اقتناص دقائق من وقت الرئيس السابق محمد خاتمي كان من أهم أهدافي في مهمتي الصحفية بطهران, أعددت قائمة طويلة من الأسئلة, وبذلت جهدا للوصول إليه بمساعدة كريمة من مسئول إيراني بارز. فلم يكن لقاء خاتمي في هذه الاوقات التي تمر بها البلاد سهلا, وتحدد الموعد في الساعة الحادية عشرة صباح أحد الأيام.. وأخذت العنوان وأعطيته للسائق الذي أكد علمه بالمكان.. وبدلا من أن أصل في موعدي.. وصلت متأخرة قرابة الساعتين, ولم أكن أدري ماذا أفعل, فالسائق لا يعرف الطريق, والمسئول الإيراني يشرح له العنوان عبر الهاتف, وبهدوء الإيرانيين المعروف, يبتسم السائق في كل مرة يضل فيها الطريق, ويؤكد قرب الوصول, وجاب بي شوارع طهران المزدحمة طولا وعرضا, في حين داهمني الوقت وبدأ مكتب الرئيس خاتمي في الاتصال بي, مشيرا إلي ارتباطه بموعد لاحق, ثم انقطع صوت محدثي الذي يرشدني إلي الطريق عبر الهاتف المحمول, نظرا لسوء شبكة المحمول في إيران, مما اضطرنا لإجراء مكالمات عبد التليفون العمومي من أحد الشوارع, للتأكد للمرة الأخيرة من العنوان. أخيرا تنفست الصعداء.. وصلت لكن بعد ساعتين..وصلت والدماء تغلي في عروقي.. أبعد هذه المحاولات لمقابلة الرئيس السابق أعود بخفي حنين, وبسبب من السائق؟! اعتزمت وانا انتظر خاتمي الاعتذار عن التأخير والانصراف, وقلت لنفسي هذا إن قابلني.. وجاء الرئيس السابق والابتسامة تعلو وجهه.. واستقبلني بترحاب.. بادرته بالاعتذار.. وسردت له قصتي مع السائق, وفاجأني باعتذاره عما اصابني من عناء, وشكرت خاتمي علي استجابته السريعة الذي برر أسبابها بحبه الشديد لمصر والمصريين ومؤسسة الأهرام منذ أن كان يرأسها الأستاذ محمد حسنين هيكل وحتي الآن. المهم عندما طلبنا اللقاء لم نكن نريد ان نكون طرفا في اللعبة السياسية الداخلية وانما كان الهاجس هو أن خاتمي الذي يعد واحدا من أهم مصادر الاخبار والاحداث لا يمكن لشهية أي صحفي ان تخطيء التفكير فيه ومحاولة الوصول اليه.. غير انه منذ اللحظة الأولي طلب ألا يكون اللقاء لقاء صحفيا مبررا ذلك بأن أي لقاء صحفي لا يمكن ان يتجاوز الاحداث الداخلية وهو قطع علي نفسه عهدا بألا يتحدث لوسائل الاعلام بشكل عام عن الأوضاع الداخلية لاسباب تخصه, ومن جانبنا تفهمنا هذا وقدرنا ذلك من جانبه. وبعد مرور قرابة ساعة من الدردشة سجلنا انطباعاتنا عن الحوار الذي دار بيننا وانصب اغلبه علي حبه وتقديره لمصر رئيسا وحكومة وشعبا وكذلك تطرق الحوار للعلاقات المصرية الإيرانية التي استطرد فيها الرئيس السابق طويلا ورأينا انه من المفيد ان نكتب ونسجل تلك الملاحظات والانطباعات فإستأذنا خاتمي ان ننشر هذه الانطباعات والدردشة المهمة فلم يمانع.. وكان هذا سبقا ل الأهرام لم يسبقه اليه أحد ولنستعرض معا أهم ما دار في هذا اللقاء. فمنذ اللحظة الأولي تحدث خاتمي عن مصر والرئيس حسني مبارك والشعب المصري الذين قابلوه بحفاوة لم ير لها مثيلا علي حد تعبيره, وأضاف لقد سعدت جدا بهذه الزيارة التي تمت في2007 وانا اقدر المحبة والود الذي رأيته من الرئيس مبارك والمسئولين المصريين والنخب وكل طبقات الشعب المصري الحبيب, وهذا الحب الذي وجدته يعبر عن التلاحم الكبير والعميق بين إيران ومصر وهذا اكبر دليل علي أنه من واجبنا جميعا ان نعمل علي تقوية هذه الروابط التاريخية الراسخة ونحولها إلي علاقات دائمة ونوسعها وننميها في اتجاه مصلحة البلدين. ثم تطرق خاتمي مرة أخري إلي لقائه بالرئيس مبارك في