ظاهرة جديدة تحدث في سوق الاستثمار وفي مصر, وستكون تأثيراتها السلبية قوية وكبيرة علي معدلات النمو الاقتصادي وسوق العمل في المرحلة المقبلة. وما أعنيه هو الجدية والحسم في مواجهة الأزمات المتلاحقة فيما يختص بتحديد ملكية الأراضي والعقارات والصراع حولها, سواء كانت للاستثمار بنوعيه الصناعي والزراعي أوالخدمي, وفي مقدمته العقاري والسياحي, والخلافات الحادة الناشبة بين قوي متنازعة من المستثمرين, والسرعة في الوقت نفسه سواء بالتصحيح أو المراجعة أوالفصل وتبيان الحقيقة. وسنتوقف هنا أمام تطور جديد هو دخول القضاء الإداري علي الخط بحكم جديد, يقضي ببطلان عقد بين الحكومة وشركة قطاع خاص مصرية لبناء مدينة صحراوية, عرفت باسم مدينتي علي طريق القاهرةالسويس, وتأثيراته علي السوق المصرية كلها. هذا المشروع يجري بناؤه منذ5 سنوات أمام أعين الجميع وتحت مظلات الحكم المحلي والأفراد والإعلام, ثم جاء حكم القضاء الإداري ببطلان عقد البيع في منتصف عام2010 بعد أن انتهت مراحل متعددة للمشروع. والضرر الآن لا يطول الشركات وحدها, ولكن يطول أيضا مواطنين عاديين اشتروا عقارات من الشركة التي تعمل بجدية ظاهرة, وقد استمعت خلال الفترة الماضية إلي أن الكثير من الشركات والبنوك والجامعات التي اشترت أراضي, وتعاقدت مع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة معرضة لأن تقف نفس موقف شركة مدينتي, وأن الصراع أو التشتت يحدث بسبب التصادم بين القوانين المنظمة لمنح الأراضي للمستثمرين ورجال الأعمال, فلم يتوقف التضرر والمشكلات والصراعات التي امتدت إلي ما يحدث علي طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي الذي تنظمه أو تخططه الحكومة والذي تركته نهبا لقوانين متعددة أو لتعدي واضعي اليد, في حين أنه كان من الممكن إذا تم تخطيط هذه المنطقة بشكل مركزي لإنشاء قري ومدن جديدة أن تصبح رئة حقيقية للقاهرة العاصمة المكدسة التي تئن في كل شوارعها من زحام منقطع النظير وكل عناصر الفوضي. وإذا كانت تداعيات وتشابكات عملية الأراضي قد تزامنت مع حريق هائل تم في منطقة الخليفة إحدي أكثر المناطق ازدحاما في القاهرة إثر سقوط سيارة من فوق كوبري التونسي, فاشتعلت النيران في سوق عشوائية تسمي سوق الجمعة, فإن القدر كان رؤوفا بالناس فنشب الحريق ليلا, وكانت خسائره من البشر محدودة, ولكن خسائره المادية هائلة, حيث تضم السوق كل عناصر العشوائية والورش الكامنة بكل المتفجرات من ورش السيارات والخشب والسيراميك والألومنيوم والموبيليا والأدوات الصحية.. وهذا الحريق, الذي تابعه كل القاهريين بالمخاوف الكامنة داخلهم عن عاصمتهم التي تحترق يوميا بالزحام وعدم التنظيم, قد ذكر الجميع بالمصير الذي ينتظر جميع الأماكن المزدحمة والبعيدة عن كل عناصر الأمان. الانفجارات المتتالية في سوق الجمعة وانفجارات أسطوانات الأكسجين والورش ذكرت الناس بالمطاعم والإشغالات غير الآمنة في العمارات السكنية بالقاهرة والمعرضة للانفجار في أي لحظة, خاصة في أشهر الصيف مع ارتفاع الحرارة غير الطبيعي. ما حدث في سوق الجمعة أعاد تذكير الناس بقوة بالعشوائيات التي تنمو وتتمدد برغم عملية المواجهة. وأعاد تذكير الناس بوزارة التنمية المحلية العاجزة أو المحافظة الضعيفة التي لا تملك سلطة علي أحيائها وشوارعها وأرصفتها التي تتآكل يوما بعد يوم وليست هناك سلطة للمحافظة أو للمحليات لإنقاذ العاصمة أو وقف النمو العشوائي وتدهور مرافقها وزحامها