نشعر جميعا بخطر محدق بمجتمعنا ومستقبل وطننا, ولكننا لا نحاول مواجهته بحسم بل نسير مباشرة نحوه بدون وعي أو إدراك لمدي خطورته, هذا الخطر ينخر في التماسك الوطني بين فئات الشعب المختلفة سواء الطبقية أو الدينية أو حتي بين الجنسين وداخل العائلة الواحدة. والكارثة ستقع عندما يأتي اليوم الذي لن تستطيع فئة ما في المجتمع التحدث والتواصل مع الفئة الأخري, سواء بسبب لغتها التي تتحدث وتفكر بها أو بسبب ديانتها أو حالتها الاقتصادية. وفي منتدي لحوار الثقافات, نظمته الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية, وشاركت فيه نخبة من المفكرين والمثقفين ورجال الدين, المسيحي والاسلامي والمواطنون من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية جاءوا من مختلف المحافظات للتحاور والمناقشة في إشكالية الخطاب الثقافي والديني والتماسك الوطني أجمع الحاضرون علي أن السبب الرئيسي والاساسي في التفكك الاجتماعي الحالي, والانفصال الكامل في المستقبل, هو التعليم, انه التعليم بكل عناصره وأعمدته المنهج والمعلم والتلميذ, وعلي جميع مستوياته سواء المدارس الحكومية أو الخاصة, وسواء المدارس التي تدرس المناهج القومية أو تلك التي تقدم تعليما اجنبيا. فقد أدي تدهور المنظومة التعليمية الي تسرب وهروب التلاميذ من المدارس, بعضهم الاكثر فقرا يتسرب منها العمل طلبا للرزق, والبعض الآخر الاكثر ثراء يهرب من التعليم القومي الي المدارس الخاصة أو الاجنبية, حيث المصروفات الباهظة, ولكن في المقابل تقدم المدارس حياة اكثر جاذبية, وانما أيضا تقدم ثقافة وفكرا أجنبيا, يتعارض في معظمه مع تقاليدنا وثقافتنا, كما أدي إلي غياب الوعي في المدارس ولدي المعلم الي حدوث انقسام بين التلاميذ في المدرسة الواحدة حيث يتم الفصل بين الاناث والذكور, وبين المسلمين والمسيحيين, بشكل يربي بينهما عداء وخصومة سيحملونها معهم الي سنوات النضج والعمل. ولكن ما هو السبب في الخلل الذي أصاب المنظومة التعليمية في مصر؟ هناك سببان أساسيان: الأول هو تجاهل المنظومة التعليمية للتطورات التي اصابت المجتمع خلال الخمسين عاما الماضية فلم تعد المناهج التي يتعلمها التلميذ تواكب اهتماماته في الحياة العامة, ولا تقدم اجابات عن تساؤلاته التي يطرحها, لذلك فلا ندهش عندما يجيب التلميذ الذي يرفض الاستذكار بقوله: ماذا أفعل بهذه المعلومات؟ وهو لم يخطئ فإن المعلومات التي يدرسها في الكتب ليست لها صلة بما يتعامل معه في الحياة اليومية. أما السبب الثاني فيكمن في تجاهل المنظومة التعليمية للتطورات التي اصابت الأجيال نفسها, تلك الأجيال التي أصبحت اكثر انفتاحا علي العالم حولها, وأكثر تواصلا معه, بسبب الانترنت والتطورات التكنولوجية السريعة التي عايشها منذ أن بدأ سن الإدراك وحتي وصوله الي سن النضج. إن تعرض الطفل وملاحقته للتقدم التقني والعلمي من حوله, واستخدامه المباشر له في لعبه وبحثه وحتي تواصله مع الآخرين, جعل تلميذ اليوم يتمتع بذكاء مختلف عن تلميذ الستينات الذي لم يدخل حياته في نفس الفترة العمرية الا التليفزيون بعد الراديو, أو تلميذ الثلاثينيات الذي لم يعرف إلا الراديو, ولكن المناهج التعليمية لم تستشعر هذا الذكاء الجديد, ولم تدعمه أو تسهم في تنميته. من المؤكد ان المنظومة التعليمية هي احدي الاساب الرئيسية في الخلل الذي أصاب المجتمع المصري الآن, ولكن في نفس الوقت, فإن الحل يكمن فيها ايضا, ونحن لسنا بحجة الي جيل جديد لكي نستشعر الاختلاف, انما يكفي ان نبدأ فورا لنري التغيير فورا, وننقذ ابناءنا واحفادنا من انقسام اجتماعي وجغرافي وثقافي لن يعود عليهم إلا بكارثة حقيقية.