أثار حكم المحكمة الإدارية العليا بالسماح بالزواج الثاني للمسيحيين لغطا كثيرا ولعله سوف يثير غبارا كثيفا في سماء العلاقة بين المسيحيين وكنيستهم ومجمل الوضع في مصر. والآن الحكم واجب النفاذ قانونا. وهو في نفس الوقت صادم وبعنف للمسيحيين عموما, ولأنه أتي في زمن تفتحت فيه جراح كثيرة في الجسد المصري فقد حاولت أن أبحث الأمر سعيا وراء تفهمه وتفهم بواعث أطرافه, ومدي خطورة التداعيات التي سوف تترتب عليه وبدأت بكتاب قديم لقداسة البابا شنودة أصدر طبعته الأولي عام1958. ونقرأ فيه نصوصا توضح حقيقة الوضع أو حقيقة الجرح سيان. ونبدأ: أن القوانين التي وضعها الرسل والمجامع والآباء إنما كانت بناء علي السلطان الكهنوتي الذي منحه لهم السيد المسيح بقوله الحق أقول لكم كل ماتربطونه علي الأرض يكون مربوطا في السماء, وكل ماتحلونه علي الارض يكون محلولا في السماء( متي18:18)( ص7). * أن وحدة الزواج في المسيحية أمر مسلم به عند جميع المسيحيين في العالم كله علي اختلاف مذاهبهم( ص9). * أن هذا الإجماع العام يعني أن الأمر هو عقيدة راسخة لم تتزعزع مدي عشرين قرنا ثم يقول إن رفضها يعني أن المسيحيين في العالم أجمع أكليروسا وعلماء وشعبا منذ نشأتهم وحتي الآن مخطئون في فهم دينهم, وهذا مالا يستطيع أن يقول به أحد( ص16). * يقول السيد المسيح وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزني وتزوج بأخري يزني( لوقا16:18)( ص41). * ومن قول السيد المسيح عن الزوجين ليسا بعد اثنين, بل جسد واحد( ص76). * فإذا تزوج الواحد من قبل موت الآخر, فالذي تزوج مدان مداينة الفاسق( القانون العاشر من قوانين باسيليوس)( ص57). * سر الزواح حدد برجل واحد لامرأة واحدة( القديس أو غسطينوس)( ص76). * تعدد الزواج بالنسبة لنا خطية أكثر من الزنا( القديس باسليوس الكبير)( ص77). فإذا أتينا إلي الرأي الكنسي الحديث نقرأ في الكتاب نصا للأنبا غريغوريوس. * أريد أن أؤكد ونحن في صدد مناقشة التشريع المسيحي لقانون الأحوال الشخصية. أن موضوع الزوجة الواحدة موضوع مهم وخطير, وأي مساس بهذا المبدأ المسيحي يهدم ركنا أساسيا من أركان ديانتنا, وكل تشريع لأحوالنا الشخصية يجب أن يضع مبدأ الزوجة الواحدة في قمة الاعتبار. ويجب أن ينص عليه في عبارة واضحة, وصيغة دقيقة محددة لاتفسح مجالا لأي تفسير أو تأويل منحرف يبعد بنا عما تواضع عليه المسيحيون جميعا منذ نشأة المسيحية. ويورد قداسة البابا في كتابه بعد ذلك دراسات وأقوالا لكبار أساتذة القانون المصريين منها: * أن الرجل الذي يقدم علي الزواج مع وجود زوجة له علي قيد الحياة يرتكب في نظر الكنيسة إثما فظيعا. ويورد الباحث قولا لبولس الرسول ليكن لكل واحد امرأته وليكن لكل امرأة رجلها( د. إيهاب حسن إسماعيل شرح مبادئ الأحوال الشخصية للطوائف الملية)( ص87). * ويروي د. جميل الشرقاوي( في كتاب الأحوال الشخصية لغير المسلمين) ويتصل بقداسة الزواج في المسيحية وباعتباره سرا إلهيا ما استقر لدي المسيحيين من القول بمبدأ واحدية الزواج أي إقتصار الرجل في الزواح علي امرأة واحدة. فماذا عن الرأي الإسلامي؟ * يقول الأمام أبوحنيفة الدين تسليم بالإيمان والرأي تسليم بالخصومة فمن جعل الدين رأيا جعله خصومة ومن جعل الرأي دينا جعله شريعة والرأي في المعاجم العربية هو الحكم علي الشيء بالصواب أو بالخطأ فإذا رفعنا كلمة رأي ووضعنا مكانها كلمة حكم, أمكننا أن ندرك مدي خطورة الوضع الذي نجد أنفسنا فيه. * والشاعر أحمد شوقي يعلمنا: نعلي تعاليم المسيح لأجلهم ويوقرون لأجلنا الإسلاما الدين للديان جل جلاله لو شاء ربك وحد الأقواما * ونقرأ في الأبحاث التي أصدرها المؤتمر السادس لمجمع البحوث الإسلامية قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من ظلم معاهدا أو انتقصه أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ونقرأ أيضا أما حرية الاعتقاد فعلي الدول الإسلامية أن تترك الحرية لكل فرد من رعاياها أن تكون عقيدته بناء علي مايصل إليه عقله ونظره الصحيح, ولكل إنسان طبقا للشريعة الإسلامية أن يختار من العقائد مايشاء وليس لأحد أن يحمله علي ترك عقيدته واعتناق غيرها لقول الله عز وجل لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. * وفي القرآن الكريم أيضا شرع لكم من الدين ماوصي به نوحا والذي أوحينا إليك وماوصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولاتترقوا فيه. * وفي الحديث الشريف أمرنا أن ندعهم ومايدينون. .. والآن. وقد وقعت الواقعة وماكان أغنانا عن أن نقع فيها فلابد من حكمة خالية من التربص ومن التسرع فالأمر جد خطير.. ولعل الحل الأسرع هو الإسراع بإصدار القانون الموحد للأحوال الشخصية للطوائف المسيحية. والي أن يتم ذلك لامخرج سوي الحكمة والتريث.