يري علماء الدين أن غياب الحوار الجاد هو السبب في كل الأحداث الدامية التي يمر بها الوطن حاليا, ويحذرون من استمرار الخلاف وعدم التوافق بين التيارات والقوي الوطينة, وطالبوا الجميع بضرورة الجلوس علي مائدة الحوار والذي هو لغة القرآن الكريم, واستعرض العلماء العديد من المواقف في التاريخ الإسلامي والتي كان للحوار دور في حقن دماء المسلمين وتحقيق مصالح الأمة رغم اعتراض البعض عليه في ذلك الوقت, واستنكر العلماء وجود أكثر من مبادرة للحوار دون الاتفاق علي أي منها حتي وثيقة الأزهر التي اجتمعت عليها جميع القوي والتيارات ظهر من يعترض عليها, وهذا يدل علي مدي الانقسام والفرقة التي تهدد حاضر ومستقبل الوطن. وأكد علماء الدين أن الحوار هو منهج القرآن الكريم والسبيل الأمثل لمواجهة ما يتعرض له المجتمع من انقسام في الوقت الحالي, وقال الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه جامعة الأزهر إن الحوار هو الطريق الشرعي والمنهج التي تتقبله العقول للوصول إلي ما يرضي الأطراف المتحاورة, ولابد للقوي والتيارات السياسية أن تلجأ للحوار وليس غيره بهدف الوصول إلي اتفاق يرضي الجميع, لأن هذا مصير أمة ووطن يحتاج إلي تنازل من الجميع ووضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار, وقد ثبتت مشروعية الحوار مع الغير بنصوص كثيرة في الكتاب الكريم والسنة, ورد فيها محاورة بين الحق سبحانه وبين ملائكته, وكانت المحاورة بينه سبحانه وبين أنبيائه ورسله وخلقه, من ذلك, محاورته موسي عليه السلام ومحاورته عيسي بقوله وإذ قال الله يا عيسي ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب, وكذلك ورد في القرآن حوار بين الأنبياء والرسل وبين من أرسلوا إليهم, وهذا كثير وارد في سورة هود وغيرها, ونظرا لما للحوار من أهمية في التوصل إلي حل المشاكل, فقد شرع في هذه الأمة وغيرها, بحسبانه السبيل الأمثل للوصول إلي الحق في الأمور التي تمثل منعطفا من منعطفات الأمم, والوسيلة السلمية لإنهاء النزاع والخلاف, وخلق مناخ صالح للتعاون والتآزر, وهو السبيل الأقوم لضبط الاختلاف وتفعيل قيم التآلف والاتفاق, وهو أساس التفاهم مع الغير واكتساب العلم وتلقي المعرفة, وأنه أداة التفاهم مع الآخرين, وإظهار القواسم المشتركة بين المتحاورين, وإيجاد وجوه النفع وتبادل المصالح بين المتحاورين. مواقف من التاريخ الإسلامي ويشير إلي أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد تحاور مع غير المسلمين, ولذا استطاع أن يقنع عتبة بن ربيعة بأن ما يدعو إليه هو الحق الذي لا مرية فيه, واستطاع بهذا الحوار أن يغير نظرة عقلاء قريش له, كما تحاور صلي الله عليه وسلم مع المسلمين في قضايا عدة كانت موضع خلاف بينه وبينهم, من ذلك تحاوره مع عمر في إخفاء الدعوة إلي الإسلام بمكة, وكان لهذا الحوار أثره في إظهارها, إذ قال عمر: يا رسول الله ألسنا علي الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: بلي, قال عمر: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن, فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما, وأنا في الآخر, له كديد ككديد الطحين حتي دخلنا المسجد, قال فنظرت إلي قريش وإلي حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها, فسماني رسول الله صلي الله عليه وسلم يومئذ الفاروق, وحاوره يوم الحديبية في قبوله شروط الصلح المجحف بعضها بالمسلمين, وعدم إقدامه علي قتال مشركي مكة, إذ قال عمر: يا رسول الله ألسنا علي الحق وهم علي الباطل؟, فقال: بلي, فقال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟, قال: بلي, قال فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟, أنرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم, فقال: يا ابن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله أبدا, كما كان الحوار أسلوب الصحابة رضي الله عنهم بعد الرسول صلي الله عليه وسلم, فقد تحاور عمر مع أبي بكر في قتاله مانعي الزكاة, واستطاع أبو بكر أن يقنع عمر بأنه علي الحق في قتالهم, كما حاور عمر أبا بكر في جمع القرآن, الذي لم يجمع في زمن النبي صلي الله عليه وسلم, واستطاع عمر أن يقنعه برأيه, فاقتنع, واستطاعا بالمحاورة أن يقنعا زيد بن ثابت بجمعه بعد أن أبدي استغرابه لفكرة جمعه. ومن جانبه, طالب الشيخ محمود الإبيدي إمام وخطيب بالأوقاف بضرورة التزام كل القوي والتيارات السياسية بوثيقة الأزهر والتي اعتمدت الحوار وسيلة لحل الخلافات, ورغم ذلك ظهر من يهاجم تلك الوثيقة ويرفض الالتزام بها, رغم أنها تحمل الحل الأمثل لما نشاهده من انقسام وخلاف بين القوي والتيارات السياسية, مؤكدا في الوقت نفسه أن الحوار من أعلي المهارات الاجتماعية قيمة وهو عمل الأنبياء والعلماء والمفكرين وقادة السياسة, والأمة الناهضة هي الأمة التي تشيع فيها ثقافة الحوار وكلما ابتعدت الأمة عن فتح آفاق الحوار عانت من الأمراض الاجتماعية وتشرذمت وضعفت, وفي ظل الأحداث التي يشهدها الوطن حاليا لابد أن يكون هناك حوار يحترم فيه كل طرف الطرف الآخر ولا يستعلي عليه, وعلينا جميعا أن نبدأ بالمساحة المشتركة ولا نقفز إلي المختلف فيه أولا, وعلينا أن ننأي بأنفسنا عن أسلوب الطعن والتجريح.