف بيئة مناسبة للعمل. أما أمريكا فهي متورطة في أفغانستان ولاتسعي لمزيد من التورط في أي منطقة أخري. وبالنسبة للصين فهي معنية بوجود حكومة قوية إلي جوارها دون التورط في الصراع ولذلك تبقي علي حذرها الشديد. إن الوضع في منطقة آسيا الوسطي يمثل نموذجا للتوازن الهش في علاقات الدول الكبري في هذه المنطقة التي تمثل منطقة مصالح لتلك الدول, الأمر الذي يجعلها تتعامل بحذر شديد مع الوضع القائم وبالتالي يبقي الوضع الخطير علي ما هو عليه بل وقابل للتصعيد. [email protected]