ماذا لو باغتنا الرئيس مرسي بلقاء حول مائدة الاجتماعات بمجموعة الشباب الثوري التي أطلقت مبادرة وثيقة الأزهر لنبذ العنف كمدخل للمصالحة الوطنية. ثم عهد اليهم بعد أن هنأهم علي نجاحهم بدراسة عدة ملفات لنقل مسئوليتها تباعا الي الشباب, انطلاقا من جداول النهضة البريئة بالوطن التي وضعوها, ونادوا بها منذ نجاح الثورة في2011 في مجالات التعليم والصحة والمرور والنظافة والقضاء علي الفساد؟ وماذا لو فاجأنا الرئيس باجتماع مطول مع شخصية وطنية مستقلة لا خلاف كثيرا عليها مثل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح واتفق معه علي أن يتولي رئاسة حكومة وطنية موسعة بمشاركة كل القوي السياسية الفاعلة ولمدة ستة أشهر, يتم فيها استعراض كل الملفات الخلافية والعمل علي إيجاد آلية مشتركة لحلها والعمل علي وضع سياسات غير تقليدية لدفع حركة الاقتصاد والسياحة وإصلاح مايمكن إصلاحه من أوضاع الخدمات العامة من صحة ونقل ومرور ووضع تصورات عصرية شاملة للنهوض بالتعليم فورا. ثم يخرج علينا بقراره الثالث وهو تحديد موعد اجراء الانتخابات العامة بمشاركة كل الأحزاب, ويعهد بعدها لحزب الأغلبية أو مجموعة الأحزاب, الفائزة بأغلب المقاعد بتشكيل ائتلاف حاكم. ثم يخرج علينا بقراره الرابع وهو القيام بنفسه بصحبة رئيس حكومته الجديد بزيارات عاجلة لمواقع الانتاج الأهم للوطن التي ركدت وعطبت آلتها طويلا. تري كيف ستكون التغطية الإعلامية لهذه المباغتات؟, بالقطع كانت علاقة الرئيس مع الإعلام ستتختلف اختلافا جذريا. لأن الرئيس عندئذ سيكون واضعا لأجندة تلك العلاقة ومحددا لها بحجم المبادرات والقرارات التي لن تثير جدلا, بل تصب في مصلحة التوافق الوطني التي سيتخذها. لكن مانراه الآن في الواقع هو أجندة حالة للعلاقة بين الإعلام الخاص والرئيس تحديدا, استطاعت الفضائيات ذات المشاهدة العالية والأمكانيات التقنية المبهرة فرض أجندتها من دون أن تواجه بأجندة مضادة من جانب الرئيس, في صراع أشد فجاجة واختلالا من صراعات الإعلام وأهل السياسة في الديمقراطيات العريقة. ما نشهده بين الحكم والمعارضة صراع. ولكن ما هو حادث بين الحكم والفضائيات الخاصة صراع أشد, تنضح بها صورتها وأحاديثها التي لاتتوقف عن بؤس الأوضاع, لا منذ أن تولي الرئيس ذي الخلفية الاخوانية المنصب الأعلي في مصر قبل سبعة أشهر, ولكن منذ أن نجحت ثورة يناير2011 في إطاحة رأس النظام السابق وأبرز رموزه. ومن العبث فيما أعتقد أن يحاول الرئيس أن يمرر في خطاباته الي المصريين صورة وردية عن إنجازات أمنية أو اقتصادية أو غيرها, بل أتت بردود أفعال عكسية من خلال تلك الفضائيات التي استخدمتها وقودا لتكريس أهدافها الواضحة منذ نجاح الثورة الأولي, في اظهار أن الوطن الذي تغني العالم الخارجي برقيه وجماله يوم انتصار ثورته في11 فبراير2011, ماهو الا كتلة من القبح والبلطجة والتخلف, ساعده علي ذلك أو تعاونا معا, النظام الذي تضرر من الثورة, ويقاوم بشراسة حتي اللحظة, لئلا يحدث في الوطن التغيير المنشود. أقول ذلك وأنا أستدعي بالذاكرة فترة أن التحقت بالعمل الصحفي والإذاعي