ليست هذه هي المرة الأولي التي تواجه فيها حكومة إسرائيلية انتقادات من الداخل بسبب' جريمة' ارتكبتها, فتاريخ إسرائيل في هذا المجال عودنا علي اندلاع ثورة انتقادات عارمة. ضد الحكومة من جانب المعارضة ووسائل الإعلام وبعض الأصوات المؤيدة للسلام في إسرائيل. حدث ذلك في مجزرة' دير ياسين', وفي مجازر صبرا وشاتيلا, وبعد مذبحة قانا, وبعد العدوان العسكري الدامي علي قوات حماس في غزة, حيث واجهت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة انتقادات شديدة واتهامات عنيفة بسبب أسلوب تعاملها' القاسي' في مثل هذه الحالات, ولكن تبقي هذه الانتقادات والانتقادات في النهاية أشبه بمسلسل سخيف متكرر لا طائل منه. ولعل كثيرا من المعلقين العرب اعتاد علي إبراز الانتقادات الموجهة إلي الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من الداخل, علي طريقة' وشهد شاهد من أهلها', ويعتقدون أن هذه الانتقادات إما أنها تدل علي ارتفاع الأصوات المطالبة بالسلام في إسرائيل, أو أنها تعني أن الأمور في طريقها إلي التغيير, بينما الأمر في النهاية لا يستحق كل هذا الاهتمام, فلا أصوات السلام تمثل أغلبية في إسرائيل, ولا هذه الانتقادات هدفها تغيير الموقف من القضية الفلسطينية وتعني رغبة حقيقية في تحسين صورة إسرائيل الذهنية السيئة دوليا, وإنما أحيانا تأتي في إطار عمليات' حرق' الحكومات التي تمارسها الأوساط الإعلامية والسياسية الإسرائيلية بنجاح واقتدار, خاصة في أعقاب الجرائم الدموية مثل الاعتداء الأخير علي قافلة أسطول الحرية, أو بعد العمليات العسكرية المدوية, سواء في غزة أو في جنوب لبنان. كثيرون في إسرائيل تحدثوا عن' أخطاء' حكومة نيتانياهو في التعامل مع أسطول الحرية, ولكن أغلبية التعليقات ذهبت إلي التركيز علي فكرة مسئولية نيتانياهو عن' تشويه' صورة إسرائيل دوليا, وكأنها لم تشوه بعد, أو التشديد علي فكرة أن حكومة نيتانياهو مسئولة عن تدهور علاقات إسرائيل مع حلفائها وأصدقائها علي حد سواء, والمقصود تحديدا دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في ظل إدارة باراك أوباما, وهي جريمة اعتبرتها الصحف الإسرائيلية تفوق في فداحتها خطورة جريمة الاعتداء علي نشطاء أسطول الحرية نفسها.. والمعني واضح! الانتقادات تركزت علي فشل حكومة نيتانياهو في كسب ود إدارة أوباما والدول الأوروبية من قبل حادثة أسطول الحرية, سواء من فضيحة جوازات السفر المستخدمة في جريمة اغتيال المبحوح في دبي, أو في موقف إسرائيل المتعنت من المفاوضات مع الفلسطينيين, والتصريحات التي أغضبت واشنطن عن الاستيطان. الإسرائيليون يعتبرون أن نيتانياهو أدخل إسرائيل في عصر لم تعهده من قبل, وهو عصر تلقي اللوم والتقريع المباشر من حلفاء مقربين بسبب تصرفاتها, مثل تصريحات أوباما وهيلاري كلينتون وجوزيف بايدن العنيفة غير المعتادة ضد إسرائيل ومثل الإجماع الدولي بإزالة الغموض عن البرنامج النووي الإسرائيلي, ومثل مطالبة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة اسرائيل بإجراء تحقيق دولي للمرة الأولي في واقعة أسطول الحرية, ومثل تحول ظاهرة المظاهرات المعادية لإسرائيل في العواصم والمدن الغربية, بل وفي عواصم لا يهتم سكانها كثيرا بقضايا السياسة الخارجية مثل العاصمة الأرجنتينية بيوينس آيرس, لدرجة أن بلغ الأمر حد تشبيه حالة الحرج والموقف السييء لإسرائيل حاليا علي الصعيد الدولي بوضع جنوب إفريقيا في السنوات الأخيرة من عصر' الأبارتايد', وأصبح الإسرائيليون أنفسهم يتحدثون بغير حرج عن وصف بلدهم بالعنصرية. صحيفة' هآرتس' من جانبها نشرت مقالا يتضمن' كشف حساب' لنيتانياهو في عام مضي تحت عنوان' إسرائيل تنتحر' في إشارة إلي خطاياه خلال هذا العام, بينما اعتبرت صحيفة' معاريف' صراحة أن إسرائيل لا توجد بها لا حكومة ولا رئيس وزراء ولا وزير خارجية! ولكن كل هذا طبيعي في إسرائيل ولا يجب أن نهتم به كثيرا, فالهدف هو كما سبق الذكر حرق هذه الحكومة المسئولة عن تدمير سمعة إسرائيل دوليا ودفعها إلي الاستقالة, وبالتالي تأتي حكومة جديدة, بأفكار جديدة, وانتهاكات جديدة, وعلي الأرجح بجرائم جديدة, لتتعرض للهجمات من الداخل والخارج, وبعد ذلك تأتي حكومة أخري لتؤدي دورها المعتاد.. وهكذا! وإذا كان الإسرائيليون يفخرون بقدرتهم علي تغيير الحكومات التي تخطيء, فإن المجتمع الدولي لم يعد قادرا علي تحمل فكرة اختيار السييء فالأسوأ فلاسوا![email protected]