علي الرغم من الدور الإنساني الذي تضطلع به الهيئات الدولية المستقلة منها أو التابعة لمنظمات الأممالمتحدة في مجال الإغاثة, إلا أنها جميعا تعاني عدم مواءمة مواردها مع مصروفاتها. وتنبع المشكلة اساسا من ارتفاع عدد البؤر الملتهبة في العالم لأسباب طبيعية أو بشرية, والتي تأتي أفغانستان والعراق وفلسطين علي رأسها. وقد أطلقت مؤخرا عدة هيئات إغاثة دولية وإقليمية العديد من النداءات لمطالبة أثرياء العالم من حكومات وأفراد بمساندتها لمواصلة أعمالها المهددة بالتوقف الدائم أو المؤقت بسبب الأزمة المالية العالمية التي تسببت في ارتفاع أسعار مواد الإغاثة, وانخفاض معدلات التبرع بنسبة تتجاوز6% عما هو معتاد. وكانت هيئات الأممالمتحدة التي تتولي وحدها إطعام نحو100 مليون شخص حول العالم, قد أعلنت تخفيض ميزانيتها بنحو مليار دولار بسبب عدم توافر الأموال اللازمة, كما أعلن برنامج الغذاء العالمي عن عدم قدرته علي الوفاء بالتزاماته تجاه12 دولة, مما أدي إلي خفض معوناته لزيمبابوي وإثيوبيا وغيرهما من الدول. وحذر مسئولو البرنامج من أن بداية العام الجديد ستشهد أزمة حقيقية لتوفير الغذاء في كل من: تشاد وهاييتي وكينيا وأوغندا وجمهورية الكونجو الديمقراطية, بينما ستتكرر الأزمة نفسها في منتصف العام في كل من السودان وأفغانستان والصومال ما لم يتحرك المانحون بصورة سريعة وإيجابية. وفي ظل تلك الأجواء, دعا مؤخرا التقرير الدولي للكوارث الذي يصدر بانتظام منذ13 عاما, إلي تكاتف الجهود الدولية ليس فقط لجمع المال المطلوب, ولكن إلي الإسراع بإيجاد نظام للتحذيرالمبكر في ظل توقع المزيد من الصعوبات في عام2010, والتي من بينها تعثر الهيئات الدولية في الحصول علي الأموال, ليس فقط للإنفاق علي تحركات وإعاشة ورواتب أطقم عمالها الأجانب والمحليين, ولكن أيضا للحصول علي احتياجاتها من الأغذية الجافة والحبوب والماء العذب والملاجئ سابقة التجهيز لإعاشة ضحايا الحروب والصراعات والكوارث الطبيعية في ظل تغير مناخي ملحوظ أدي لانتشار الجفاف وزيادة معدلات الهزات والانزلاقات الأرضية والفيضانات التي ضربت مدنا بأكملها, كما في جنوب آسيا وشرق إفريقيا وغيرها. وكان العام الماضي قد شهد إلي جانب الحروب الأهلية والصراعات في كل من سريلانكا وباكستان والقرن الإفريقي, العشرات من الكوارث الطبيعية عقب مجموعة من الأعاصير في جنوب شرق آسيا والأمريكتين, وكذلك سلسلة من الزلازل التي ضربت سومطرة بإندونيسيا, ومقاطعة يونان بالصين, وأفغانستان, ومالاوي وجورجيا وبنما وهندوراس, والفيضانات في صربيا وتايلاند والأرجنتين وأروروجواي والصومال وباراجواي والهند وأذربيجان وكينيا وتركيا وتشاد وغينيا وليبيريا وزامبيا والنيجر بتسوانا وبوركينافاسو والسودان وموريتانيا, وكذلك نيبال والفلبين وفيتنام, هذا بالإضافة إلي بدء انتشار الإنفلونزا المستجدة في ابريل الماضي الذي استلزم تضافر الجهود الدولية للتصدي للوباء الجديد. مع ملاحظة تعثر بعض حملات الإغاثة في بعض الأحيان لأسباب أمنية كما في الصومال التي فرضت جماعات الشباب المتشددة رسوما مالية مبالغا فيها علي هيئات الإغاثة مطالبة إياها بالتوقف عن تشغيل النساء بدعوي تعارض ذلك مع القواعد الدينية في إعادة للسيناريو الأفغاني الذي يعد نموذجا مثاليا لجماعة الشباب المتشددة( أو النسخة المكررة من طالبان). وبصفة عامة تعد إفريقيا واحدة من أكبر نقاط مناطق استجلاب المعونات بسبب الوضع السياسي المتردي في عدد كبير من بلدانها. هذا بالإضافة إلي صراع دارفور الذي نتج عنه نحو2,7 لاجئ يتلقون الدعم من منظمات مختلفة, كما تقدر الأممالمتحدة أن نحو300 ألف شخص قتلوا منذ بداية الصراع في عام2003. وإلي جانب الصراعات الإفريقية, يظل الشرق الأوسط من أشد المناطق اشتعالا وتتعدد مشكلاته ما بين الخليج والمحيط, والتي تأتي القضية الفلسطينية علي رأسها, حيث يشكل أبناؤها أعلي نسبة لاجئين في العالم, موزعين ما بين الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان وسوريا ومصر وغيرها من الدول العربية, وقد أضيفت العراق إلي القائمة نفسها بسبب تدهور المستوي الأمني بها وما تبعه من نزوح مئات الآلاف إلي سوريا والأردن. وقد طلب العراق أخيرا من المجتمع الدولي مساعدات بقيمة مائة مليار دولار علي مدي السنوات الخمس المقبلة من أجل إعادة إعمار بنيته التحتية.. كما شهد العام الماضي, تصاعد أزمة اليمن نتيجة لتحركات الانفصاليين الحوثيين, مما دفع الهيئات الدولية إلي المطالبة بنحو177 مليون دولار لمساعدة1,6 مليون شخص قبل حلول عام2010. في الوقت نفسه, حث مكتب الأممالمتحدة لشئون اللاجئين الفلسطينيين الدول العربية للإسهام في دعم ميزانيته البالغة323 مليون دولار لمساندة اللاجئين الفلسطينيين, ومنهم نحو1,4 مليون يعيشون في قطاع غزة الذي دمرت إسرائيل بنيته التحتية في بداية2009. وهكذا.. بينما احتفل العالم بمرور150 عاما علي معركة سولفرينو, التي شكلت أحد المحفزات الأساسية لقيام أول حركة إغاثة دولية تحت شارة الصليب الأحمر, ومرور الذكري الستين لاتفاقيات جنيف الخاصة بالقانون الدولي الإنساني, وجدت الهيئات الدولية والإقليمية والمحلية نفسها عاجزة, ليس فقط ماديا ولكن إنسانيا, في ظل صعوبة تطبيق القانون الدولي الإنساني في الصراعات والحروب, والتصدي للكوارث الطبيعية التي تحتاج لمليارات لإنقاذ ضحاياها. وهكذا تتضافر الطبيعة مع الإنسان لبقاء أوضاع سيئة بعينها, ولا أمل في تجاوز بعض آثارها إلا بضخ المزيد من الأموال.