أنهي المؤتمر الدوري الذي يعقد كل خمس سنوات لمراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية أعماله يوم الجمعة28 مايو الفائت بعد25 يوما من المناقشات الساخنة والمتوترة في مقر الأممالمتحدةبنيويورك. وأصدر الوثيقة المنتظرة التي تبلور مجمل تحفظات ومطالب الدول الموقعة علي هذه المعاهدة خاصة الدول غير النووية وفي مقدمتها الدول العربية, التي بذلت جهودا مضنية بقيادة الوفد المصري في المؤتمر لفرض تنفيذ مطلبها الأهم وهو تفعيل القرار الصادر عن مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية عام1995 الذي ينص علي جعل الشرق الأوسط إقليما خاليا من الأسلحة النووية ومطالبة إسرائيل بالتوقيع علي معاهدة الحظر وفتح منشآتها النووية أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ونستطيع أن نقول إن مصر والدول العربية مدعومة من إيران وتركيا ومجموعة دول حركة عدم الانحياز خاضت معركة دبلوماسية عالية المستوي والمهنية بشهادة الوفود المشاركة, وإذا كان مضمون الوثيقة التي صدرت عن المؤتمر يقول إن مصر والدول العربية قد حققت نصف انتصار بسبب الثغرات التي نجح الوفد الأمريكي بالمؤتمر في إقحامها علي نص الوثيقة, فإن النصف الآخر من الانتصار قد تحقق فعلا بوقوف مصر وجها لوجه أمام إسرائيل في هذا المؤتمر وأمام الضغوط الأمريكية, فقد عبر أداء الوفد المصري في المؤتمر بقيادة السفير ماجد عبدالفتاح رئيس وفد مصر بالأممالمتحدة, عن إدراك مصري استراتيجي ثلاثي الأبعاد: الأول يري أن امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية يعتبر تهديدا مباشرا للأمن الوطني المصري يجب إزالته, والثاني, أن الرفض الإسرائيلي للتوقيع علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ورفض المشروع الدولي في جعل الشرق الأوسط إقليما خاليا من الأسلحة النووية هو مصدر التهديد الأساسي للأمن والسلم في الشرق الأوسط وليس البرنامج النووي الإيراني كما تزعم إسرائيل والولاياتالمتحدة والثالث, أن التنسيق العربي الإيراني المدعوم بكتلة دول عدم الانحياز ضرورة لمحاصرة الرفض الإسرائيلي لما نصت عليه الوثيقة الجديدة الصادرة عن مؤتمر مراجعة معاهدة انتشار الأسلحة النووية يوم28 مايو2010. معني ذلك أن نصف الانتصار الذي تحقق يمكن أن يبقي كما هو مجرد نصف انتصار بل إنه يمكن أن يتلاشي تماما ويتحول إلي مجرد وثيقة تاريخية أو تقليدية غير قابلة للتنفيذ علي غرار القرار الدولي الصادر عن مؤتمر المراجعة عام1995 وقرارات أخري لا تقل أهمية صدرت عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية, إذا لم تبدأ مصر من الآن بتحقيق النصف الثاني من الانتصار من خلال الإصرار والصمود أمام كل الضغوط لتنفيذ القرار الجديد أو البند الجديد في الوثيقة الجديدة وإجبار إسرائيل والولاياتالمتحدة علي القبول بنص هذا البند وتنفيذه عبر أجندة عمل نووية مصرية جديدة تعمل جنبا إلي جنب مع مواصلة المعركة الدبلوماسية والتنسيق الكامل مع القوي الاقليمية المعنية خاصة إيران وتركيا والقوي الدولية لعقد المؤتمر النووي الخاص بالشرق الأوسط الذي نصت عليه الوثيقة وفي موعده المحدد, وسد كل الثغرات التي نجحت واشنطن في أن تفرضها خاصة أن خطة تسويف واحتواء القرار بدأته واشنطن وإسرائيل قبل صدور الوثيقة وسوف يتواصل بمشروعات وخطط جديدة لفرض قواعد لعبة جديدة تحول دون نزع أسلحة إسرائيل النووية بل وفرضها كقوة أمر واقع نووية. قواعد اللعبة الجديدة لن تكون إسرائيلية فقط ولكنها أمريكية إسرائيلية بالأساس, وأن أولي قواعدها جري إرساؤها في النص الصادر في الوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. لقد خاض الأمريكيون معركة ضارية في المؤتمر من أجل إنقاذ إسرائيل وبالتحديد ضد مطلب الدول العربية:تسمية إسرائيل نصا في القرار, وشروط انعقاد المؤتمر عام2012 لدرجة هددت المؤتمر بالفشل. وبلغ حجم الضغط الأمريكي أن قام مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز بجمع السفراء العرب في واشنطن, ولينضم إليه لاحقا جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي