على الشواطئ التى تعج بروادها وفى الأسواق وعلى المقاهى التى يرتادها آلاف الشباب الذين يعانون البطالة يعاد الحديث عن ضرورة فك الحصار ومنح الحق فى الحياة بعض الأمل إلى مليون وسبعمائة ألف غزاوى. اجتمعت مرارة الحصار وصعوبة المعيشة اليومية لكي تعظم من آثار الحرب علي حياتهم, أطفال يعيشون في خيام في العراء يهددها خطر الزواحف والأمراض بسبب نقص الأسمنت ومواد البناء, تجار ينتظرون بضائع بملايين الدولارات محاصرة علي المعابر الإسرائيلية, ومرضي مازالوا يبحثون عن فرصة للعلاج, شباب يرزحون تحت وطأة بطالة لا ترحم ويحلمون بالزواج والاستقرار وصيادون يخرجون في رحلات للصيد كمن يخرج في عملية فدائية بسبب تهديد الطرادات الإسرائيلية. أوجاع ومعاناة يومية لا تحول بين أهل غزة وبين رحابة استقبال زوارهم خاصة من المصريين. مبسوطين انكو جيتو علشانا, والله تعبانين, عايزين مصالحة لنخرج من الحصار. هذا هو لسان حال أهل غزة الذين رغم تحايلهم للبقاء في ظل الحصار, إلا أنهم يشعرون بأنهم سجناء في وطنهم منذ4 سنوات, سجن تسبب في إغلاق90% من مصانعها وأصاب75% من سكانها بالبطالة, وأضاف36 ألف أسرة إلي خط الفقر حسب تقارير الغرفة التجارية الفلسطينية والاونروا وكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين. في كل مناطق المدينة الجميلة التي أكسبتها الحرب والأزمة الاقتصادية وجها حزينا, تلتقط العين مظاهر الأزمة رغم توافر البضائع في السوبر ماركت والمحال التجارية, التي تزخر بالبضائع المهربة من الأنفاق, أطفال يتسولون أو يبيعون بضائع مهمشة, ظاهرة لم تكن لها وجود قبل الحصار كما يقول محمد دلول مالك شركة دعاية وإعلان. أطفال أمام معبر رفح فى انتظار العبور إلى قطاع غزة. تصوير : السيد عبد القادر علي شاطئ غزة في مقابلة معسكر الشاطئ يقف مؤمن11 عاما, أحد هؤلاء الأطفال الذي يعمل كل يوم في بيع الشيبسي لرواد الشاطئ, من بعد العصر وحتي الثانية صباحا, اشتغل علشان أساعد في المصاريف, ابوي لا يعمل واخي استشهد في الحرب, والاسعار غالية, آلاف من الأسر تعاني الأمرين لتجد قوت أبنائها ولاستمرار حياتها. "قاعد" كلمة شهيرة يرددها شباب غزة بمجرد سؤالهم عن مهنتهم, منهم50 ألفا يتلقون معاشا من السلطة ولا تسمح لهم حماس بالعمل وآخرون عليهم ان يديروا حالهم كما يقول الغزاوية, إبراهيم درس إدارة الأعمال وتخرج منذ سبع سنوات ولكنه ينتظر إعانة من أقاربه الذين يعملون خارج غزة. مشكلتنا في الحصار ليست فقط الطعام والشراب ولكن أن يكون لنا حق السفر والتنقل, فلقد حاولت مرارا السفر للبحث عن عمل بالخارج ولكن دون جدوي كما يقول الشاب الذي يعاني من حالة اكتئاب شديدة. ويشرح محمد القدوة رئيس الغرفة التجارية الفلسطينية, ان حرمان غزة من دخول مواد البناء أدي إلي توقف أكثر من74 مهنة عن العمل لارتباطها بالبناء, بالإضافة إلي120 ألف عامل كانوا يعملون في إسرائيل ومنعوا من ذلك بعد الحصار شلل اقتصادي وركود تجاري قلب حياة أهل غزة رأسا علي عقب قبل الحصار4 آلاف نوع من البضائع كانت تدخل