القاهرة فقال: لقد كان الرئيس مبارك ودودا للغاية واللقاء معه مفيدا وبناء جدا لقد تحدثنا في الأوضاع الحساسة في المنطقة والعالم, وناقشنا القضايا التي تشغلنا وكذلك الأوضاع المتفاقمة في الشرق الأوسط واكدنا ضرورة إنهاء أسباب التوتر وازالة مظاهر الاحتقان في المنطقة, وفي هذا السياق أبديت أسفي لعدم تحسن العلاقات بين مصر وإيران بالقدر الذي تستحقه هاتان الامتان العظيمتان ولابد للطرفين من التحرك بتدبر ورؤية وبحكمة عالية لبلوغ هذا الهدف السامي. وفي المقابل ايضا أكدنا أن هناك قضايا مهمة لا ينبغي ان تنتظر لحين استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة ولكن ينبغي ان تتحرك بقوة علي الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والبحث العلمي والتكنولوجيا والتكامل بين البلدين, وقد شهدت العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة تحسنا ملحوظا وتناميا وإيران كانت ومازالت لديها الاستعداد لتنمية هذه العلاقات وايصالها إلي الحد المطلوب النموذجي. وأضاف خاتمي: إن ما تملكه كل من مصر وإيران من طاقات علمية لا يمكن مقارنته بأي علاقة في المنطقة إذا ما حصل تفاهم ما بين البلدين لأن انطلاق التنمية في البلدين يمضي بشكل هائل ومذهل وكلي امل في ان ينجح المسئولون في البلدين في اكمال المسيرة التكاملية لمصلحة الطرفين, واعتقد إن أي خلاف في الرؤي لا يجوز أن يكون سببا أو مانعا في تحسين العلاقات وتطويرها, وقد حاولت ابان رئاستي خفض مستوي الاختلافات وان نعلي من مستوي الاتفاق وأنا متأكد أن ثمة ايادي خارجية تسعي إلي تخريب العلاقة بين القاهرةوطهران. وشدد خاتمي علي أهمية دور العلاقات الثقافية بين البلدين وقال اتفقت مع الرئيس مبارك علي ألا تؤثر العلاقات الدبلوماسية علي النواحي الثقافية والرئيس مبارك وافقني علي ذلك, ولهذا كنت سعيدا جدا بالزيارة التي قام بها أعضاء مركز دراسات حوار الحضارات بجامعة القاهرة برئاسة الدكتورة نادية مصطفي الذين زاروا إيران منذ عام ونصف العام تقريبا ودار بيننا حوار رائع نتمني ان يتواصل وأن يسود. قلت للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي إن هناك من يقول إن إيران تتدخل في ملفات اقليمية تخص مصر وتحاول التمدد في المنطقة علي حساب الدور المصري وهو ما يجعل الأمور تعود إلي الخلف وتؤدي إلي تأزم العلاقات, وبشكل أكثر وضوحا, هناك دور إيراني في لبنان والعراق وفي فلسطين وغيرها وربما هذا يكون السبب الحقيقي في توتر العلاقات المصرية الإيرانية. بابتسامته التي لا تفارق وجهه قال خاتمي: نحن لا ننكر ان هناك اختلافات في وجهات النظر بين البلدين وهناك خلاف بشأن عدد من القضايا مثل فلسطين ولبنان والعراق ولكن هذا لا يعني ان السياسات العملية من احد الاطراف تضيق الخناق علي الطرف الآخر, لقد كان الشاه رضا بهلوي قبل الثورة الإسلامية الإيرانية أكبر حليف لإسرائيل وكان يعتبر نفسه الشرطي الأمريكي في المنطقة وكان يعتدي علي الكثير من الملفات الاقليمية ولم يكن يهتم بالبعد الإسلامي والعربي لإيران. ونحن في المقابل الذين ناضلنا ضد الاستبداد الحاكم في بلادنا وضد التبعية لأمريكا وإسرائيل وكنا ننظر إلي جمال عبدالناصر آنذاك باعتباره رمزا ضد الاستعمار والصهيونية ثم انقلبت المعادلة تماما وجاءت الثورة الإسلامية وحاولت ان تقترب من عمقها الإسلامي والعربي واعتبرت قضية فلسطين قضيتها المحورية وحاولنا ان نناصر ونؤازر كل القضايا