وتكدسها. ............................................................... في هذا الوقت الذي تحتاج فيه القاهرة إلي سياسة جديدة للخروج من الزحام يحدث الصراع علي الأراضي في أطرافها وداخلها, وقد تركز علي ما حدث في مدينتي ثم ما حدث أخيرا في شراء قطعة أرض في ميدان التحرير, وقد كنت أستغرب أن نقيم مشروعا استثماريا في ميدان التحرير المكتظ والمزدحم وفي وسط المدينة. واحتدم الصراع علي قطعة أرض بين شركة أجنبية مشهورة في إقامة الفنادق المتميزة بمواصفات عالية الجودة حصلت عليها من الشركة المالكة بحق الانتفاع, ووصل الصراع والتنافس والتضامن بين المجموعات إلي أن دخل مرحلة التشويش بتدخل الوزارة لإتمام الصفقة مع أن الموضوع بسيط للغاية وهو أن الاستثمار في إقامة فندق بوسط المدينة( ثلاثة نجوم) غير إقامة عمارة كما أن الخدمات وكراسة الشروط التي أعدتها الشركة القابضة المهتمة بالسياحة المالكة وتنميتها للأراضي هي العنصر الحاكم لإقامة المشروع بغرض التنمية والتطوير. كما أن مواصفات المشروع المقام وعدد الأدوار والجراجات المتعددة والخدمات المقدمة فيه باستثمار600 مليون جنيه والتي توفر ثمانية آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة هي أداة حاكمة لتسعير الأراضي, ولكن ترك الأمر بدون حسم للجدل والغوغائية يوحي دائما بأن هناك غرضا من المشروع أو مصالح حاكمة لعدد من أصحاب النفوذ أو الوزراء بما يضر بالمصلحة العامة ومصلحة الاستثمار وإقامة المشروعات ويؤدي إلي هروب المستثمرين الجادين, وهو ما يضر أيضا بالاقتصاد الوطني, مع أن الموضوع أبسط مما يتصور الكثيرون, ولكن ترك الأمور للغط والقيل والقال, رغم أهميته, لتنشيط سوق النميمة الرائجة في مصر الآن, يضر بالسوق الحقيقية وهي سوق الاستثمار التي نتطلع إلي إقامتها بقوة لاستمرار النمو ولإيجاد فرص العمل. ويبدو أن عددا كبيرا من المسئولين أصبحوا يخافون ويريدون الابتعاد عن كل مسارات العمل بحجة البعد عن الشبهات وهذا خطر كبير علي الاقتصاد المصري وعلي تطويره واستمرار نموه وملاحقتنا للتطورات الاقتصادية الكبيرة التي تحدث في عالم اليوم وإيجاد فرص أعمال متزايدة للأجيال الحالية والمقبلة. وإذا كان محافظ القاهرة يعترض علي المرور في هذه المنطقة, فيجب أن يقدم لنا دراسات وافية لاجتياز الأزمات المرورية المختلفة في القاهرة وكيف تركت القاهرة والجيزة شوارعهما مكدسة بالجراجات بدون تحرك وبدون عمل حقيقي أو مواجهة؟ وعلي محافظ القاهرة أن يأخذ كل الاشتراطات المرورية المختلفة من جميع المشروعات الجديدة, خاصة إقامة الجراجات تحت الأرض لاستيعاب السيارات في المنطقة وهي نفس المشكلة التي يواجهها الآن تطوير منطقة المعارض في مدينة نصر وهو المشروع الجديد الذي يربط بين أرض المعارض بمدينة نصر وقاعة المؤتمرات والذي خطط له لتطوير تلك المنطقة وتحويلها لمنطقة جذب للشركات العالمية والمحلية لعرض المنتجات والخدمات المصرية سواء للمصريين أو للأجانب وهو ما يطلق عليه المشروعات الكبري للقاهرة. إن مرور القاهرة يا سيادة المحافظ يحتاج منكم إلي تخطيط مختلف, ويجب أن تتعاون مع المحافظة كل الجهات والشركات والفنادق الكبري لكي تخطط مرور القاهرة وأماكن إقامة الجراجات لسرعة الحركة واستخدام طاقة الشوارع المصرية بشكل أفضل, ولن تحقق لك هذا الهدف الخبرات المحلية فقط, ولكن يجب استقدام خبرات أجنبية لهذه المهمة الثقيلة لإنقاذ القاهرة من صعوباتها. والأهم والذي يجب أن