حصار مدينة الانتاج الإعلامي والمحكمة الدستورية العليا وغلق مجمع التحرير ومحاولات تعطيل مترو الأنفاق وحرق مقر حزب وجريدة الوفد بالدقي, وغيرها من الحوادث التي شهدناها كلها تصب في إطار العنف والفوضي والغياب القانوني التام بالرغم من تعدد أسبابها واختلاف توجهات وأهداف أطرافها, ولو ظل الوضع علي ما هو عليه فلن نجني إلا مزيدا من الفوضي ولن تهدأ الأوضاع في بلدنا الذي يعاني من التأثيرات السلبية للمظاهرات التي لم تتوقف والخلافات السياسية التي لا نهاية لها وحتي لو كان الاستفتاء سيحسم رأي الشعب في الدستور فمن غير المتوقع ان يكون نهاية للخلافات التي تلوثت بالدماء وتبادل فيها الأطراف المختلفة بعض الاتهامات, وسادت لغة التخوين والتخويف.. وحتي تكون الحلول حاسمة يجب ان تكون جذرية ومتكاملة وأولها تفعيل القانون وعودته من الاجازة. في البداية يصف الدكتور لواء حازم الحاروني مساعد أول وزير الداخلية السابق للشئون القانونية والخبير الشرطي والقانوني والأستاذ بأكاديمية الشرطة الوضع الحالي لعدم تفعيل القانون بأن السبب هو عدم تغير جهاز الشرطة في مصر فالفساد لم ينته ليس في الشرطة فقط بل وفي المحليات وجميع قطاعات الدولة وهناك الكثير من الجهات التي تخرب وتدفع الناس للفساد والبلطجة ووقف العمل وقطع الطرق وغيرها من الأحداث المؤسفة المتتالية من حرق وتدمير مقصود. ويوضح: رغم أن القوانين المصرية تحتاج تحديثا وتنقية فإن قانون العقوبات يغطي معظم الجرائم وبعقوبات مغلظة لكن دون تطبيق حقيقي. ومع أن الدكتور شوقي السيد أستاذ القانون وعضو اللجنة التشريعية في مجلس الشوري السابق يري ضرورة تفعيل القوانين التي تواجه البلطجة, والتخريب, وتعطيل العمل, إلا أنه يري أن النصوص الواردة في مشروعي البلطجة السياسية والتخريب وتعطيل العمل اللذين انتهت الحكومة من إعدادهما أخيرا تستهدف الاستقواء, وتقديم رسائل لمن يقوي بالمعارضة, أو النقد, أو التعبير عن نفسه, وما ورد في باقي النصوص تجرمه القوانين القائمة حاليا, محذرا في الوقت نفسه من الكلمات والعبارات المطاطة, والصياغات غير المنضبطة التي ترد في التشريعات, حتي لا تكون التشريعات سببا في الاضطرابات أو الانحرافات في التطبيق, كما أن العبارات المطاطة في القوانين تستخدم- بكل أسف- في أغراض مختلفة في كل زمان ومكان, مشيرا إلي أنه كلما كانت التشريعات القائمة كافية, فإنه يجب عدم إصدار تشريعات جديدة خاصة في ذلك التوقيت الذي لم يعد فيه لدينا برلمان, وتتركز سلطة التشريع في يد رئيس الجمهورية, وقد تعهد بألا يستخدم سلطة التشريع إلا عند الضرورة القصوي التي لا تحتمل التأجيل أو التأخير. وبالحال هذه, فإنه من الضروري التفرقة بين التعبير السلمي عن الرأي والنقد وحق المعارضة والتظاهر- وهي حقوق مقررة قانونا للتيارات السياسية المختلفة- وبين التجريم والعقاب, بحيث ينبغي أن تكون النصوص واضحة, ويجب تفعيل النصوص الحالية بقوة ومسئولية خاصة أنها وضعت في ظل ظروف لا تحتمل المقاصد السياسية, واغراض تصفية الحسابات السياسية, وحتي لا تشوه وجه الثورة, مؤكدا أن حياة القانون تكمن في تطبيقة.., وإذا لم يتم التطبيق بشكل عادل وحكيم فسيكون القانون والعدم سواء, كما أن علاج الفوضي لا يتم إلا بتطبيق سيادة القانون, وترك الأمور تسير بصورة فوضوية يساهم في إهدار قيمة القانون والنيل من هيبة الدولة والعدالة, ويؤدي إلي سقوطها, وهو ما يؤذي المواطنين الملتزمين المعتدلين, ويصيبهم بالاحباط, ويكرس الشعور بأن قانون الغابة هو السائد. ولكي ترسخ الدولة هذه المعاني والمفاهيم- كما يقول الدكتور شوقي السيد- فعليها أن تضع هذا الغضب, والاضراب, والتظاهر, محل اعتبار, وأن تبحث في الاسباب التي أدت إلي ذلك والحلول اللازمة لها, وعليها ألا تضع أصابعها في آذانها, لأنها بذلك تدفع الناس إلي مزيد من التظاهر, والاحتجاجات, والاعتصامات, وعندما لا تستطيع الدولة تلبية مطالب المتظاهرين, فعليها إبلاغهم بأن مطالبهم محل تقدير وبحث ودراسة, ومن ثم وضع جدول زمني لحلها, وساعتها سوف يلتزم المواطنون بحدود الحقوق والاضراب والتظاهر والتعبير عن الرأي. سألنا الدكتور السيد فودة أستاذ فلسفة القوانين ووكيل حقوق بنها: لماذا لانطبق القوانين وكيف يمكن تفعيلها ؟ أولا: لابد من مراجعة كثير من القوانين المعمول بها حاليا, حيث تحتاج القوانين الي إعادة تنقية.. خاصة ان الكثير من القوانين التي تم تشريعها خلال العقدين الاخيرين هي قمة الانحدار التشريعي المكرس للفساد.. وبعد تنقية القوانين يتم وضع مجموعة جديدة من التشريعات التي تحاول أن تصلح الوضع القائم في الدولة حاليا سواء علي الأصعدة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الجنائية, وتفعيل تلك القوانين علي أرض الواقع لكي تضبط سلوك الأفراد في المجتمع, علي أن يكون ذلك بقوة وبحسم, وما من شك في أن حسم وقوة القانون يحتاج إلي يد قوية للتنفيذ, هذه اليد القوية هي الشرطة التي يجب أن يتكاتف جميع أبناء المجتمع علي معاونتها في سبيل تنفيذ القوانين إذا أن كل ما نشاهده من انفلات في الوقت الحالي جزء منه يقع علي جهاز الشرطة الذي يخشي التدخل خوفا من التصادم مع أفراد الشعب ويتحول الموقف إلي صدام بين الشرطة والشعب تأسسا علي الخلفية التاريخية لجهاز الشرطة. عصر ماقبل الدولة وماذا إذا استمر الوضع علي ما هو عليه مع غياب القانون وعدم تطبيقه؟ يجيب الدكتور السيد فودة: غياب القانون بهذا الشكل يجعلنا نعود لعصر ما قبل الدولة, الذي يكون فيه للقوي أن يأخذ حقه بيده وتصبح القوة تنشأ الحق وتحميه وهو ما يسمي بالعامية شريعة الغاب, فكل مجتمع لابد أن يوجد لديه قواعد تنظم العلاقات فيما بين أفراده, هذه القواعد هي القانون, وبدون هذا القانون والخضوع لأحكامه من الجميع يتحول المجتمع إلي الفوضي, وعدم تطبيق أحكام القانون يؤدي إلي تدمير البنية الأساسية للدولة من سياحة وإقتصاد واستثمارات وإنتاج وتوقف عجلة الانتاج, ونشاهد كثيرا عملية قطع الطرق والسكك الحديدية واضراب عمال مرافق النقل العام والمؤسسات الحكومية والاعتداء علي محطات الكهرباء إعتراضا علي بعض الأمور فهذا لا يؤدي إلي تحسين الأوضاع بل يؤدي لزيادتها سوءا إذا أن تحسن الأوضاع يكون بإبداء وجهة النظر بطريقة سلمية وقانونية مع الإستمرار في العمل دون تعطيله. شكوي مرة كما أن تفعيل القانون والحديث للدكتور السيد فودة سوف يقضي علي كل ما يشكو منه المواطنون سواء بالنسبة لمشكلة إلقاء القمامة في الشوارع والطرق حيث إن هناك نصوصا قانونية تجرم هذه الأفعال, وكذلك ما نجده من الباعة الجائلين الذين احتلوا معظم الشوارع وأصبح المارة لا يجدون طريقا للسير فيه بالاضافة الي تعطيل سير المواصلات والمرور بما فيها وسائل الانقاذ من اسعاف ومطافئ التي لا تستطيع التحرك بيسر في كثير من الأماكن, فكل ذلك انقلاب وللأسف له نصوص في قانون العقوبات والقوانين المكملة له إلا انها لا توضع موضع التنفيذ وكل ما يجب علينا هو تفعيل هذه النصوص في مواجهة المخالفين. والسؤال الآن: هل يتم التطبيق مباشرة أم أنه لابد من إعلان وتحذير الناس قبلها بفترة كافية مع التدرج في التطبيق؟! من الناحية القانونية كما يصفها وكيل حقوق بنها أن هذه النصوص موجودة بالفعل ويجب تطبيقها مباشرة علي المخالفين لأن القانون يتم تطبيقه في اليوم التالي لتاريخ نشره بالجريدة الرسمية, ومن الناحية الإنسانية الواقعية خاصة في ظل ظروف الثورة الحالية فلا يوجد ما يمنع من إعلام المواطنين أولا بجميع وسائل الاعلام المسموعة والمرئية بانه سيتم تطبيق القانون ونصوصه التي تجرم هذه المخالفات وسيتم التطبيق خلال شهر ليقوم كل شخص بإعداد نفسه وتوفيق أوضاعه لضمان حسن التطبيق بعد ذلك حتي لا يشعر أحد بالظلم. ومن واجب الشرطة أن تقوم بتنفيذ أحكام القانون علي الجميع علي أن يكونوا في أداء عملهم متمسكين بالقواعد القانونية وليس بالأهواء الشخصية كما يحدث في حالات كثيرة وأيضا مع الحفاظ علي حقوق المواطنين في جميع الحالات, وأيضا التعامل بما يكفل حقوق الإنسان في تعاملهم مع المواطنين أي يطبق القانون علي جميع المخالفين سواء كانوا مواطنين أم شرطة. يتفق معه الدكتور صلاح الدين فوزي رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق بجامعة المنصورة, الذي يؤكد أن غياب تطبيق القوانين يؤدي إلي شيوع الفوضي, وانتشار معدلات الجريمة, ومن ذلك انتشار الانفلات الأمني, وعمليات البلطجة, والسير في الممنوع, وتنامي الورش المخالفة داخل الكتلة السكنية, وارتفاع الاسعار, واحتلال الارصفة من الباعة الجائلين وغيرها من الظواهر السلبية التي تحدث نتيجة غياب القانون, مشيرا إلي أن الحريات ليست مطلقة, وإذا كان القانون قد سمح بحق التظاهر, والاضراب, و التعبير عن الرأي, إذ أن هذا التعبير لابد أن يكون سلميا, وبشرط عدم الإضرار بالغير.