قبل يوم واحد من ختام المؤتمر في نيويورك, وذلك لمطالبتهم بإبلاغ حكوماتهم بأن الرئيس باراك أوباما يريد منهم التخلي عن التمسك بتسمية إسرائيل في الوثيقة الختامية. كما أصر المفاوضون الأمريكيون في المؤتمر علي أن يكون المؤتمر المقترح الخاص بالشرق الأوسط دوليا من دون وجود أية آلية تفاوضية تضمن استمراره أو وصوله لهدفه المتمثل في خلق منطقة خالية من السلاح النووي, ورفض المفاوضون العرب ذلك, وقبلوا بالصيغة التي قدمتها المندوبة الإيرلندية إليسون كيلي القائلة بأن هدف خلق منطقة خالية من السلاح النووي سيتم علي أساس ترتيبات يجري التوصل إليها بحرية بين دول المنطقة, ما يعني أن العملية ستكون اختيارية بالنسبة لإسرائيل, وهو ما ينفي عمليا صفة الإلزام عن المؤتمر المزمع انعقاده عام2012, وفقا لنص وثيقة البيان الختامي, وكان هذا هو المدخل الذي استغله مستشار الأمن القومي الأمريكي جيمس جونز بعد صدور الوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة في البيان الذي أصدره وقال فيه إن مؤتمر عام2012 المقترح بات محل شك وأن الولاياتالمتحدة لن تسمح بعقده ما لم تضمن كل الأطراف بأنه سيعمل علي أسس غير منحازة وبناءة. هذه هي أولي قواعد اللعبة الجديدة, ولذلك كان الرئيس الأمريكي أوباما حريصا علي الإسراع بالإعراب عن معارضته بشدة للإشارة إلي إسرائيل من دون غيرها في الوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة, معتبرا أن التهديد الرئيسي في مجال الانتشار النووي في الشرق الأوسط يتمثل في رفض إيران احترام واجباتها المنصوص عليها في معاهدة حظر الانتشار النووي, لكن أوباما لم يكتف بذلك بل منح بنيامين نتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية تعهدا بتعزيز القدرات الاستراتيجية والردعية الإسرائيلية حسب مسئول إسرائيلي أكد أن أوباما قدم إلي نتانياهو ضمانات واضحة, بأن أمن إسرائيل لن يتعرض للتهديد علي خلفية ما اتفق عليه في مؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. هذا التعهد الأمريكية هو القاعدة الثانية من قواعد اللعبة الجديدة, أما القاعدة الثالثة فهي الرفض الإسرائيلي المطلق لما تضمنته الوثيقة الختامية لمؤتمر المراجعة وإدانته ووصفه بالنفاق وإعلان عدم الالتزام به حسب نص بيان حكومي قال إن إسرائيل بوصفها دولة غير موقعة علي معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية فإنها غير ملزمة بقرارات المؤتمر الذي لا يملك سلطة عليها. هذه القواعد الثلاث يمكن وصفها مقدمة للقاعدة الرابعة والأهم وهي احتمال تخلي إسرائيل عن استراتيجيتها النووية التقليدية التي التزمت بها علي مدي عقود مضت منذ امتلاكها أسلحة نووية وهي استراتيجية الغموض النووي أي عدم تأكيد أو عدم نفي امتلاك أسلحة نووية إلي استراتيجية المكاشفة وفرض نفسها كقوة نووية عالمية كأمر واقع مثلها مثل الهند وباكستان في ظل مبررات أخري تري أن إنهاء الغموض النووي بقرار إسرائيلي سيحقق لإسرائيل مكاسب هائلة أبرزها حماية قدراتها النووية العسكرية حسب تأكيدات خبرائها مثل البروفيسور عوزي ايفي من دائرة الكيمياء في جامعة تل أبيب والبرفيسور افنير كوهين من جامعة ميريلاند ومؤلف كتاب إسرائيل والقنبلة فهما يقولان:سنربح من هذا الإعلان, لأننا لن نكون ملزمين تجاه الماضي, تجاه ما تراكم عندنا, إذا كان قد تراكم, وملزمين فقط في المستقبل لكن إضافة إلي ذلك ستنفتح إسرائيل علي العالم نوويا وستتجاوز كل ما هو محظور عليها, خاصة تجديد مفاعلاتها وتنشيط كوادرها العلمية وبناء مفاعلات جديدة لإنتاج الكهرباء بمساعدات دولية محظورة عليها الآن. ماذا ستفعل مصر إذا انهت إسرائيل التزامها باستراتيجية الغموض النووي وأعلنت قبل انعقاد مؤتمر عام2012 أنها قوة نووية مثل الهند وباكستان. إسرائيل تضع قواعد جديدة ل لعبة جديدة فهل ستسعي مصر هي الأخري إلي تغيير قواعد اللعبة منع الانتشار إلي لعبة أخري جديدة وبديلة, أم ستبقي علي لعبتها القديمة كما هي؟. أسئلة استراتيجية في حاجة إلي اجابات استراتيجية تعبر عن إرادة وطنية مصرية شاملة.