نشير إليه هو القصور الذي يتمتع به النظام الحالي للإدارة المحلية, والذي أدي إلي قصر دور المحليات علي عدد محدود من المهام مما أدي إلي ضعف الإحساس بالمسئولية الاجتماعية نتيجة ضعف المشاركة, وأصبح المواطن في كل قرية ونجع ومدينة يتوجه بأسئلته للوزارات حول الخدمات التي تقدم إليه, وخرجت وحدات الإدارة المحلية من المساءلة والمسئولية فتراجعت قدراتها علي البحث عن أفضل السبل لتقديم الخدمات للجمهور المحيط بها والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة وتراجعت أيضا الرغبة في المشاركة في المشروعات التنموية المختلفة. وفي ظل حديث طويل عن إصلاح أوضاع المحليات والتخوف أيضا من نقل الكثير من الصلاحيات إليها نقول: إذا كان إصلاح المحليات ضرورة قصوي, خاصة في حالة بلد كبير مثل مصر, فإن هناك الكثير من الضمانات التي تجعل من هذا التوجه سياسة ناجحة وعلاجا ناجعا للكثير من المشكلات المرتبطة بطبيعة عمل المحليات, وفي مقدمتها نقل الصلاحيات من المستوي المركزي إلي المستوي المحلي تدريجيا حتي تتم إعادة تأهيل المسئولين في المحليات والمواطنين معا علي فهم واستيعاب مغزي تنشيط المحليات وتفعيل دورها. وكذلك أن يبني التطوير المستقبلي علي ما لدينا من مكونات حالية لنظام الإدارة المحلية واعتبارها أصولا مهمة ينطلق منها التطوير, ونحن لانريد لهذا العدد الهائل من الكيانات المحلية أن يستمر مثل الأواني الفارغة دون اختصاص وعمل حقيقي, إذ لدينا29 محافظة و222مدينة وأكثر من أربعة آلاف قرية ونجع ومئات من المجالس المحلية الشعبية والتنفيذية. ............................................................... ويبقي أن نوكل إليها المهام العاجلة وأن يتم تدريب أعضائها تدريبا حقيقيا, إنني أعلم أن إصلاح المحليات عملية شاقة وعسيرة, فالمركزية تسكننا منذ زمن طويل ولكن الضرورة التي تمليها اللامركزية في التنمية تمثل دافعا قويا لنا للمضي في هذه السياسة حتي نهايتها. ولعلنا نخرج من الأزمات الأخيرة وتشابكاتها المتعددة وآخرها أزمة جزيرة امون بأسوان وملابساتها والتضحيات التي تمت هناك بقيادات واعية وبروح جديدة لتغيير شكل المحليات في مصر وانتشالها مما أصابها من ركود وسمعة سيئة, باعتبارها بؤرة الفساد ومركز تشجيعه, لتتحول إلي نقطة جذب للانطلاق والتطور في مصر. بعد تقرير الطب الشرعي رفقا بالراحل خالد.. ورفقا بالوطن! أخطر شيء علي أي مجتمع هو محاولات البعض استغلال حادث فردي وتعميمه وتخويف الناس به أيا كان نوعه, وإلباسه ثوب التسييس والاستخدام في لعبة الشد والجذب الجارية علي المسرح السياسي المصري للعب علي الأوتار الحساسة, وآخر هذا الاستخدام المعيب كان قضية الشاب الراحل خالد سعيد الذي توفي بالإسكندرية في ظروف معينة تزامنت مع القبض عليه للتحقيق معه في قضايا مختلفة. روايتان مختلفتان لسبب الوفاة.. الأولي: لقسم الشرطة لسيدي جابر بأنه مات مختنقا بابتلاعه البانجو عند رؤيته رجلي الأمن داخل أحد المقاهي.. والثانية: لأهله ولأصدقائه بأنه تعرض للضرب حتي الموت بواسطة اثنين من المخبرين. وتناقلت المعلومات المغلوطة معظم المدونات ونحن في زمن الإعلام المفتوح.. قضية مثيرة للجدل تلقفتها كل الأيدي التي تريد الإساءة لمصر, وكأن كل أقسام الشرطة أصبحت مسرحا للتعذيب مع أن ضباط الشرطة وجنودها يتعرضون يوميا للموت في ظروف عديدة ومختلفة وهم مواطنون يستحقون منا الدفاع عن حقوقهم في الحياة, وأداء وظيفتهم التي في