في عام1928 حدد الإمام حسن البنا, مؤسس جماعة الإخوان المسلمين, ثلاث مراحل مهمة لتحقيق أهداف الجماعة, مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة, ومرحلة التكوين واختيار الأنصار والأعضاء, ومرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج, ونجحت الجماعة في المرحلتين الأولي والثانية نجاحا منقطع النظير, بعد أن انتشرت أفكارها في الخارج وتجاوز عدد أعضائها الملايين في غالبية دول العالم. وفي عام2012 بدأت جماعة الإخوان مرحلتها الثالثة التي وردت في فكر إمامها المؤسس بعد أن غادرت صفوف المعارضة, وتربعت علي قمة السلطة في قلب العالم الإسلامي بعد فوز مرشحها الدكتور محمد مرسي برئاسة الجمهورية. وانطلاقا من ثوابت فكر التيارات الإسلامية التي تقوم علي التغيير السياسي في إطار الحفاظ علي الاستقرار, قبل الإسلاميون التعاون مع القوي السياسية علي الساحة المصرية بعد نجاح ثورة يناير, وفي بدايات عام2012 وتم انتهاج سياسة الضغط بالحراك لإحداث الإصلاح, فكانت مطالبهم إصلاحية لتجنب الوضع الأسوأ, وأخيرا العمل في إطار المشاركة لا المغالبة, ثم حسمت الجولة انطلاقا من القدرة العالية للإسلاميين علي التنظيم, والتي كانت سببا رئيسيا في جعلهم الرابح الأكبر من الربيع العربي, وترجمت صناديق الاقتراع تلك القدرة التنظيمية للحركات الإسلامية. ولم تكن تغيرات المشهد الديني في مصر وقفا علي صعود جماعة الإخوان, بعد أن برزت التيارات السلفية بمدارسها المختلفة, وودعت عزلتها السياسية وخطابها الدعوي الذي كان يحض علي الابتعاد عن السياسة, واندفعوا إلي قلب ساحة العمل السياسي. وبرز التيار السلفي بشكل غير مسبوق معلنا قوته وقدرته الفائقة علي الحشد والتأثير في القواعد الجماهيرية في طول البلاد وعرضها وبات شريكا أساسيا في رسم الملامح السياسية المستقبلية في دول الربيع العربي. وإذا كانت التيارات الدينية التي تجمعها المظلة السلفية يوجد بينها العديد من الاختلافات الفكرية والفقهية, والأهداف التي تسعي إلي تحقيقها, مثل تطبيق الشريعة الإسلامية, وإقامة الدولة الإسلامية, فإنها جميعا توحدت في المعارك الانتخابية انطلاقا من قواسمها المشتركة, وتآلفت القوي والأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية, وإن كان أكثرها قوة وتأثيرا حزبا الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان, والنور السلفي الذي احتل المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية,مع أحزاب أخري قوية تنتمي إلي التيارات والجماعات الإسلامية, مثل حزب البناء والتنمية, وحزب الأصالة, وحزب الفضيلة- غير أن تلك النتائج القوية التي حققها التيار الإسلامي في مصر في الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاء علي الدستور,وإعلانهم الواضح أنهم يسعون إلي تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل كامل, أثار المخاوف لدي بعض التيارات الليبرالية والعلمانية علي الحريات ومدنية الدولة. تربع الإسلاميين علي قمة السلطة في مصر, يفرض عليهم المزيد من التحديات أولها إنجاز التحول الديمقراطي, وتنفيذ مطالب ثورة يناير وشعاراتها ومواجهة كل التحديات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية, والأهم من ذلك هو الإسراع بصياغة المشروع الذي سيطبقه الإسلاميون للنهوض بمجتمعاتهم في إطار مرجعيتهم الإسلامية لإعادة بناء الدولة. وهو ما يدفع الكثير من المراقبين إلي مطالبة التيارات الإسلامية بتغليب مصلحة الوطن علي مصلحة الجماعة أو الفصيل, بعد انتقالهم من الدعوة إلي السلطة, وتبني فقه الأوليات ومنهج التدرج وتهيئة المجتمع قبل الحديث عن أحكام الشريعة, وإتباع منهج الوسطية بينها وبين القوي الأخري, وفي علاقتها بالشعب.