لقد دفع سيدنا عثمان بن عفان حياته ثمنا لحلمه المفرط مع القتلة والمجرمين, ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل دفعت الأمة ومازالت أثمانا فادحة من وحدتها ورصيدها الحضاري عبر التاريخ وحتي الآن. لقد عشنا أياما قاسيات وليالي حالكات عندما حوصر قصر الرئاسة وتعرضنا لحملات من القهر الإعلامي النفسي, من الخطورة علي حياة الرئيس, ومما أسموه بالمجلس الرئاسي, وغير ذلك مما لا نريد تكراره حتي اشتدت بنا حالة الضيق والشدة خوفا علي المشروع الإسلامي بكامله, رئيسا ومنهجا, ذلك المشروع الذي ظلت الأمة تحلم به طوال مئات السنين, وما إن أوشك علي التحقيق حتي رأيناه ينفلت من أيدينا بسبب أخطائنا ولإفراط الرئيس في الحلم في غير موضعه.. الحلم المذموم لأنه ليس مع المعارضة الرشيدة التي ننشدها جميعا ولكنه حلم مدمر, لأنه حلم مع الفاسدين والمفسدين والمجرمين. إن القرآن الكريم وهو أعظم ما عرفته البشرية من منهاج إصلاح وحياة, يبقي حبرا علي ورق وصفحات معدودة ما لم يطبق ويفعل في الأمة بأحكامه وترغيبه وترهيبه, ولذلك فقد قيل في الأثر إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وما أبلغ هذا الأثر في استخدام كلمة السلطان لما تحمله من معني القوة والهيمنة بجانب العدل والحكمة.. إذا كان القرآن هذا النبع الرباني المتدفق يبقي متجمدا ما لم يسيله السلطان, ويفعله الناس في حياتهم فإن الثورة كذلك ستبقي شعارات رنانة وصيحات جوفاء ما لم تحدث تغييرا يشعر به الناس والثوار, بل إني لا أبالغ إذا قلت إن الثورة التي دفع فيها الشعب المصري من دمائه واستقراره الكثير قد تنقلب وترتد علي المسئولين وأصحاب القرار فيها, ما لم يكونوا عند مستوي طموح الشعب وتحقيق آمالهم وأحلامهم, خاصة أن الحلم كبير ولطالما انتظرناه ولا مساومة فيه, وتهون كل التضحيات في سبيل تحقيقه لأنه حلم سيادة الدين, وإعلاء كلمة الله, والحياة الكريمة في ظل الشريعة السمحاء بكل سعتها ورحمتها ووسطتيها وعصريتها, لا كما يعرضها المغرضون, بجهل أو تجاهل بأنها شريعة الحدود والشدة, لا وألف لا.. إنها شريعة الاستقرار والتقدم والرقي.. وشرح هذا يطول وليس مجاله الآن. هذا الحلم الكبير, وهذا المشروع الإسلامي العظيم, هو مشروع الأمة طوال العصور وعلي مدي التاريخ, هو لب القضية, وركيزة الحوار, والأمل المرتجي في الدنيا والآخرة, هو دين يتعبد به وتهون في سبيله الأرواح, ويعلو ولا يعلي عليه, هو مشروع الأمة كلها, ليس مشروع الإخوان أو السلفية أو غيرهم وحدهم.. لا إنه مشروع تعبدي مفروض ومأمول لكل مسلم يشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله, كل مسلم مخلص لدينه ولوطنه من حقه أن يحمل ويحلم بهذا الشرف, المشروع الإسلامي. بعد هذه المقدمة التي أراها ضرورية, فإن مسئولية الإصلاح والتغيير الثوري باتت مفروضة في المقام الأول علي رئيسنا, رئيس الثورة الدكتور محمد مرسي, الذي بقدر ما نحبه نشفق عليه ونقدر المناخ الذي يعمل فيه, لكننا بقدر ما نشفق عليه أيضا فإننا لن نرضي بأن يضيع حلمنا بسبب حلم رئيسنا وإفراطه في الطبطبة علي المجرمين والبلطجية والفاسدين, إنني أؤكد أن الفارق كبير بين هؤلاء المجرمين وبين المعارضة إن المعارضة الحقيقية المبنية علي أسس الحوار البناء والبحث عن الحقيقة والحكمة هي في رأيي أفضل وأهم ممن يحكمون, المهم أن يتوفر شرط الإخلاص لله وللوطن وللحقيقة.. لقد آن الآوان لهذه المعارضة الشريفة أن تتعاون مع الرئاسة وأصحاب القرار, وأن نقر