معظمهما مخاطر, حيث تغيرت مسارح الجرائم, وتحصنت الكثير من العصابات سواء في الجماعات الخارجة علي القانون أو تجار المخدرات وغيرهم, فالجميع يستخدمون الأسلحة وقد تعددت مجالات العنف في المجتمع المصري. ولكن قضية الشاب خالد أصبحت مثل قميص عثمان لدي بعض الجماعات المحظورة والخارجين علي القانون للإمساك بتلابيبها, واعتبارها مأزقا لجهاز الشرطة. وهذا غير صحيح لأنه حتي ولو صح وأخطأ أحد مخبري أقسام الشرطة في التعامل مع المواطن خالد سعيد فهي جريمة فردية سيعاقب المتهم فيها أيا كانت وظيفته, وسيحصل الضحية علي كامل حقوقه, وهذه قضية تحدث في الكثير من المناطق, فالإمساك بالجريمة تكلفته عالية علي الجميع.. وعلي الذين ينفذونه علي وجه الخصوص, كما يجب علي كل شخص ان يتمسك بكامل حقوقه القانونية عند القبض أو الاعتداء عليه, ولو تسلح الجميع بالقانون لواجهنا كل المعتدين ووضعناهم في مكانهم وألزمناهم بتطبيق القانون. العدالة في مصر لا تتأخر.. العدالة في مصر لا تموت.. العدالة في مصر يحصل عليها الجميع حتي ولو مرت عليها السنون, ولذلك توقفت أمام تقرير الطب الشرعي بعد إعادة التشريح واستخدام الجثة بقرار من النائب العام.. كل تلك التطورات تجعل كل مصري يثق في العدالة.. يثق في قضائه, وعلينا أن نثق في الشرطة المصرية ولا نهيل عليها التراب حتي ولو ارتكب أحد أفرادها خطأ يحب ان يوضع في حجمه كتصرف فردي. ومصر لن تكون مرتعا لأي جريمة منظمة, وشرطة مصر نزيهة وعادلة.. وكلهم من أبناء مصر ولا يمكن أن نتهم الشرطة باللجوء إلي العنف وقتل الناس, فهذه جريمة لم تعرفها مصر ولن تعرفها, وكل من حاولوا استخدام جريمة الشاب خالد سعيد رحمه الله خائبون, لأنهم لا يعرفون مصر ولا عدالتها ولا رجال الأمن فيها. أحسنت النيابة العامة باستئناف الإسكندرية عندما وجدت الشك يتسرب في نفوس البعض, فأعادت التحقيق والتشريح لكشف غموض الجريمة وملابساتها.وكل ما ينطوي علي محاولات استخدامها في غير غرضها, وهو ايصال حق مصري, مات في ظروف لم تكشف كاملة, إليه والذي نعتقد أن النيابة العامة والعدالة ليست وحدها الحريصة عليه, فهناك نفس القدر من الحرص عليه لدي رجال الأمن في الإسكندرية, فكشف الجريمة أيا كانت يحقق مصلحة أكيدة للجميع للوطن والعدالة ورجال الأمن. أما الاستخدام السييء لإثارة مشاعر الناس في جريمة فردية, فيظل سبة في جبين من لجأ إلي هذا الأسلوب الرخيص, لأنه لا يضر الضحية ويضيع حقه فقط. ولكنه أيضا يؤثر في نفوس الناس والمجتمع, ويؤثر علي الاستقرار وعلي الوطن. وهذا ما يجب أن تنتبه له العدالة, وتقدم كل من حاول ذلك للمحاكمة حتي تبريء مجتمعنا من هذه الأساليب الرخيصة لخلط الأوراق واستخدام قضايا حقوق الإنسان في غير وضعها.. أما حق الشاب خالد الراحل فقد أصبح عهدة لدي النيابة, حيث كشفت أنه مات بعد تعرضه لإسفكسيا الاختناق نتيجة انسداد مسالك الهواء بمواد مخدرة متعددة, وإن كانت لم تنف أنه تعرض للضرب. ................................................................... ولا شك أن استكمال إجراءات التحقيق سيضع كل شيء وملابساته أمام النيابة تمهيدا لمحاكمة كل مخطيء, وعلي كل من حاول استخدام تلك الحادثة أن يراجع ذاته, ويصحح أمورا كثيرة تجري في عقله رفقا بنفسه وبوطنه ومواطنيه فنحن لا نستحق منهم ذلك. إن وطننا ومواطنينا يجب أن يكونوا غاليين علينا, ولا نستخدمهم في مثل تلك المهاترات الرخيصة والمعيبة في حق كل مصري. s [email protected]