تكشف المشكلة الحالية بين دول حوض النيل أهمية الاسراع في تغيير نظام الري في مصر. فلم يعد من المقبول أبدا أن نظل نتبع نظام غمر الأرض بالمياه. فهذا يهدر مياها كثيرة عزيزة المنال. من الأفضل أن نبحث لها عن استخدامات أحسن, ثم إن هذا النظام يصيب الأرض بأضرار لا حد لها. (1) في الري بالرش والري بالتنقيط لن تحتاج عملية ري الأرض لأكثر من فتح صنبور والضغط علي زرار كهربائي لتدور المحطة, وسيكون امامك علي لوحة في المحطة علامات تبين المناطق المختلفة التي تريد أن ترويها, واذن بمجرد الاشارة إليها تصبح هي المنطقة المرغوبة. كل هذا وأنت في موضعك, جالس علي الكرسي, داخل المحطة لن تحتاج إلي أن تخلع ملابسك وتغوص في الطين. فضلا عن هذا كله فعملية الري نفسها لا تستغرق أكثر من بضع ساعات لكي تروي مئات الأفدنة, لا إلي السهر ليلة كاملة لكي تروي فدانا واحدا أو باقصي درجة فدانين, وهكذا تنخفض تكاليف العمالة في عملية الري, وهي من أغلي تكاليف الإنتاج الزراعي. كيف يمكن عمل شبكة ري بالرش أو ري بالتنقيط؟ عن طريق استخدام مادة الالومنيوم أو البلاستيك في صناعة الأنابيب, وبعض المحولات الكهربائية البسيطة التي تربط اجزاء هذه الشبكة ببعضها ولا يتكلف الفدان الواحد في هذه العملية أكثر من3 آلاف جنيه أو نحو ذلك. وتستطيع الدولة بكل بساطة أن تنفذ العملية علي مسئوليتها في عموم الأرض الزراعية وتفرض ضرائب علي كل فدان بما يكفي لسداد قيمة هذه الشبكة خلال10 سنوات مثلا. لنقل اننا نتحدث عن مشروع قومي, وهو بحق كذلك, فهو مشروع سيكون ثورة حقيقية في الزراعة المصرية. فتغيير طريقة الري ستؤدي إلي تحسين نوعية التربة, وزيادة كفاءة الإنتاج, وتوفير المياه اللازمة للتوسع في الزراعة نحو الصحراء, وزيادة الإنتاج. هذا المشروع سيجعل ال55.5 مليار متر مكعب مياه, وهي حصة مصر السنوية حاليا من مياه النيل, تكفي لزراعة ضعف المساحة المحصولية التي نزرعها حاليا علي مدار العام, فبدلا من زراعة نحو13 أو14 مليون فدان سيكون في مقدورنا أن نزرع بذات الكمية من المياه ما لا يقل علي30 مليونا. (2) من كل ما سبق يتضح أن الري بالرش والري بالتنقيط يتيحان لنا القدرة الكاملة علي التعامل بكل هدوء مع تغييرات غير مواتية من نوع الأزمة الحالية في حوض النيل والتهديد بإعادة توزيع حصص المياه. فأولا: لسوف تكون احتياجاتنا من المياه اللازمة للري أقل مما هي عليه حاليا. ثم نكون أقدر علي التحكم الجيد فيها والتوفير في استخدامها. بالاضافة إلي القدرة علي التوسع في الزراعة دون أي مخاطر حتي في حدود الحصة المائية الحالية. هذا لايعني أننا ندعو إلي التفريط في حقوقنا التاريخية أو أننا لن نطالب بالمزيد, بالعكس نحن لن نفرط بل وسنطالب بالمزيد, لكن هناك فارقا كبيرا بين المطالبة ونحن في حالة شبع وبين المطالبة ونحن في حالة جوع. المعني كله أننا سنكون أهدأ, وأقل عصبية, بل ان وفرة المياه لدينا واستخدامنا للاساليب الموفرة للمياه اللازمة للزراعة التي ستمتد ايضا إلي استنباط المحاصيل والنباتات الموفرة أو القليلة الاحتياج إلي المياه. كل هذا سيفتح لنا المجال لكي ننقل إلي إخواننا في باقي دول الحوض نفس الاساليب والطرق الحديثة, وهكذا تصبح هذه الدول نفسها أقل صراخا في طلب المياه, ولعلي أقول ان هذا العامل وحده, وما يترتب عليه من وفرة الغذاء والإنتاج الزراعي وارتفاع مستوي المعيشة.. كل هذا سينعكس بشكل ايجابي ليس فقط علي مصر, بل علي كل دول حوض النيل. (3) الري بالرش والري بالتنقيط إذن هما المخرج المتاح لنا, فعن طريق هذا النظام لن نحتاج لأكثر من نصف كمية مياه الري التي نستخدمها حاليا في ري المحاصيل الزراعية, ومع توافر المياه, فإننا نستطيع أن نتوسع في استصلاح ملايين الأفدنة من الاراضي الصحراوية بذات النظام الجديد, أي الرش والتنقيط. وهكذا يزداد حجم الإنتاج الزراعي في البلاد, وتتوافر الأغذية ويتاح لنا القدرة علي التصدير, ثم إن الري بهذه الطرق الجديدة يزيد من الخواص المتميزة للثمار في حالات الخضراوات والفاكهة, إذ تصبح أقل امتلاء بالماء, وتكتسب الطبقة الخارجية للثمار صفات من المتانة والمرونة تجعلها قادرة علي تحمل الحفظ في الصناديق لفترات طويلة, وهذا يناسب التصدير. وعلاوة علي كل هذا فإن نظام الري بالتنقيط والري بالرش, يؤدي إلي انخفاض منسوب المياه الجوفية في الأراضي الزراعية القديمة بالوادي وبالتالي تزداد صفات الجودة في هذه الاراضي وتسترد عافيتها التي كانت لها. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن