تؤشر توليفة البرلمان الإسرائيلي الكنيست, التي ستعكس نفسها في تشكيلة الحكومة الجديدة, لمسارات التحرك المحتملة علي صعيد العملية السلمية, إزاء انتصار اليمينية المنجرفة أكثر نحو التطرف والغلو, حتي باتت سمة عامة تكتسب مشروعيتها بين الأحزاب الأساسية في الحياة السياسية الإسرائيلية, بتمايز توجهاتها, الممثلة في الحكومة. وخلافا لما ولدته نتائج الانتخابات, التي جرت في22 يناير الماضي, من انطباعات مضللة تشي بالتوازن بين اليمين واليسار- وسط,60 مقابل60, وبانحسار الكتلة الأولي لمصلحة الثانية, غداة خسارة قائمة الليكود بيتنا لمقاعد توقعت استطلاعات الرأي حصادها, بعدما أعطتها في بداية الحملة الانتخابية عددا أقل بثلاثة أو أربعة من تلك التي حصلت عليها في الانتخابات(31 مقعدا), ولأن رئيس الكتلة بنيامين نيتانياهو هو في الوقت نفسه زعيم اليمين, مما أعطي تصورا خاطئا بانتكاسة اليمين الإسرائيلي وتراجع النزوع الداخلي المتصاعد نحو اليمينية, إلا أن ذلك كله لم يحدث, ولم يتغير شيء في الواقع, فالتحولات والتنقلات الحزبية تتم دون إحداث هزة في النظام السياسي للكيان الإسرائيلي, لأن معظم ذلك يجري داخل الايديولوجيا الصهيونية نفسها. لم يتحقق التوازن بين المعسكرين, وإنما تميل دفة المقاعد, عند احتسابها, لمصلحة التيار اليميني الديني المتطرف ولغلاة المستوطنين, فيما نال ما يسمي تيار اليسار والوسط29 مقعدا فقط, موزعة كالتالي: العمل15, ميرتس6, الحركة6, كديما2, وعند إضافة مجموع المقاعد ال12 التي حصلت عليها الأحزاب العربية الثلاثة التي خاضت المعركة الانتخابية, فإن العدد يرتفع إلي41 مقعدا. أما مسعي ضم حزب يوجد مستقبل وزعيمه يائير لبيد(19 مقعدا) إلي كتلة اليسار والوسط, لعلمانيته التي قد تخلق اعتقادا مغلوطا بذلك, فهذا غير صائب, إذ يقود لبيد حزبا يمينيا أطلق حملته الانتخابية من مستوطنة أرييل في الضفة الغربيةالمحتلة, معلنا رفض تقسيم القدس وحق العودة, وتأييد ضم الكتل الاستيطانية الكبري للكيان الإسرائيلي, والفصل بجدار فاصل,( يديعوت أحرونوت2012/11/29), وهو في ذلك لا يختلف عن نيتانياهو في تقويض حل الدولتين. وقد يكون لبيد أكثر خطورة من نيتانياهو, بسبب قدرته علي إقناع الجمهور بمشاهد إعلامية تمثيلية, والإيحاء بأنه يساري وسطي مهتم بتقوية الطبقة الوسطي في صنع القرار الداخلي, والمساواة في الأعباء, وتقليص نفوذ الأحزاب الدينية, أما القضية الفلسطينية فلا تعنيه, ولا يمتلك صيغة لحل أوتسوية, كحال أقرانه من الأحزاب الأخري, ولكنه يدعو لاستئناف المفاوضات علي قاعدة ما يتبناه من لاءات. في المقابل, وعلي الرغم من أن بعض اليسار الإسرائيلي يزعم علنا تصالحه مع فكرة إقامة دولة فلسطينية, إلا أنه يرفض تقديم تنازلات تتعلق بالأراضي المحتلة اللازمة لإقامة الدولة, وسط تغييرات مستحدثة فيها لا يمكن أن تؤدي معها إلي دولة. وإذا كان العمل صور لنفسه خروجا مظفرا من الانتخابات ب15 مقعدا, إلا أن ذلك لا يخلو من مبالغة, إذ لم يكسب فعليا, إلا عند المقارنة مع رصيده في انتخابات2009 التي حصل فيها علي12 مقعدا, ولكنه أمر لا يغير كثيرا في وضع حزب سيطر علي مقاليد السلطة في الكيان الصهيوني منذ نشأته حتي العام1977, ويسعي جاهدا منذ ذاك للالتصاق