الخطاب السنوي الذي القاه الرئيس فلاديمير بوتين الي الامة خلا من الكثير مما كان الكثيرون ينتظرونه ولا سيما فيما يتعلق بالعديد من القضايا الساخنة في مجال السياسة الخارجية، وإن تناول عددا من القضايا التي استقطبت اهتمام الدوائر العالمية ومنها ما يتعلق بقضايا المعارضة والديموقراطية وما يتطاير من اتهامات حول استقواء المعارضة بالخارج ونشاط منظمات المجتمع المدني فضلا عن تفشي ظاهرة الفساد ورصد محاولات تسلل رموز الجريمة الي اجهزة السلطتين التنفيذية والتشريعية. رغم ان هذا الخطاب هو التاسع في سلسلة خطابات بوتين الي مواطنيه منذ اعتلي سدة الحكم في عام2000 فان هناك كثيرين من المراقبين من اعتبروه اضعف خطاباته وكانوا يتوقعون منه الكثير نظرا لانه الأول بعد عودته لفترة ولاية ثالثة. وكان بوتين في هذا الخطاب غرق كثيرا في هموم الداخل التي لم تطرأ عليها تغيرات جذرية عدا ما قاله حول تحسن الاوضاع علي صعيد زيادة عدد السكان وهي المشكلة التي تؤرق مضاجع القيادة الروسية علي ضوء ما رصدته اجهزة الاحصاء السكاني حول تناقص عدد ابناء القومية الروسية خلال السنوات الماضية بمقدار مليون روسي سنويا!!!. ولذا كان من الطبيعي ان يسهب الرئيس بوتين في الاشادة بما تحقق من انجازات علي صعيد وقف هذه النزعة وما يطرحه من اجراءات تشجيعية لحفز نساء روسيا علي المزيد من المواليد ومنها منح المكافآت المالية وتوفير المسكن المناسب ورياض الاطفال الي جانب توفير العمل المناسب للمراة المعيلة بما يليق بها وبقدراتها العلمية ويوفر لها المكانة الاجتماعية المرموقة, فضلا عن استعراض ما تحقق من انجازات وما يطرحه من اقتراحات لدعم تطور الدولة في مختلف المجالات. وفي معرض حديثه عن مكانة روسيا وموقعها علي خريطة السياسة الدولية حذر الرئيس الروسي من ان الظروف تبدو مهيأة لظهور نزاعات جديدة ذات طابع اقتصادي وجيوسياسي وإثني, وان المنافسة تشتد للحصول علي الموارد ليس فقط بهدف الحصول علي المعادن والنفط والغاز, بل وعلي الموارد البشرية بالدرجة الأولي, وقدرات البشر الذهنية. وقال بوتين أيضا يجب ان تعمل روسيا من اجل تاكيد أهميتها الجيوسياسية. إنها يجب ان تغدو ذات أهمية وأن يحتاجها جيرانها وشركاؤها. وهذا أمر مهم بالنسبة لنا, وهذا يخص اقتصادنا وثقافتنا وعلومنا وتعليمنا ودبلوماسيتنا, وبصورة خاصة قدرتنا علي القيام بأفعال جماعية علي الصعيد الدولي. وأشار بوتين الي ان هذا الامر يتعلق بالدرجة الاولي بقدرات روسيا العسكرية التي تعتبر ضمانة لأمنها واستقلالها. وقال ان مصالح الأمة تتطلب القيام بأفعال حازمة علي ضوء ما يشهده العالم من تناقضات حادة. وفيما يتعلق بالموقف من المعارضة حدد بوتين عددا من المعايير التي قال انها لا بد ان تحكم الساحة السياسية في روسيا وفي مقدمتها ما قاله حول ان السياسي الذي يتلقي أموالا من الخارج لا يمكن ان يكون له مكان في الساحة السياسية لانه يخدم في اغلب الظن مصالح الغير. واكد بوتين أيضا أنه لا يوجد خيار آخر أمام روسيا سوي الديمقراطية,مشيرا الي ضرورة ارتكاز الديمقراطية الروسية علي تقاليدها, وليس علي تطبيق معايير مفروضة من الخارج, واحترام القانون والقواعد والمعايير السائدة في البلاد. واشار الي ضرورة وضع منظومة من قواعد المنافسة السياسية النزيهة تتضمن العديد من الالتزامات الضرورية, مؤكدا ضرورة الحفاظ علي وحدة روسيا وسلامة أراضيها وسيادتها, بعيدا عن كل النزعات الانفصالية. واضاف بوتين ضرورة الحيلولة دون التدخل الخارجي المباشر أو غير المباشر في الحياة السياسية الداخلية. وأعاد بوتين الي الأذهان انه ورغما عن ان القوانين الروسية تحظر مشاركة رموز الجريمة في أجهزة السلطة فإن هذه الرموز تتسلل الي هذه الاجهزة وهو ما يجب العمل من اجل الحيلولة دونه. واشار كذلك الي ضرورة حظر فتح اي من كبار موظفي الدولة من أعضاء الحكومة والبرلمان وادارة الكرملين وعائلاتهم وأقاربهم لحسابات بنكية أو تملك أي أوراق مالية في الخارج إلي جانب التزامهم بتسجيل كل ما يملكونه من عقارات في الخارج وقيمتها المالية ومصادر دخولهم. ومن اللافت ان ما قاله بوتين في هذا الصدد ليس جديدا فقد سبق وتناوله كثيرون طوال اكثر من عقدين من الزمان في نفس الوقت الذي يتذكر فيه الملايين من ابناء الدولة الروسية ما قاله بوتين في نهاية ولايته الثانية في عام2008 حول ان الفساد يكاد يكون القضية الوحيدة التي لم يستطع ان يجد لها حلا طوال سنوات حكمه السابقة. اما عن الاصلاحات السياسية فقد عاد بوتين ايضا ليكشف عن رغبته في العودة الي ما سبق وانتقده مثل نظام الانتخاب المختلط بين القوائم الحزبية والفردي لمجلس الدوما الذي سبق والغاه مع نهاية فترة حكمه الاولي. وما دام الشئ بالشئ يذكر نشير الي ما طرحه بوتين ايضا حول ضرورة العودة الي الكثير من جوانب التربية الوطنية علي الطريقة السوفيتية سواء من حيث شحذ همم المواطنين واعلاء المشاعر الوطنية والاهتمام بالتاريخ وامجاد الماضي. وكان بوتين اكد ضرورة الاهتمام بالجانب الروحي في تطور المجتمع واعلاء الدور البطولي للبلاد طوال العقود الماضية ولا سيما خلال الحرب العالمية الاولي التي قال ان روسيا تفتقد الي النصب التذكارية والتماثيل التي تخلد بطولاتها وامجاد ذلك الزمان. واعلن كذلك عن ان الأعوام القريبة المقبلة ستكون أعوام انعطاف بالنسبة الي روسيا الاتحادية والعالم بأسره, محذرا من احتمالات تغيرات شاملة واضطرابات جديدة.