لقد بات أحد أهم المشاكل التي تواجه الأسر المصرية المقيمة في الخارج هو زواج الجيل الثاني علي حد سواء كان إبنا أو ابنة فدون شك المصريين لهم عادات وتقاليد مصرية شرقية دينية يحاول الأب أو الأم دائما غرسها في الأبناء وغالبا ما ينجحون في مهمتهم الأسرية المقدسة ويكون النجاح بامتياز في حالة أن يستطيع الأب والأم غرس الصفات والعادات والنهج الذي يغرس أفضل العادت المصرية وأفضل العادات الأوروبية مع التخلص من السيء منها سواء مصرية أو أوروبية. وهنا نجد أن الأسرة المصرية تواجهها مواقف حائرة عند إختيار العريس والعروس أو العكس من خلال التفاضل بين المصري أو الأوروبي بسبب اختلاف القيم والمفاهيم المصرية الأوروبية. فعلي سبيل المثال زواج المصريات المغتربات اللاتي تربين في النمسا غالبا محفوف بالمخاطر التي قد تصل إلي الفشل لاختلاف النشأة في المجتمعات الغربية عن غيرها في المجتمعات المصرية والمقصود هنا هو اختلاف طرق التربية. ففي النمسا مثلا تتركز التربية علي الوضوح والصدق والأمانة وحرية الرأي والتعبير وإتقان العمل وتحمل المسئولية علي عكس التربية لبعض الأسر في مصر التي لا تركز علي تلك الصفات فضلا عن ان هناك قوانين بالنمسا تجرم العنف ضد المرأة مما يفرض المعاملة الطيبة من الزوج لزوجته ليس فقط من منطلق الحب والاحترام ولكن هناك قاسم مشترك بينهم ولذا لا يستطيع الرجل أن يمارس سلطاته الذكورية علي المرأة التي تتمتع بقدر من الحرية قد لا تتمتع به المرأة المصرية. من خلال اختلاف العادات والتربية والتقاليد لابد أن نعترف أن هناك مشكلة ظهرت علي سطح الأحداث منذ وصول الجيل الثاني للمغتربين إلي سن الزواج وأصبحت مشكلة ظاهرة للعيان تستوجب إلقاء الضوء عليها من أجل البحث عن حلول لهذه المشكلة خاصة في ظل وجود عدد كبير من المصريين المغتربين في الخارج. ففي بداية الألفية الجديدة حضر أحد الشباب إلي النمسا بحثا عن حياة كريمة ومستوي معيشة أفضل بعد أن ضاقت به السبل في مصر- ومن المعروف أن النمسا هي إحدي الدول الأوروبية التي تجمع عائلات مصرية عديدة- تعرف هذا الشاب علي إحدي المصريات المقيمات في النمسا وتم الزواج الذي أسفر عن ثلاث بنات علما بأن المشاكل التي بدأت بينهم منذ اليوم الأول لم تنته حيث تشعر هذه الزوجة بأنها صاحبة الفضل علي زوجها القادم من مصر وأنها منحته الإقامة ثم الجنسية النمساوية وكعادة الرجل المصري لا يقبل أن تذكره زوجته بأنها السبب في هذا النعيم الذي يعيشه في بلد أوروبي غني مثل النمسا فيتحول هذا النعيم إلي جحيم حيث أدت العديد من المشاكل المتلاحقة وتفاقمها وتأزمها في نهاية الأمر إلي الطلاق الذي كان ضحيته في المقام الأول ثلاثة أطفال في سنواتهم العمريه الأولي حرموا فيها من الجو الأسري الهاديء ودفيء المشاعر. مثال آخر لأحد المصريين الذي أتي إلي النمسا بطريقة غير شرعية ولكي يقنن وضعه القانوني بحث عن زوجة فتعرف علي فتاة مصرية يقيم والدها منذ عشرين عاما حيث ولدت وترعرعت هنا وتحمل الجنسية النمساوية, وتمت إجراءات الزواج وكانت الحياة بينهما في البداية هادئة ولكن بعد فترة من الزمن وبعدما حصل علي الجنسية النمساوية بادر بتطليق زوجته لأنه كان منذ البداية هدفه الحصول علي الجنسية وليس بناء أسرة. ونموذج أخر لأحد الشباب الذي وصل إلي النمسا وتزوج من نمساوية لفترة من الوقت بهدف الحصول علي إقامة قانونية وبعد تقنين موقفه قام بتطليقها وعاد إلي مصر ليتمم إجراءات زواجه من فتاة مصرية وبعد زواجه منها أحضرها معه إلي مقر إقامته وبعد أن أتقنت اللغة الألمانية وتعرفت علي أسر نمساوية وحقوق المرأة في المجتمع النمساوي أصبحت تتعامل مع زوجها معاملة الند للند وليست كما تقتضي العادات والتقاليد المصرية وهو ما أدي في نهاية المطاف إلي الطلاق وأصبح الزوج هو الراعي للأبناء وصارت الزوجة تعيش حياتها كمواطنة نمساوية بعادات المجتمعات الأوروبية التي تتنافي مع سلوك وعادات مجتمعنا المصري أو الشرقي. لا شك أن هناك العديد من الأمثلة التي لا يمكن أن نسوقها لكي نوضح ونؤكد مدي الاختلاف والنزاعات التي يشهدها زواج المصريين من المصريات اللاتي يعشن في أوروبا أو العكس أو بالزواج من أجنبية. أن هذه المشاكل أصبحت أكثر استفحالا في الآونة الأخيرة خاصة بعد زيادة أعداد المصريين المغتربين بالخارج. وأعتقد أن أحد أهم أسباب هذه المشكلة هو عدم الوضوح منذ البداية من جانب الطرفين فالشاب المصري القادم من مصر إلي النمسا تنحصر أولوياته في المقام الاول في تقنين وضعه القانوني وهو مايدفعه إلي الزواج من فتاة مصرية أو نمساوية علي حد سواء من أجل الحصول علي الإقامة الشرعية أو الجنسية النمساوية دون أن يكون هناك عوامل واهداف مشتركة بين الطرفين مما تؤدي في النهاية إلي الطلاق. ولا نستطيع أن نلقي باللوم علي أحد الطرفين لأن كل حالة لها خصوصيتها وأسبابها المختلفة سواء الموافقة علي الزواج أو قرار الطلاق, وبحثا عن حلول لهذه المشاكل التي باتت واضحة للعيان ولافتة للنظر نري أنه لابد من وجود شفافية وصراحه تامة بين كلا الطرفين قبل الشروع في إجراءات الزواج وتجميع المعلومات الصحيحة عن الطرفين وعائلاتهم للتأكد من مدي صحة مايزعمه كل طرف للآخر. وهناك لا بد وأن تكون قاسما مشتركا لحظة الاختيار ففي حالة وجودها يجب الرفض الفوري لهذا الزواج وتشمل تلك الصفات علي سبيل المثال: الكذب, الأنانية, البخل, عدم الخوف من الله سبحانه وتعالي أيا كانت الديانة سواء مسلم أو مسيحي وليس العبرة بالذهاب إلي الجامع أو الكنيسة ولكن العبرة تكون في خشية الله. وفي حالة انعدام هذه الصفات السيئة مع وجود شرط القبول لكلا الطرفين يمكن أن تنشأ أسرة سليمة قائمة علي الود والحب والاحترام المتبادل والتفاهم بعيدا عن المشاكل التي تؤدي في نهاية الأمر إلي الطلاق ويكون زواجهما ناجحا.