منذ منتصف الثمانينات, وكانت أخبار رئيس الجمهورية تتصدر المشهد مهما تكن درجتها من الأهمية. كانت أخبار الدنيا الملتهبة تتواري خلف أخبار الاستقبالات والبروتوكولات والزيارات الدعائية. انتهي ذلك العصر ولله الحمد الي غير رجعة. لكن السؤال الآن في خضم الازدحام الفضائي وأجواء الحرية التي انطلقت من عقال الكبت والاستبداد الي فضاء فسيح من الانفلات الي حد الفوضي, دون مراجعة لأصول المهنية والتغطية الواعية والتدقيق الموضوعي, هل أصبح الإعلام الفضائي المصري ولاسيما القنوات الخاصة وكذلك الصحف الخاصة, طرفا فاعلا في معادلات الصراع السياسي الراهن. الاجابة بكل قطع هي: نعم. والمفترض من الجوانب المهنية أن تكون: لا. إذ إن الاعلام ينبغي أن يكون محايدا وموضوعيا وخادما للمشاهد والمتلقي علي اختلاف مشاربه وتوجهاته. لا أضيف جديدا إن قلت إننا نسقط من سقوف الحرية الممزوجة بالمسئولية المهنية الي مدارك السب والقذف. والسبب في ذلك أن مفهوم الاعلام والمهنية عندنا لم يتغير بتغير النظام والحكم بل ازداد تكريسا لفردية المذيع أو المذيعة النجم, تسلط عليهم الكاميرا لأوقات وساعات طويلة. أما خارج الأستوديوهات فالكاميرات ثابتة مثبتة علي مناطق بعينها: التحرير.. الاتحادية.. رابعة العدوية..مثلا. نحن نمتهن الاعلام الثابت الراكد الذي لاينقل الصورة الحقيقية والانسان الحقيقي سواء الفاعل في الأحداث أو المتضرر منها أو الذي آثر أن يصمت ويلزم بيته. قل لي من من تلك القنوات حاول أن يجوب الأسواق ليعرف كم تأثرت بالأحداث التي وقعت منذ اندلاع حرائق احياء ذكري الثورة الثانية وتداعيات الحكم في مذبحة كرة القدم ببورسعيد؟ ومن منها حاول أن يتابع الحركة الانتاجية الفعلية وسط هذا الخضم. ومن منها سأل وحاول الجابة بالكاميرا التي لاتكذب: لماذا تتوقف الاضرابات والاعتصامات المهنية وقت اشتعال الموقف السياسي في الشارع ثم تندلع مرة أخري حين يهدأ وهو دأب ملحوظ منذ نجاح الثورة. مشهدان مرا علي خلال يومين يجعلان لهذا الكلام حيثية: الأول في منطقة آهلة بالسكان لايسير في الشارع بها الا نفر قليل من سيدات ومعهن أطفال دون الثالثة والرابعة يمرحون بلا خوف أو قلق ويتسوقون ثم تبين لي أنهن من سوريا, فقلت نزلوا الشارع الأكثر أمانا وترحابا من الخطر الحقيقي الذي عاشوه, والتزمنا نحن المصريين البيوت أمام نجوم الفضائيات. والمشهد الثاني نقلا عن صديقة كانت تخشي الخروج مما تشاهده في التليفزيون من أخبار سيئة وبلطجة عارمة تعيث في الأرض الفساد. فلما اضطرها الأمر للخروج لشراء بعض الاحتياجات وجدت بلدا غير البلد التي يتحدثون عنها بالتلفاز. سيظل الصراع بين الاعلام والرئيس قائما وليس في مصلحة الوطن مالم يبادر الرئيس بأجندة جريئة. الرئيس الذي اختار أن يتكلم عن الثورة المضادة, يجب أن يكون مشغولا بالثورة نفسها. لا أن ينتقد أجندة اعلام مغرضة بل يبادره بأجندة سياسية ثورية لا إعلانات دستورية وقوانين جامدة, ولكن حركة علي الأرض. مطلوب منه أن يحرج هذا الاعلام ويعيده الي صواب المهنية لمصلحته ومصلحة الاعلام ومصلحة الوطن بالطبع.