من بين خبرات بلا حصر تعلمك الحياة وسنوات مهنة المتاعب ربما أكثر من أي مهنة أخري, ألا تتورط علانية أو كتابة في حماقة التنبؤ بما سيحدث لاحقا, وبالذات عندما يتعلق الأمر بالسياسة أو الحب, وكلاهما ليس له أمان. خذ عندك مثلا ما جري في1989, حين جازف وارين واجارالمؤلف والمؤرخ الأمريكي الذي تخصص في المستقبليات وقبل عام واحد فقط من الانهيار المفاجيء للكتلة الشيوعية بإطلاق نبوءة غير محسوبة نشرها في كتاب أعطاه عنوانا مثيرا اشتهر وقتها, هو التاريخ المختصر للمستقبلAShortHistoryoftheFuture. وفيه استخدم مزيجا حالما من التاريخ والخيال ليبشرنا بشكل الحياة علي الأرض في عام2200:' عالم خارج من صراع نووي أوروبي أمريكي كارثي. و يرسل ابناءه لاحتلال الكواكب الأخري ولا تستقرأوضاعه إلا بعد تشكيل حكومة اشتراكية واحدة للكرة الأرضية كلها'. لكن سقطة واجار الكبري التي صححها بخجل فيما بعد بإعادة كتابة فصول باكملها من كتابه- هي أنه لم يقرأ المستقبل جيدا, وافترض أن الاتحاد السوفيتي_ القوة العظمي الثانية وقتها- سيبقي ليلعب دورا متزيدا علي حساب الغرب لمائتي عام أخري.. وكلنا نعرف الآن أن نبوءة كهذه لم تدم إلا شهورا قليلة, كان المعسكر الشيوعي كله قد تبخر فيها ومعه ما بقي من اشتراكية وأصبح أثرا بعد عين ليحل مكانه باختفائه عالم جديد ولاعبون أخرون. اليوم وبرهان علي ضعف ذاكرة الكثيرين جاء دوري لأجرب حظي أنا الآخر. الفارق هذه المرة هو أنني سأكون أقل جموحا وطموحا وأكتفي بتقديم' موجز أقصر كثيرا لتاريخ ما يمكن أن يحدث': ما أتصور أنه سيكون التوقعات العشرة الأهم للسنوات العشر المقبلة.. وما أكاد أجزم بأنه سيبقي علي حاله في حياتنا بلا تغيير, هنا في مصر وحولنا في العالم: 1- كلمة التوريث التي أخذت تتردد وحتي الثانية الأخيرة في2009, ستظل لسنوات مقبلة هي الكلمة الأكثر استخداما في حياة المصريين. وهكذا فإن شيئا لن يوقف جدل التوريث_ بكل تنويعاته- الي أن يتحقق فعلا.. أو الي أن يعثر أهل الميديا والسياسة علي قضية بديلة يشتبكون حولها[ والقائمة طويلة بداية من سر مقتل توت عنخ آمون وانتهاء بالتطبيع والفساد وما يستجد!]. 2- غدارة ودائمة المفاجآت, لكن شيئا لن يغير مكانة كرة القدم في القلوب. ومعها سينفرد الاهلي بالقمة بلا منازع وبذكاء يضمن له الصمود كحزب الجماهير الاول[ تماما مثلما سيبقي الحزب الوطني في المقدمة هو والصحف القومية, بشرط أن يدركا أن الدنيا لا تبقي علي حال وأنه لودامت لغيرك].. أما الفريق الاحمر فليس هناك في المستقبل المنظور ما يقلقه اللهم الا اذا ظهر حصان اسود ليفرض عليه تداول السلطة[ ليس الزمالك للأسف]. 3-.. وربما ليس هناك هوس آخر يمكنه منافسة هذه اللعبة الجميلة سوي إدمان التدخين الذي يغوي ملايين اكثر كل عام( مصر الآن هي الأولي عربيا في استهلاك السجائر وتدخين الشيشة و أكثر من ثلث سكانها مدخنون,73 الفا منهم تحت سن العاشرة), برغم التوقعات العالمية التي تحذر من أن10 ملايين علي الأقل سيفقدون حياتهم بسبب السجائر من هنا وحتي2025) ومع ذلك فإن شيئا لن يعالج هذا الجنون بصرف النظرعن الصور المرعبة علي علب السجائر وأن التدخين يقتل...[لكن من يقرأ] 4- المحمول[54 مليون خط] و الفيس بوك[18 مليون مستخدم للإنترنت] سيواصلان تصدرهما لاهتمامات المصريين بكل اجيالهم, وهؤلاء مستعدون لإضاعة مزيد من الساعات ولزيادة هائلة في تكاليف الكهرباء والاتصالات, فضلا عن المسافات التي تباعد يوما بعد يوم بين افراد البيت الواحد ودون أن يتوقف أحد عند العائد الحقيقي لكل هدر الوقت والثرثرة والرسائل الطائرة في الهواء. 5- لقب' الخاسر الاكبر' في عالم لا يلتفت الي الضعفاء سيظل حكرا علي العرب للأسف.. وبالذات اذا ما بددوا10 اعوام اخري من اعمارهم في الانتظار وندب الحظ والسير في المكان[ أو الي الوراء] دون محاولة جادة لفض الاشتباك مع معارك الماضي المستمر والتوقف عن الحديث إلي الذات.. وكأن المانع هو الجينات.. وبالتوازي ستظل اسرائيل هي العدو رقم واحد ومصدر التهديد الدائم الي ما بعد2020[ هل نحتاج الي شرح اضافي؟] 6- في القمة متسع للجميع ولهذا فإن أمريكا لن تضعف إلي الحد الذي يتمناه البعض_ أو يخشاه- لكن غيرها[ الصين والهند مثلا] سيقوي و يتجرأ ويقرب المسافة معها ليميل ميزان الثروة أكثر باتجاه الشرق. 7- لا النيل سيجف ولا الدلتا ستغرق[ ليس قبل2050 لا قدر الله] كما يصرخ علماء البيئة ليل نهار دون أن يسمعهم أحد, ومع ذلك فالحكمة تقتضي أن نتحرك وبسرعة لحماية انفسنا من زحف البحر ولوقف إهدار المياه وكل مظاهر السفه التي نبدو معها وكأننا ورثنا النيل, ونتحسب ولو علي سبيل التغيير لغضب الطبيعة[ وبالمناسبة فالحياة ممكنة جدا بلا ملاعب جولف و بلا غسيل للسيارات في الشوارع]. 8- بحكم تراث ممتد لن يتخلي المصريون بسهولة عن كثير من عاداتهم. ولهذا سيواصلون الانشغال بآخر نكتة وبابتكار أفضل طرق الفهلوة, وبالكلام عما كان.. لا عما يجب أن يكون, و بالتشكك في كل نوايا الحكومة, وبصراع الديكة في برامج التوك شو التي يتزايد دورها في تشكيل مزاج الناس وأجندة الجدل العام ليلة بعد ليلة[ التطور الإيجابي الوحيد المطلوب ألا ينتكس وسط هذا العبث هو المزيد من الحرية في التعبير والتفكير وسقف أعلي للجميع]. 9-... ثم إنهم بتأثير الميديا والأفكارالعابرة للحدود والتغيرات المستمرة في التكنولوجيا والمجتمع وأنماط الأستهلاك سيظلون يضيفون الي قاموس حياتهم اليومية مفردات جديدة, وربما تكون اللغة العربية هي أول من يدفع الثمن لسيل كلمات من عينة' قشطة' وPeace' التي يبلغك بها أبناؤك بأنهم موافقون..و' هات من الاخر' اذا كانوا متعجلين.. و' مزة' التي أصبحت- دون أن نعرف مصدرها اللغوي- في مفهوم الكثيرين بديلا غير محترم للإشارة الي أي فتاة جذابة ومثيرة أو تستحق المعاكسة, وبما في ذلك التوك توك' و' بوس الواوا'.. رائعة هيفاء وهبي, التي أصبحت في وقت قصير جزءا من ثروة العرب القومية!. 10- وطبعا سيستمر تعدادنا في التضخم بلا توقف[ وبمعدل1.5 مليون مولود جديد كل سنة] لنحتفظ بتفوقنا علي كل العرب ولنكسر حاجز ال100 مليون نسمة... والنتيجة معروفة: مزيد من السيارات في الشوارع المختنقة مقدما, ومن عذاب البحث عن شقق معقولة لملايين جديدة في سن الزواج.. ومن الضغط علي البنية الأساسية والموارد المتآكلة. و أكثر من شيء آخر: مزيد من الاكتواء بنارالغلاء الذي سيجعلنا نتحسرعلي ما نحن فيه الآن عندما نتذكر كيف كان كيلو اللحم في2010 ب50 جنيها فقط. ... ولا أريد أن أنهي القائمة دون اضافة نبوءة اخري, قل أنها أمنية للتغيير لا أعرف فعلا أن كانت ستصدق, وربما تلخصها رغبة في أن نصبح جادين بما يكفي في عالم عملي لا يعرف الهزر.. و في أن نستثمر أكثر في البشر ونحترم حقوقهم بجد بما يضمن لهم العدل و الفرصة ليكون لهم صوت ويحققوا أي أحلام لهم ويعيشوا بسعادة. ثم أن نذكر أنفسنا كل لحظة, بالتحدي القديم الجديد أمامنا: أن يكون لنا_ دولة وشعبا- موقع من الإعراب, موقع الفاعل ولا شيء غيره... هذا وحده هو ما يليق بنا ولا أظن أننا سنعجز عنه, لتصبح مصر المكان الذي نريده جميعا في2020, قبلها وبعدها... المستقبل هنا والآن: المهم ألا نخذله والأهم ألا نخذل أنفسنا!