قبل ساعات من المباراة النهائية لكأس الأمم الإفريقية التي أقيمت أمس بجنوب إفريقيا, تسلطت الأضواء علي وجهين لم يكن أحد يتوقع قبل انطلاق البطولة أن يلعبا هذا الدور البارز في النهائيات الإفريقية والإسهام في رسم الخريطة الكروية في القارة السمراء، فالنيجيري ستيفان كيشي المدير الفني لمنتخب نيجيريا والبلجيكي بول بوت المدير الفني لمنتخب بوركينا فاسو استطاعا تحدي الصعاب وتخطي العقبات حتي قادا فريقيهما للمباراة النهائية, وعلي الرغم من السمعة الكبيرة التي يتمتع بها المنتخب النيجيري في إفريقيا, فإن غياب النسور عن البطولة السابقة بغينيا الإستوائية والجابون دفع الكثيرين للاعتقاد أن المنتخب الأخضر لن يحقق شيئا يذكر في البطولة الحالية التي اتختتمت أمس, غير أن كيشي استطاع أن يخالف جميع التوقعات وقاد فريقه للنهائي مطيحا بكل من قابله. كما أن السمعة الكروية المتواضعة لمنتخب بوركينا فاسو أبعده مبكرا عن دائرة الترشيحات, إلا أن بوت تمكن من قيادة لاعبيه بحكمة واقتدار مفجرا المفاجأة تلو الأخري حتي وصلت الخيول للنهائي. لذلك.. فإن الرجلين يستحقان نظرة أكثر عمقا لما قاما به من عمل حتي وصلا بالمنتخبين النيجيري والبوركيني لهذه المرحلة. عندما أحرز المنتخب النيجيري لكرة القدم آخر لقبيه السابقين في بطولة كأس الأمم الإفريقية بالفوزعلي زامبيا في المباراة النهائية لبطولة كأس أفريقيا1994 بتونس, رفع ستيفن كيشي كأس البطولة بصفته قائدا للنسور الخضر. والآنيقود كيشي الفريق من مقعد المدير الفني ووصل به إلي المباراة النهائية للبطولة ليكون الظهور الأول للنسور في المباراة النهائية منذ عام2000. ويأمل كيشي في أن يصبح ثاني شخص في تاريخ البطولة الإفريقية يتوج بلقبها لاعبا ومدربا حيث سبقهإلي هذا شخص واحد فقط هو المدرب الراحل محمود الجوهري والذي توج بالبطولة لاعبا في عام1959 ثم مديرا فنيا لمنتخب بلاده في1998. وقال كيشي أن الأرقام القياسية توجد ليتم تحطيمها, وسيكون إنجازا عظيما أن يفوز منتخب نيجريا باللقب من جديد, وأن يحمل الكأس مرة أخري لكن هذه المرة كمدرب. شارك المنتخب النيجيري في المباراة النهائية أمس للمرة السابعة في تاريخه, وكانت آخر مرة سابقة عندما استضافت بلاده البطولة بالتنظيم المشترك مع جارتها غانا في عام2000, ولكنه خسر في النهائي أمام نظيره الكاميروني. ولد كيشي البالغ من العمر51 عاما في لاجوس بنيجيريا في يناير1962 وكان مدافعا بارزا في صفوف المنتخب النيجيري من1981 إلي1995. كما كانت له مسيرة رائعة علي مستوي الأندية في نيجيريا وبلجيكا وفرنسا واستمر احترافه في الأندية الأوروبية من1986 إلي1993. وكانت أولي مهامه في مجال التدريب هي قيادة المنتخب التوجولي في الفترة من2004 إلي2006, وفجر مفاجأة من العيار الثقيل عندما قاد صقور توجو إلي التأهل لكأس العالم2006 لتكون المشاركة الأولي للصقور في المونديال, لكنه أقيل كيشي من تدريب الفريق قبل المونديال بسبب الأداء الهزيل والنتائج السيئة للفريق في كأس الأمم الأفريقية التي أقيمت في مطلع عام2006 بمصر. أف أنه عاد لتدريب توجو لفترة قصيرة في2007 قبل أن يتجه لتدريب منتخب مالي من2008 إلي2010. تولي كيشي تدريب المنتخب النيجيري في نوفمبر2011 وقاد الفريق في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس الأمم الإفريقية الحالية, بعدما أخفق الفريق في التأهل للبطولة الماضية عام2012 قبل توليه المسئولية. يعتبر سر نجاح منتخب نيجريا في عهد كيشي هو حرص المدرب بشدة علي علي الأداء الجماعي للفريق, وإن أثار الدهشة قبل بداية البطولة الحالية بإعلان قائمة الفريق خالية من بعض النجوم البارزين مثل بيتر أوديمونجي وأوبافيمي مارتينز. وقال كيشي: معظم النيجيريين لا يتفهمون هذا القرار, الفريق ليس بحاجة فقط للاعبين مهرة يمكنهم أداء المطلوب في البطولة, لكنه بحاجة أيضا إلي العقلية القوية واللاعبين الذين يجيدون الأداء الجماعي والذين يمكنهم بالفعل أن يلعبوا للفريق. وملأ كيشي المؤتمرات الصحفية, التي ظهر فيها علي مدار البطولة الحالية, بروح الدعابة التي يتميز