غزة, اما الآن, فلا يتجاوز عددها120 نوعا, بالإضافة إلي الخسائر الناتجة عن تخزين البضائع في الموانئ والمعابر الإسرائيلية كمايشرح ماهر الطباع, رئيس العلاقات العامة للغرفة, فبعد أربعة سنوات من المعاناة والخسائر نتيجة تجميد أموال تجار غزة ودفع آلاف الدولارات التي فرضتها عليهم سلطات الاحتلال شهريا بواقع300 دولار شهريا أجرة تخزينها في الموانئ الإسرائيلية اصابها التلف وأصبحت غير صالحة للاستخدام. حمزة أبوهلال تاجر ملابس يقول إن لديه8 حاويات معبأة بالملابس الجاهزة منذ عام2008 في ميناء أشدود, وفي شهر أبريل الماضي حصل علي تنسيق لدخولها إلي غزة وبالفعل وصلت بضائعه وفوجئ بتلف الشحنة بالكامل نتيجة تخزينها علي أرصفة الميناء في الهواء الطلق والشمس لأكثر من ثلاث سنوات, أيضا خالد أبوسحلول تاجر ملابس فوجئ أيضا بتلف أكثر من35 ألف بنطلون جينز بعد أن دفع1700 شيكل لمدة36 شهرا لكي توضع بضائعه في مكان آمن حفاظاعليها من التلف, وتشير بيانات الغرفة التجارية إلي وجود أكثر من1000 حاوية مخزنة في الموانئ الإسرائيلية بالضفة الغربية بقيمة100 مليون دولار تمنعها سلطات الاحتلال مثل العاب الأطفال والأدوات المنزلية. ويقول زكريا السحار تاجر ملابس بحي الشيخ رضوان الحصار الاقتصادي قضي علي دخولنا جميعا ونطالب بفك الحصار بتعاون كل الدول العربية وخاصة مصر التي لها رصيد تاريخي في علاقتها مع فلسطين خاصة أن الورقة المصرية للمصالحة تلبي مطالب جميع الأطراف الفلسطينية وليس لحساب طرف من أجل الأخر. وعلي بعد عدة أمتار يجلس أبوهيثم وسط تلال من الأجهزة الكهربائية بشارع الجلاء من نفس الحي, في مشهد يؤكد فكرة التحايل التي اتبعها الغزاويون بكل حنكة أمام الحصار الإسرائيلي, ويقول رغم كل هذه البضائع التي تراها أمامك لي15 حاوية محتجزة في ميناء أشدود الإسرائيلي تقدر ب150 ألف دولار تمنع إسرائيل دخولها بحجة أن هذه الأجهزة خطر علي الأمن الإسرائيلي, لكن دخول البضائع من مصر أرخص من دخولها من ميناء أشدود بما يقارب النصف, مثلا غسالة إيطالي كنت أستوردهاب2200 شيكل أما الآن أحضرها من مصر ب1300 شيكل ويوميا أبيع أكثر من70 جهازا ما بين ثلاجات وبوتاجازات وشاشات تليفزيون. حصار الصيادين من وسط المدينة إلي ميناء غزة الرئيسي, الحصار قد يحول دون تدفق الدماء في شرايين الحياة في القطاع. ففي الساعات الأولي من الصباح, يجلس عشرات الصيادين مكتوفي الايدي أمام مياه البحر التي أصبحت تضن بالرزق بعد الحصار الذي لا يسمح لهم بالصيد إلا لمسافة3 أميال فقط. مسافة محدودة يستخدمها3800 صياد, مما لا يجعل الكثيرين يعودون بأكثر من10 شيكل في اليوم وأحيانا بدون صيد يقول اياد ورغم سوء الأحوال وغلاء الأسعار, لا يستطيع الكثير من الصيادين إلا الانصياع. وإلا قصفتنا الطرادات الإسرائيلية وأحرقت مراكبنا, كما يؤكد محمود العاصي, رئيس جمعية الصيادين. تهديدات لم تمنع محمد أبوغلاية من المجازفة بحياته للحصول علي رزق عائلته. قائلا مش مهم يصوبوا في, المهم ألا يصيبوا مركب الصيد, مصدر الرزق الوحيد