بها أملا في استعادتها يوما. إن توجه قاعدة جماهيرية معينة نحو حزب لبيد وتجاه اليسار والوسط لا يعني أن هناك فرصة حقيقية للسلام, أو لرغبة صادقة في إعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية المشروعة, فقد كانت تلك الأحزاب تتنافس علي التسابق مع التيار اليميني بالارتكاز في قاعدتها الانتخابية علي أجواء تزداد يمينية, وإنما لإدراك مدي ما سببه نيتانياهو من تعزيز عزلة الاحتلال علي الساحة الدولية, ولاختيار عدم الصدام مع الولاياتالمتحدة, وانتهاج سياسة اقتصادية واجتماعية مغايرة, رغم الشكوك بإمكانية حدوث تغيير حقيقي في الوضع المأزوم. ولا يعني ذلك التصادم مع مبادئ اليمين السياسية, بما يضم من توليفة الليكود وإسرائيل بيتنا, وحزب البيت اليهودي, الذي ارتفع عدد مقاعده من3 في انتخابات2009 إلي11 مقعدا, مستعيدا عافيته بقيادة المتطرف نفتالي بينيت الذي نجح في مخاطبة جمهور اليمين بشعاراته المتشددة الرافضة لإخلاء المستوطنات وتقسيم القدس وحق العودة واستئناف المفاوضات, مقابل التمسك بأرض إسرائيل التاريخية وفق التعاليم اليهودية, باعتباره وريث حزب المفدال اليميني المتطرف وحركة جوش أمونيم الاستيطانية. بينما حظي حزب يهودوت هتوراة( حزب التوراة الموحد) الديني المتشدد بمقعدين زيادة عن انتخابات2009 التي فاز فيها بخمسة مقاعد, وفق مرجعية تعاليم التوراة تجاه قضايا الصراع, والحق التاريخي في أرض إسرائيل الكاملة والقدس الموحدة ورفض حق العودة, مع القبول, أحيانا, بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة. في حين يعبر حزب شاس(11 مقعدا) عن مواقف غلاة المتدينين من اليهود الشرقيين, مطالبا بالأحقية التاريخية للشعب اليهودي في أرض إسرائيل التوراتية, ورفض تقسيم القدس وإقامة الدولة الفلسطينية المتصلة والمستقلة, مقابل التوسع الاستيطاني باعتباره فريضة شرعية وواجبا مقدسا. ولكنه يري بإمكانية التخلي, مؤقتا, عن أجزاء من أرض إسرائيل, حفاظا علي حياة اليهود, وذلك ليس تعاطفا مع الفلسطينيين, إذ لم يخف الحزب كراهيته للعرب, وإنما لإدراكه أن عقارب الزمن تدور لغير مصلحة الاحتلال في ظل مقاومة فلسطينية متصاعدة لم تستكن. وفي المحصلة; لا يوجد اختلاف حقيقي بين الأحزاب, بمختلف توجهاتها اليسارية واليمينية والدينية, تجاه القضية الفلسطينية, حيث ترفع مجتمعة لاءات العودة إلي حدود4 حزيران( يونيو)1967 وتقسيم القدس وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين ووقف الاستيطان, مقابل الحديث عن دولة فلسطينية منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح لا تخرج عن إطار حكم ذاتي معني بالأوضاع المدنية والحياتية للسكان, فيما يتحكم الاحتلال بشئونه الأمنية والسيادية. لقد عززت الانتخابات الإسرائيلية قوة اليمين المتشدد والنظرة العنصرية المتطرفة, وأبقت علي سياسة الاستيطان والتهويد والعدوان ضد الشعب الفلسطيني, بحيث ستظل تلك عناوين المرحلة وأبرز مهام الحكومة المقبلة, بينما لن يقيض لمسار العملية السلمية التقدم, خلا تحركات غربية نشطة تدخل في إطار إدارة الصراع وليس إنهاءه, الذي يتحقق, فقط, عند التحرير وتقرير المصير وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم وأراضيهم.