بعد أن مر عام2012 بأقل من التوقعات السابقة له بل وبأقل من التوقعات خلال النصف الأول منه.. يدخل الإقتصاد العالمي عاما جديدا لا يخلو من التحديات والغيوم بحثا عن محفزات ومحركات جديدة للنمو تخرجه من حالة التباطؤ والشكوك التي تحوم حوله منذ الأزمة العالمية في عام.2008 وبعد أن بلغ نمو الإقتصاد العالمي نحو3.5% في العام المنصرم لا يتوقع حدوث إرتفاع ملحوظ عن هذا المستوي خلال العام الجديد بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي, رغم إنحسار المخاوف من إنهيار اليورو ووجود بوادر تحسن في الإقتصاد الأمريكي. فطوال نحو خمسة أعوام حاول المسئولون عن إدارة الإقتصاد خاصة في الدول الكبري إستخدام كافة الأدوات المتاحة من السياسة المالية والنقدية لتفادي الركود والخروج من الأزمة العالمية بأقل الخسائر, وتقليل مدتها. ويأتي عام2013 وقد تم استنفاد تقريبا جميع الوسائل التقليدية وغير التقليدية لتحفيز نمو الإقتصاد العالمي إلي المستويات القادرة علي خفض معدلات البطالة المرتفعة في أغلب الدول المتقدمة والنامية. فعقب الأزمة العالمية إتحد قادة العالم المتقدم والنامي من خلال مجموعة العشرين وإتخذوا قرارات تنسيقية موحدة لتحفيز الإقتصاد العالمي إعتمدت أساسا علي زيادة الإنفاق العام من خلال برامج إستثنائية محددة, ولكنها تسببت في زيادة عجز الموازنات العامة وإرتفاع مستوي الديون إلي معدلات غير قابلة للإستمرار أزعجت الأسواق المالية وأدت إلي حدوث إضطرابات في عدة مناطق في مقدمتها الاتحاد الأوروبي وبالتحديد في منطقة اليورو. وقد تطلب ذلك تطبيق إجراءات تقشفية تباينت حدتها بين الدول ولكنها تسببت في تحجيم النشاط وحدوث ركود في العديد من الدول. وفي ظل هذه التطورات أصبحت الحكومات غير قادرة علي الإستمرار في إستخدام أدوات السياسة المالية لتحفيز النشاط الإقتصادي. أما بالنسبة للسياسة النقدية فبعد أن خفضت الدول الكبري الرئيسية معدلات أسعار الفائدة إلي أدني حد ممكن, لجأت البنوك المركزية إلي ضخ النقود من خلال سياسات للتوسع الكمي بدأتها الولاياتالمتحدة وتبعتها بريطانيا والإتحاد الأوروبي وكثير من دول العالم بعد ذلك. بل وبدأت هذه البنوك المركزية الرئيسية في التحول من إستهداف التضخم كهدف وحيد إلي تضمين إهداف رقمية أخري مثل معدلات البطالة والنمو. ولم يعد هناك مجالا لمزيد من إستخدام أدوات السياسة النقدية لحفز النمو دون التأثير سلبيا بشكل بالغ علي مستويات الأسعار. ويشغل البحث عن مصادر جديدة للنمو العالمي فكر الخبراء الإقتصاديين علي مستوي العالم, فليس في الأفق مصادر لطفرات جديدة مثلما حدث مع الإكتشافات البترولية في مطلع السبعينات, أو طفرة تكنولوجية تساهم في قفزة في معدلات الإنتاجية مثلما حدث في النصف الثاني من التسعينات. ويري فريق الخبراء في شبكة بلومبرج الإقتصادية الإخبارية أنه لا بد من عودة حكومات الدول إلي برامج تحفيزية جديدة خلال عام2013 حتي لو أثر ذلك علي عجز الموازنات في المدي القصير طالما إلتزمت الدول بخفض مستويات العجز والدين العام علي المدي الطويل, ودللوا علي ذلك بأن بعض الدول قامت بإجراءات تقشفية بأكثر من المطلوب لضمان إستدامة الوضع المالي علي المدي الطويل, ومثال علي ذلك الأهداف الموضوعة لمستويات الدين بالولاياتالمتحدة لفترة10 سنوات. ورغم عدم التوصل حتي الآن لتفاصيل البرامج التقشفية علي جانبي إيرادات ومصروفات الدولة نتيجة الخلاف بين الديمقراطيين بقيادة الإدارة الأمريكية الذين يرغبون في زيادة الضرائب وبين الجمهوريين ذوي الأغلبية في الكونجرس الذين يفضلون خفض الإنفاق الحكومي خاصة علي البرامج الإجتماعية الباهظة بدلا من زيادة الضرائب, فإنه من المتوقع التوصل إلي إتفاق مبدئي للتنفيذ خلال هذا العام. أما فريق الخبراء في مجلة الإيكونوميست فيري أنه لم يعد هناك من وسائل لتحفيز نمو الإقتصاد العالمي سوي العودة إلي مزيد من تحرير التجارة, خاصة وأن الأبحاث توضح أن الإقتصاد العالمي أصبح أقل إندماجا مقارنة بمستوياته في عام2007 بعد أن قامت كثير من الدول بإتباع إجراءات لحماية منتجاتها وأسواقها في أعقاب الأزمة العالمية. ويعترف هذا الفريق بصعوبة القيام بهذا التحرير علي المستوي العالمي بعد تعثر المفاوضات في منظمة التجارة العالمية وشبه وفاة جولة الدوحة التي بدأت منذ عام.1998 ولكن في نفس الوقت يرون أن هناك فرصا كبيرة لزيادة تحرير التجارة علي المستوي الإقليمي في بعض المناطق, مثل الإسراع من تحرير التجارة في منطقة الباسيفيك( تضم الولاياتالمتحدة والمكسيك وكندا وأستراليا وقد ينضم إليها اليابان وكوريا الجنوبية) والتي من شأنها زيادة معدلات النمو الإقتصادي بنحو نقطة مئوية, ومزيد من تحرير التجارة بين الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي والذي لا تزال تجارة السلع والخدمات تعاني من العديد من القيود التجارية وغير التجارية بينهما وهو ما قد يؤدي إلي زيادة النمو في اوروبا بنسبة0.4% وفي الولاياتالمتحدة بنحو1%, بالإضافة إلي مزيد من تحرير تجارة الخدمات بين دول الإتحاد الأوروبي والتي قد تؤدي إزالة العوائق بينها في زيادة النمو الإقتصادي الأوروبي بنحو2.5 نقطة مئوية. وتترقب الأسواق العالمية في عام2013 كذلك الأوضاع في الشرق الأوسط وإستقرارها بما قد ينعكس أيضا علي أسعار البترول العالمية, والتي من شأن إنخفاضها أن يدعم نمو الإقتصاد العالمي. وتبقي علامات الإستفهام الكبيرة حول كفاءة وفاعلية المؤسسات القائمة علي مراقبة وإدارة الإقتصاد العالمي والحاجة إلي تحسينها وجعلها أكثر ديمقراطية من خلال مشاركة أكبر من الدول الناشئة والنامية الأكثر قدرة علي المساهمة بمستويات أعلي في نمو الإقتصاد العالمي في السنوات المقبلة.