المواقف التركية الأخيرة المساندة لقطاع غزة في مواجهة الحصار الاسرائيلي جعلت البعض يتصور أن الأتراك قادمون لقيادة المنطقة وخوض حروبها وتحقيق آمالها. وايمانا بالروابط المشتركة بين الأمتين العربية والتركية ولدين الاسلام الذي يجمعنا فإن التاريخ يقول غير ذلك, بل إن صفحاته تؤكد وبحروف عريضة أن أربعة قرون من الحكم التركي للمنطقة فشلت في خلق اي دمج حضاري بين العرب والاتراك. وفي الوقت الراهن يحاول البعض تزييف التاريخ ليبيع للعرب فكرة أن الأتراك قادرون علي إخراجنا من كبوتنا الحالية وذلك من خلال الادعاء بأنه لولا الحكم العثماني لكان العرب قد انقرضوا مثل الهنود الحمر أو أكلتهم الطيور الاستعمارية الاوروبية الجارحة وأن علينا أن نسعي بقوة لعودة الهيمنة التركية علينا علي أعتبار أنها يمكنها تحرير فلسطين وإعادة توحيد العراق ومنع انفصال جنوب السودان وحل مشاكل الصومال وهذه المحاولات ليس لها سوي هدف واحد هو إضعاف مكانة الدول المحورية في العالم العربي بدءا من مصر ووصولا إلي المملكة العربية السعودية. وحتي لاننسي فإن الاندماج الحضاري بين العرب والاتراك فشل فشلا ذريعا علي الرغم من الاستعمار العثماني للمنطقة العربية والذي استمر أربعة قرون, وكان السبب الرئيسي في ذلك هو نظرة الاستعلاء من جانب أبناء عثمان ارطغرل للعرب واعتبارهم مواطنين من الدرجتين الثانية والثالثة رغم أن هذا الحكم تم تحت ستار الخلافة الاسلامية وحماية الاسلام. والطريف في قصة العلاقة بين العرب والاتراك والتي كان الاسلام الرابط الوحيد فيها هو ان الدولة العثمانية دولة الخلافة كانت كثيرا ما تستعين بدول غير مسلمة لمواجهة ولاياتها المسلمة مثلما حدث عندما تجرأت مصر بقيادة محمد علي باشا في عام1840 علي تحدي سلطتها فجلبت لتركيا جيوش بريطانيا وفرنسا لاعادته للحظيرة العثمانية وحتي بعد سقوط الخلافة العثمانية بما صاحبها من تخلف وجمود فإن الأتراك لم يتوجهوا نحو العرب والذين ينتمي اليهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ويجاورونهم جغرافيا, مفضلين الاتجاه نحو الغرب المتقدم, ساعين للاندماج في تكتلاته الأمنية والاقتصادية تجسيدا للرؤي الأتاتوركية, و قام حاكم تركيا الجديد مصطفي كمال أتاتورك بإلغاء الأذان, واستبدال الحرف اللاتيني بالعربي. وعندما جري حل الخلافة التركية لم نرث منها سوي المشاكل الحدودية خاصة مع كل من سوريا والعراق حول لواء الإسكندرونة ولواء الموصل علي التوالي, واتباع العرب والأتراك سياسات غير متوافقة مع المصالح المتبادلة, خاصة حين اتجهت تركيا إلي التحالف مع المعسكر الغربي, والدخول في أحلاف تستهدف حصار المد القومي العربي في الخمسينيات والستينيات, واتجهت كثير من الدول العربية للتحالف مع المعسكر الشرقي, واتجه بعضها لدعم' حزب العمال الكردستاني' المعارض في تركيا; مما كاد يسفر عن مواجهة عسكرية بين كل من سوريا وأنقرة في خريف عام1998 ساهمت مصر في حلها وتجنيب المنطقة حربا ضارية. وكما يقول الدكتور محمد نور الدين في كتابه' حجاب وحراب' فإن العرب والأتراك جمعت بينهما رابطتان, هما الأرض والخلافة: الأولي ذهبت مع نهاية الحرب العالمية وهزيمة الدولة العثمانية, والثانية ولت أيضا بإلغائها وإقامة الجمهورية التركية في عام1923, وهو ما أدي إلي فك ارتباط دام بين الطرفين طيلة4 قرون. وقد قامت السياسة الخارجية التركية تجاه القضايا العربية, وفقا لما تمليه عليها مصالحها الاستراتيجية مع الغرب وإسرائيل, خاصة أن هذه الأخيرة أصبحت ذات فائدة لأنقرة; باعتبارها دولة عسكرية واستخبارية من الدرجة الأولي, ظهرت الحاجة إليها بشكل أكبر في ظل المساعي التركية لتحديث قواتها المسلحة, وفي مواجهاتها العسكرية مع' حزب العمال الكردستاني', هذا ناهيك عن احتياجها إلي اللوبي اليهودي في مواجهة اللوبيين الأرمني واليوناني في الكونجرس الأمريكي, ولتحسين صورتها إعلاميا في مجال حقوق الإنسان في ظل ما تقترفه من تجاوزات بحق الأكراد, ومذابح الأرمن عام1915, فضلا عن اعتبارها بوابة واسعة إلي صداقة الولاياتالمتحدة. وحتي بالنسبة للأقلية العربية في تركيا والتي تشكل أكثر من3% من تعداد سكانها البالغ اكثر من70 مليون نسمه ويتوزعون في مناطق اورفة وماردين وانطاكية ولواء اسكندرون فإنهم يعانون من قمع عرقي تركي. ولقد تعرض عرب تركيا لسياسة التتريك التي اتبعتها الحكومات التركية المتعاقبة ضدهم كفرض الزي التركي عليهم وعلي الاقليات الباقية وبدلت أسماء القري والبلدات وأسماء العائلات إلي اسماء تركيةومنعتهم كغيرهم من الاقليات من التكلم بغير اللغة التركية, ومع هذا فما زال معظمهم يتكلم اللغة العربية وان كان قد دخلها الكثير من الالفاظ التركية. ومنذ قيام تركيا الحديثة والعرب المسلمون يجسدون في نظر الكماليين قيم التخلف والرجعية. حيث كان أتاتورك من أشد المؤيدين لوجوب طلاق الجامع والسياسة علي غرار ما حدث في أوروبا من طلاق بين الكنيسة والحكم, وكان يؤمن بأنه قادر علي أن يطوع الشعب التركي لتقبل هذه الأفكار, لكنه كان يري انه ليس لدي العرب القدرة علي التكيف مع ما يريد أن يطرح فكان لابد من الانفصال, الانفصال عن الجوار العربي الإسلامي, والتاريخ العثماني وتقاليد تلك الحقبة, وساعده في ذلك تغيير الحروف العربية إلي لاتينية, ومنذ ذلك الحين أي منذ قيام الجمهورية التركية الحديثة كان العرب المسلمون يجسدون في نظر السلطة الحاكمة في تركيا قيم التخلف والرجعية التي لابد من التخلص منها.