يشكل النشاط الثقافي للطلاب داخل الجامعة رافدا مهما من روافد تشكيل وعيهم وصقل ثقافتهم وتطوير شخصياتهم. ويأتي النشاط الرياضي والفني في مقدمة النشاطات التي تجمع بين الفكر والحركة الخلاقة فيثمرا احتفاليات جذابة تتجلي بها طاقة الشباب وحيويته. ويحتل فن المسرح مكانا في النشاط الجامعي فيشهد أكثر من مسابقة داخل كل كلية, ثم مسابقة بين كليات الجامعة الواحدة حيث يشارك فريق المسرح من كل كلية بمسرحية من الأدب المصري أو العالمي وغالبا ما تتفوق الكليات العلمية مثل الهندسة والزراعة والعلوم, مما يؤكد أن الهواية لا علاقة لها بالتخصص الدقيق للدارس. ثم تشهد جامعاتنا ما يطلق عليه المسابقة اللقاء القمي بين جامعات مصر كلها وتمثل كل جامعة مسرحية والكلية الفائزة في المسابقة السابقة. ومن حضر هذه المسابقات أو شارك بالتحكيم بها مثلي, يشعر باستعادة حماس الشباب وبأهمية تلك الاحتفاليات لدي شباب الجامعات, فطلاب كل كلية يحضرون مبكرين ويوالون تشجيع فريقهم بالتصفيق والهتاف والتحية الحارة إلي ختام العرض المسرحي, ممنين أنفسهم بفوز فريقهم بإحدي الجوائز. بينما يجتهد الطلاب المشاركون بالتمثيل أو الغناء أو في أي دور في العرض المسرحي اجتهادا كبيرا من أجل خروج عرضهم في أبهي صوره. وفي شهر إبريل الماضي تلقيت دعوة كريمة من رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس بالمملكة المغربية الدكتور فارسي السرجيني, للمشاركة في مهرجان المسرح الجامعي الخامس المنعقد بالجامعة العريقة. وقد قبلت الدعوة مدفوعة بشغف أن أتعرف علي صورة هذا النشاط بين شباب بلد آخر غير بلدي الحبيب مصر. وقد وجدت أن المسرح الجامعي يحظي باهتمام كبير لدي جامعات المملكة وتعقد له المهرجانات السنوية في منافسة بين كليات الجامعة الواحدة, ويعد مهرجان الدارالبيضاء هو أقدم المهرجانات حيث ينظم هذا العام دورته الثالثة والعشرين, ثم مهرجان طنجة للمسرح الجامعي. ولكن ما يضاف علي ما يقدم في بلادنا هو استضافة كل مهرجان من تلك المهرجانات عروضا مسرحية لجامعات من دول عربية وأوروبية وكذلك أعضاء للجان التحكيم, مما يضفي صبغة شبابية متعددة الثقافات والاتجاهات الفنية تثري المهرجانات. وهذا ما حدث في مهرجان جامعة سيدي محمد بن عبد الله الذي احتضنته مدينة فاس الهادئة الرائعة بقصورها العريقة ومروجها الخضراء, وقد أطلقنا نحن ضيوفها من كل الدول العربية مصر وسوريا وقطر والسعودية والعراق ولبنان وتونس والجزائر عليها( مدينة الياسمين) حيث تفوح رائحته في كل مكان بها وتنتشر الأشجار والزهور مع جداول الماء في كل مكان بها. وقد علق علي ذلك أصدقاؤنا من أهل المدينة أن مدينتهم تزهر أرضها بأجمل الزهور لذا يعتزون أن سمو الأميرة للا سلمي حرم الملك محمد السادس ابنة مدينتهم الزاهرة. ازدحمت أيام المهرجان الخمسة بالعروض المسرحية في الصباح نشاهد عرضين وفي المساء مثلهما, تلاحم الشباب العربي في تعاون بناء لعرض ومشاهدة مسرحيات بعضهم البعض وكلهم طلاب جامعيون قدموا من أقصي الشرق حيث العراق وقطر, وأقصي الجنوب من سلطنة عمان ومن الشمال من سوريا ولبنان, أو دول الجوار من تونس والجزائر وكانت مصر قلب العروبة النابض ممثلة بوفد مشرف من أكاديمية الفنون قدم مسرحية( طقوس) حازت استحسان كل المشاركين وكبار نقاد المغرب حيث علق المعلم المسرحي الكبير الدكتور حسن المنيعي لي قائلا: هذا هو المسرح المصري الذي نعرفه. ثم صعد الممثل والمنظر الكبير عبد الحق الزروالي لخشبة المسرح محييا شبابنا عقب انتهاء العرض, وهنا لابد من ذكر اسم محمد علام المخرج ومصطفي حامد مصمم المنظر وهما بعد طلاب, فسوف يكون لهما مستقبل باهر في مسرحنا. ومن الأمور التي أبهرتني ودعتني إلي كثير من الفخر بهذا الوطن الغالي كان العرض التونسي( الحلوة) الذي استحق دون جدال جائزة أفضل عرض بالمهرجان, فقد اعتمد العرض علي أغنية رائدنا العظيم السيد درويش( الحلوة دي قامت تعجن بالفجرية) بتوزيع متعدد للحن والكلمات قام به فنان شاب تونسي موهوب هو توفيق الهواري الذي حدثني كثيرا عن دراسته للموسيقي المصرية وعشقه لسيد درويش, ويتوقع له أستاذه فتحي بن عمر دورا مهما في المسرح التونسي وأنا كذلك. وفي صباح أحد أيام المهرجان تم تنظيم حلقة نقاشية حول( المسرح الجامعي وأهميته ودوره) أدارها الدكتور سعيد الناجي مدير المهرجان وانتهت إلي الدعوة لتأسيس شبكة عربية للمسرح الجامعي تتعاون فيما بينها لتلتقي كل عام بمسرحيات من كل أو أكثر البلاد العربية لما وجدنا من فائدة كبيرة لنا وللطلاب خلال أيام المهرجان. وبالفعل تم الاتفاق علي الخطوط العريضة لتأسيس الشبكة أسوة بالشبكة الدولية للمسرح الجامعي التي حضر رئيسها السيد بارك وحدثنا عن أهدافها ونظام العمل بها. ومنها التبادل الطلابي بين البلاد العربية والأوروبية, تنظيم دورات فنية في كل فنون المسرح والدراما, توثيق أعمال الطلاب بالتسجيل, إنشاء موقع لتبادل الخبرات الفنية علي شبكة المعلومات, تبادل تنظيم مهرجان الشباب العربي بين الجامعات العربية دوريا. وسوف تشهد مدينة فاس العام القادم الدورة الأولي للمهرجان العربي الأول للمسرح الجامعي وتم الاتفاق علي تبادل عقد المهرجان في كل بلد عربي سنويا, وقد رآها المجتمعون خطوة مهمة نحو توحيد الشباب العربي حول فن هادف يثري الثقافة ويوطد أواصر الوحدة بين بلادنا من المحيط للخليج.