بها والتي يتهرب بها من مناقشة الأساليب الخططية لفريقه في المباريات التالية حيث يفضل الاحتفاظ بها. النتائج تشير أيضا إلي تطور مستوي المنتخب النيجيري تصاعديا مع توالي المنافست في البطولة حتي سحق منتخب مالي1/4 في الدور قبل النهائي. وربما كان الفوز الثمين للفريق علي كوت ديفوار1/2 في دور الثمانية هو الأبرز للفريق في البطولة الحالية تعتبر مشاركة منتخب بوركينافاسو الأول لكرة القدم في المباراة النهائية أمس هي الأولي له في تاريخه ببطولة كأس الأمم الإفريقية, بعد رحلة غير متوقعة في البطولة تحت قيادة المدرب البلجيكي بول بوت. ولد بوت البالغ من العمر56 عاما في مدينة ميركسيم البلجيكية وتولي تدريب عدة أندية محلية مثل جيل ولوكرن ولييرس قبل انتقاله لتدريب المنتخبات الوطنية, حيث تولي تدريب منتخب جامبيا فيما بين عامي2007 و2011 قبل أن يتولي تدريب بوركينافاسو في2012. وقبل هذا التحول الكبير في حياته المهنية, تم إيقاف بوت عن التدريب ببلجيكا في عام2005 لتورطه في فضيحة للتلاعب في نتائج المباريات. حيث اعترف المدرب البلجيكي بالتلاعب في نتيجة مباراتين. ورغم ما تردد وقتها عن تورط العديد من الأندية ولاعبيها في هذه الفضيحة, فإن عقوبات الإيقاف التي وقعت بسببها لم تطل سوي نادي لييرس وبوت واللاعب حسن كاسيتش. وخلال رحلته لتحسين سمعته, أكد بوت خلال البطولة الإفريقية أن التلاعب في نتائج المباريات لطالما كان موجودا ولا يوجد إجراء ما يمكن اتخاذه للقضاء عليه. وقال: التلاعب في نتائج المباريات ظاهرة موجودة في كرة القدم, وعندما كنت لاعبا رأيت الكثير من هذه الأشياء, ولا أعتقد أنه من الممكن تغيير هذا الأمر. وأضاف بوت: إنه أمر مؤسف, ولكن أعتقد أنك في كل رياضة عليك أن تواجه هذه الأمور. وفي جنوب أفريقيا, يضع بوت كل تركيزه في الملعب ونجح في قيادة منتخب بوركينافاسو الذي لم يحقق أي فوز خارج أرضه طوال تاريخه ببطولة الأمم الإفريقية ووصل به إلي نهائي البطولة مفجرا مفاجأة كبيرة. ومع سعي المدرب البلجيكي لاستعادة مكانته المفقودة في كرة القدم, فقد نجح فريقه أيضا وبعكس جميع التوقعات أن يصل إلي النهائي الإفريقي برغم أن جميع الترشيحات كانت ضدهم. كان علي المنتخب البوركيني في البداية أن يجتاز مجموعة صعبة تضم نيجيريا و زامبيا حاملة اللقب وإثيوبيا. ولتحقيق هذا الهدف, خسرت بوركينا أفضل لاعبيها آلان تراوري الذي أصيب قبل أن يتمكن من تحقيق أي تأثير مع بلاده في أدوار خروج المغلوب. كما أن بوركينافاسو خاضت جميع مبارياتها بكأس أفريقيا علي أسوأ ملاعب البطولة في استاد مبومبيلا بمدينة نيلسبروت. ثم تغلب المنتخب البوركيني علي توجو في دور الثمانية بهدف نظيف بعد تمديد المباراة إلي وقت إضافي. أما في الدور قبل النهائي, فقد نجحت بوركينا في تعويض تخلفها بهدف من ضربة جزاء غير مستحقة أمام غانا لتتعادل ثم تفوز1/3 بضربات الترجيح. كان الإصرار هو الصفة الملازمة لبوت ولاعبيه أيضا طوال رحلتهم إلي النهائي. ويدرك اللاعبون جيدا كم يثق فيهم بوت. وقال تشارلز كابور قائد منتخب بوركينا عقب مباراة غانا: عندما بدأنا رحلتنا في هذه المسابقة, كان الشخص الوحيد المؤمن بنا هو المدرب. وبالنسبة لنا كلاعبين, كنا مصرين علي بذل قصاري جهدنا وأن نقاتل بكل قوة في الملعب. لذلك أشكر المدرب علي الثقة التي وضعها فينا. ونشر بوت روح عدم الاستسلام بين لاعبيه, وكان خير مثال علي ذلك مباراة الفريق الافتتاحية بالبطولة التي تعادل فيها1/1 مع نيجيريا. ورغم أن المنتخب النيجيري كان الفريق الأفضل في تلك المباراة, فقد نجح تراوري في تسجيل هدف التعادل لبوركينا في الوقت المحتسب بدلا من الضائع ليمنحها نقطة ثبت لاحقا أنها بالغة الأهمية. وستسنح الفرصة أمام نيجيريا للثأر من بوركينا في النهائي, لكن هذا لن يثني بوت ولاعبيه عن حلمهم بالعودة إلي بوركينافاسو بالكأس الأفريقية للمرة الأولي في تاريخ البلاد. فقد أثبت بوت خلال محطاته السابقة بحياته أنه من الممكن أن ينتفض من وسط الركام ويمضي للإمام, والآن أصبحت الفرصة سانحة أمام بوت وفريقه لتحقيق إنجاز تاريخي.