جميعا بآلية ونتائج الديمقراطية, ونعمل جميعا في صفحة جديدة لكشف المتآمرين علي مصر والثورة وتحكيم القانون فيهم, وردعهم بعصا السلطان وقوة رأي المعارضة, ودعم الشعب والأمة وإلا فالثمن فادح ذلك الذي سيدفعه الجميع من الشعب القوي الوسطي الصامت الذي نراه عند كل أزمة علي مستوي المسئولية وعلي مستوي النضج والفطرة السوية, والذكاء المصري الحضاري منذ أهرامات الفراعنة.. هذه القوة وهذه القوي التي لم تأبه ولم تلتفت الي سعار الكثير من القنوات الفضائية التي باتت وأصبحت تدمر كل رمز وتحطم كل بناء وتشوه كل إنجاز, وتضلل وتكذب كل حقيقة, لكن هيهات هيهات.. هذا الفلاح الأمي وهذه المرأة المكافحة, بائعة الخبز والجرجير, الكل قال قولته وكشف الزيف, وأحق الحق وأبطل الباطل, إنني أحذر الجميع خاصة الإخوان والمعارضة من قوة وتأثير تلك المرأة وما أكثرها التي انطلقت فطرتها النجيبة وبتلقائية حادة الذكاء والإخلاص تقول: أنا من حزب الرئيس واحنا كلنا بنحبه, وأنا مش في أي حزب, احنا عاوزين نستقر ونعيش زي الناس, أنا بأقبض120 جنيه, ولما الدستور ينجح حستلف وأجيب مكرفون وألف البلد من الفرحة ثم وضعت استراتيجية الإصلاح الحقيقي للمرحلة الحالية في كلمات اتمني ان يسمعها ويطبقها الرئيس د.مرسي قالت اللي بيشتغل في البنك وبياخد100 ألف جنيه خد منه يا ريس50 وفرقها علينا احنا الغلابة وكفاية عليه قوي50 الف. سيادة الرئيس أحسب ان هذه المرأة تمثل نبض الشارع المصري العريق, صاحب القول الفصل في أي أزمة وأي معضلة, صاحب الفضل والفضل لله في خروجك من أزمتك وأزمة مصر الأخيرة أزمة الإعلان الدستوري والحصار وغيره, هذه المرأة النقية التي أحسبها لم تأكل حراما قط, بل تسعي ان تحصل علي جزء من حقها المسلوب طوال عمرها, هذه المرأة انطقها الله, وأرسلت اليك بهذه الرسالة لعلك تلتقطها وتنفذها, هذه الرسالة تقول إبدأ يا ريس بالحكمة والعدل والعصا الغليظة وقوة السلطان, بالعدالة الاجتماعية, خذ من الطغاة والجبابرة واعط للفقراء المطحونين, أين قولك الذي كررته عن ابي بكر القوي فيكم ضعيف عندي حتي آخذ الحق منه, والضعيف فيكم قوي عندي حتي آخذ الحق له لو فعلت ذلك ستنال مرضاة الله أولا وتأييده ونصره, ألم يقل النبي صلي الله عليه وسلم إنما تنصرون بضعفائكم, كما ستنال مرضاة عامة الشعب الفاعل وفقرائه الأقوياء أصحاب كلمة الفصل, سيؤيدونك وسيصفقون لك, كما صفقوا لك عندما أقلت المشير ورئيس الأركان مع تقديري لهما, لكن الشعوب وخاصة الشعب المصري لا يصفق إلا للأقوياء. إن المشروع الإسلامي والحلم الكبير, أكبر من الإخوان وأقوي من الرئيس, وإن الشعب, الشعب المصري الحقيقي في الكفور والنجوع والقري قبل القاهرة وغيرها من المدن, قد عاني كثيرا وحلم طويلا, وهذه النتائج تؤكد أنه يحتاج الي الحنان والاستقرار, يحتاج الي نظرة اهتمام حقيقي, فهو صاحب الزئير الفعلي فهو الأسد الهصور وليس السعار والعويل. لقد قدم هذا الشعب ما عليه ويبقي عليك سيادة الرئيس أن تعيش السلطان القوي, القوي بالعدل, القوي بالله, القوي بنصرة المظلوم, القوي بتسيير وقيادة ركب السفينة سفينة النجاة إلي بر الأمان بحزم السلطان وحكمة الربان لإنقاذها من عواصف المغرضين وقراصنة والأمم المجرمين ولندرك جميعا بأن التاريخ لايرحم وأن يوم الفصل حقيقة وعقيدة وأن مشروعنا الإسلامي أقوي من كل القوي والتيارات وسنظل مرابطين من أجل تحقيقه واقعا ملموسا وحلما أصبح حقيقة لاتفريط فيه ولا مساومة. المزيد من مقالات إسماعيل الفخراني