للعائلة. بينما يحاول آخرون البحث عن السمك في المياه المصرية, فالصراع من أجل البقاء أضاف أساليب جديدة لحياة الغزاوية. فحين لا نجد السولار, ندير مواتير المراكب والسيارات بزيت الطعام بعد استخدامه. يقول العاصي, مضيفا أن الجمعية منحت الصيادين600.000 دولار قروض لمساعدتهم خلال الأربع سنوات الماضية, قروض تسدد بخصم30% أو نتنازل عنها نهائيا في حالات العوز الشديد, بالإضافة إلي مشروع أخر بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لتوفير فرصة عمل ل405 صيادين وتدريب200 صياد علي تصنيع وصيانة المراكب. مساعدات الأنروا مساعدات تقدمها بعض الجهات الدولية في محاولة لتخفيف العناء عن الشعب المحاصر من بينها مشروع تشغيل سبعة آلاف شاب وإنقاذهم من البطالة القاتلة تقدمها لأنروا لأهالي القطاع, وبرأي حسام مناع رئيس برامج الإغاثة والخدمات الاجتماعية بالأنروا أن مهمتهم الأساسية هي عمل تنمية في القطاع بتكليف من الأممالمتحدة خاصة في ظل الحصار, نقوم بتقديم مساعدات غذائية لنحو70% من اللاجئين من إجمالي مليون لاجئ من سكان قطاع غزة, ومضاعفة المساعدات ل36 ألف أسرة تقع تحت خط الفقر, ويشير إلي وجود عقبات كبيرة أمام استكمال برنامج تنمية القطاع مثل عدم استطاعتهم إعادة بناء المنازل التي تهدمت في القصف الأخير للقطاع مع رفض السلطات الإسرائيلية دخول مواد البناء ومنذ أيام فقط وافقت السلطات علي إدخال أسمنت وحديد لبناء150 وحدة سكنية من إجمالي600 وحدة سنقوم ببنائها لأهالي غزة, بالإضافة لذلك نواجه صعوبة كبيرة في دخول وخروج موظفي الأنروا من جانب إسرائيل وفي الوقت ذاته وافقت مصر علي دخولهم وخروجهم من معبر رفح البري, ويشير إلي أن برنامج ألعاب الصيف يوفر فرص عمل لأكثر من7 ألاف شاب فلسطيني وتنميتهم بشريا وماديا وثقافيا. مدينة غزة. تصوير : السيد عبد القادر ارتفاع سن الزواج ورغم المحاولات المختلفة للتخفيف من حدة الحصار مازالت المشكلات كثيرة, خاصة بالنسبة لشباب غزة الذين تفرض عليهم التقاليد أن يتحملوا كل تكاليف الزواج التي تصل إلي10000 دولار علي الأقل. مع نقص مواد البناء يصبح الأمر أكثر تعقيدا, مما ساهم في رفع سن زواج الشباب في غزة إلي29 سنة و30 سنة. كما يقول محمد نصار, مضيفا أن الحصار تسبب أيضا في زيادة حالات الطلاق لكثير من حديثي الزواج الذين يضطرون لمشاركة أسرهم في بيوت ضيقة المساحة, مما يحدث الكثير من المشكلات, يشكو الشاب الذي يتساءل مثل غيره من سكان القطاع عن اليوم الذي سيخرجون فيه من سجن الحصار. ومنهم أسر مازالت تعاني من ويلات الحرب لا تستطيع أن تستعيد حياتها أو تعيد بناء منازلها بسبب نقص مواد البناء, رغم محاولات تدوير المباني المهدمة للحصول علي الحديد والحجارة. أم عادل, أم لأسرة تتكون من أكثر من عشرين فردا يتكدسون في منزل واحد بعد ان قضت الجرافات الإسرائيلية علي باقي منازلهم تتساءل: ايش بدنا نعمل عشان نستر ولادنا؟ بينما يعبر أحمد المدهون ذو العشرة أعوام عن حلمه بفك الحصار ليستطيع التنقل بحرية مثل غيره من أطفال العالم.