كتب : بلال المسلمي كان المونديال حلم قارة وعندما أصبح واقعا تحول إلي أمل أمة تسعي لتبديد ميراث طويل من الأزمات. فالمونديال بالنسبة لبلد مثل جنوب أفريقيا ليس مجرد حدث يستضيفه وطن مانديلا ولكنه مناسبة لكي تنفض البلد عن كاهلها ما تبقي من آثار سياسة الفصل العنصري وما تركته من ندوب علي وجه جنوب أفريقيا حيث أفرزت معدلات جريمة مرتفعة ومناطق محرومة وشرائح كبيرة لا تستطيع الاندماج مع المجتمع بشكل كامل. وعلي الرغم من أن جنوب أفريقيا استضافت قبل سنوات كأس العالم للرجبي لكن المردود الاجتماعي للبطولة لم يكن بالشكل المأمول. ولأنها كرة القدم اللعبة الشعبية الأولي لأصحاب البشرة السمراء تزداد الآمال في انتشال اليأس من نفوس المتعبين من أبناء جنوب أفريقيا, ولهذا سمح الفيفا ولأول مرة بتقديم آلاف التذاكر المجانية لسكان البلد المنظم, فيما قررت الحكومة فتح الحدائق العامة في45 ألف مكان وتحويلها إلي ساحات لمتابعة المباريات بهدف نقل أجواء المنافسات إلي كل بيت خاصة أن40% من السكان سيطرأ تغيير علي حياتهم بسبب البطولة. فإذا كان الجيران في موزمبيق والأصدقاء في تنزانيا قد دخل أجواء البطولة عندما حقق المونديال الأفريقي حلمهم الكبير بمتابعة نجوم العالم في مواجهة منتخباتهم, فإن البطولة ستنعش جيوب الملايين حيث وفر الحدث695 ألف وظيفة جديدة سنويا وضخت9.3 مليار دولار للاقتصاد الوطني بزيادة نسبتها38% في الناتج العام. وعلي الرغم من تراجع مائة ألف سائح عن إتمام رحلاتهم إلي وطن المونديال إلا أن العائدات لن تتأثر لأن الثلاثمائة وسبعين ألف سائح المؤكد حضورهم سيمكثون فترات أطول حيث سيرتفع المتوسط من14 يوما إلي.18 وإذا كانت الأرقام تؤكد أن البطولة نجحت اقتصاديا قبل أن تبدأ إلا أن المدن والمقاطعات لا تستهدف من وراء إنفاق900 مليون دولار لاستضافة المنافسات تحقيق مكاسب مادية فقط, بل وضعت الحكومة خطة لاستثمار الحدث من جوانب اجتماعية. ويراهن الجميع علي المونديال في كشف وجه مغاير لما هو معروف عن بلاد مانديلا, من خلال حوادث أقل, وحفاوة أكبر بالضيوف دون جرائم, ويخشي المسئولون من نشاط مكثف للمهربين وتجار الماس والمخدرات استغلالا لانشغال الأجهزة الأمنية بحماية الضيوف. أما أكثر ما يشغل أذهان السلطات الجنوبية أفريقية هو نجاح المونديال في كسر الهوة بين البيض والسود خاصة أن التجارب أكدت استمرار النظرات العنصرية من البعض لأصحاب البشرة السمراء, ولهذا قد تكون الفرصة مواتية للتعامل مع الحدث باعتباره مشروعا وطنيا يوحد الجهود, ويشعر الأقلية البيضاء التي لا يهتم معظمها بكرة القدم بأنهم شركاء الأغلبية السمراء في الوطن وفي الاهتمام بالمونديال خاصة أن ثمار استضافة البطولة جناها الجميع. وإذا كانت جنوب أفريقيا ترحب بضيوفها, فإنها تأمل حكومتها في أن يتحول المونديال إلي قبلة الحياة لوطن تجاوز الكثير من مشكلاته الاجتماعية خاصة أن الأرقام تشير إلي اهتمام أكثر من78% من السكان بكل ما يدور في البطولة من أحداث. بعيدا عن الملايين التي أنعشت الاقتصاد, يحلم السياسيون بأن تنقي البطولة النفوس وتغسل هموم وطن مثقل بميراث العنصرية.