العربية والإسلامية, وبالتالي نحن نتصور أن هناك ايادي خارجية تريد ان تزرع الكراهية بيننا وبين مصر أهم دولتين في العالم الإسلامي. ونحن لا نتوقع من مصر ان تغير سياستها وكذلك لا نتوقع من إيران ذلك ولكن لابد أن يقترب الطرفان وان يتحاورا وفي التقارب والحوار سيزول الكثير من سوء الفهم ويبحث الطرفان علي مساحات الاتفاق علي قاعدة ألا يتدخل أي طرف في الشئون الداخلية للطرف الأخر. قلت لخاتمي هل ترون ان بعض الملفات المهمة في المنطقة يمكن حلها بدون مصر؟ قال الرئيس خاتمي: شخصيا أعتقد أنه لايوجد حل للقضايا في المنطقة بدون مشاركة مصر لأن مصر هي لاعب إقليمي رئيسي وفي المقابل يجب علي العالم أن يؤمن بأن إلغاء إيران وإقصاءها من المنطقة ومن قضاياها لايمكن أن يكون حلا, ويجب أن تعلم دول المنطقة أن مواجهة بينها وبين إيران ستؤدي إلي دخول عنصر ثالث أجنبي إلي المنطقة وهذا ليس لمصلحتنا جميعا فالمنطقة هي منطقتنا نحن ويجب ان نحل خلافاتنا فيما بيننا. قلت للرئيس الإيراني السابق خاتمي: ولكن مصر تري أن إيران تتدخل في الملف الفلسطيني وتحول دون التوصل إلي مصالحة فلسطينية فلسطينية بين فتح وحماس وتحول التأثير علي الدور المصري, رد بقوله: إنني أدعو دول المنطقة للانتباه لمؤامرات إسرائيل في هذا الشأن ومحاولات القوي الكبري باستبدال العداء لإسرائيل بالعداء لإيران, إن إيران من بعد الثورة الإسلامية تحولت من ملاذ آمن للقوي الكبري في المنطقة وعاملا مهما لتحرير السياسة الغربية إلي ملاذ آمن للمسلمين والعرب ووقفت الي جانب القضية الفلسطينية والطبيعي ان تكون هناك خلافات حول فلسطين بيننا وبين مصر, ولكننا نقدر الدور المصري في فلسطين ونقدر تضحيات المصريين من أجل القضية الفلسطينية ولانقبل ان يعتدي احد علي الدور المصري في فلسطين ولكننا نري ان التفاوض والحوار بيننا سيقرب من وجهات النظر بين البلدين ويفتح آفاق التفاهم والتعاون وأتصور أن غياب الحوار والتفاهم يستغل من جانب من لا يريد الخير لإيران ومصر وفلسطين. سألت خاتمي هل يمكن أن تفك لنا لغز العلاقات المصرية الإيرانية برغم لقائك بالرئيس مبارك في جنيف ثم زيارتك الودية للقاهرة ولقاء الرئيس مرة اخري لم يؤد كل هذا الي عودة العلاقات فما السبب؟ خاتمي: أكدت من قبل انني والرئيس مبارك كنا عازمين علي إعادة العلاقات ونحن من جانبنا اتخذنا خطوات كثيرة وتوصلنا إلي صيغة اعتقدنا أنها تؤدي إلي اعادة العلاقات, ولكني اعتقد ان مصر كان يجب ان تتخذ الخطوة التالية, إلا أنها لم تفعل, ربما رأت مصر ان الوقت آنذاك لم يكن مناسبا لاسباب اخري, ولكني مازلت اعتقد ان الطرق ليست مغلقة. وهذا لايعني ان تتجنب مصر أو إيران مبادئها السياسية وإنما يجب ان يتفهم كل طرف ظرف الطرف الآخر, ويجب ان نقدم تعريفا واضحا للقضايا والعلاقات الثنائية هناك اراء وقضايا متقاربة يمكن ان تؤدي إلي التقارب ولو حدث هذا سيكون لصالح العالم الإسلامي والمنطقة كلها. قلت له: هل هذه الآراء هي آراء الرئيس السابق خاتمي وهو خارج السلطة,أم أنها آراء مؤسسة الحكم في إيران؟ قال: أريد أن اطمئنك ان هذه سياسة راسخة لدي الجميع في إيران ولايوجد خلاف علي أهمية العلاقات مع مصر ولكن سوء الفهم ودخول اطراف لها مصلحة في ذلك يعقد الأمر. وبهذه الكلمات أنهي خاتمي هذه الدردشة بيننا, مؤكدا أكثر من مرة ضرورة السعي لتحسين العلاقات المصرية الإيرانية ومكررا إرسال تحيته إلي مصر حكومة وشعبا.[email protected]