تقدم اليسار الانفصالي وتراجع الائتلاف القومي اليميني, وبقيت قضية استقلال الاقليم معلقة, هذه هي محصلة نتائج الانتخابات المحلية المبكرة التي شهدها اقليم كاتالونيا الاسباني الواقع شمال شرق اسبانيا مطلع الأسبوع الحالي, والتي سبق ودعا إليها ارتور ماس حاكم الإقليم وعدا المواطنين البالغ عددهم7 ملايين نسمة أنه في حالة فوز حزبه في الانتخابات سينظم استفتاء حول مستقبل الإقليم بعد اربع سنوات. ورغم الزخم الذي يتمتع به ماس كونه رئيس حزب الائتلاف القومي صاحب الاغلبية في برلمان كاتالونيا, والشخص الذي بايعته مظاهرة ضخمة نظمت في شهر سبتمبر الماضي زعيما يستطيع أن يقف في مواجهة الحكومة المركزية للمطالبة بحقوق الاقليم المادية في ظل ازمة مالية خانقة تعاني منها اسبانيا ويعاني منها الاقليم بالتبعية رغم مساهمته بحوالي20% من الناتج المحلي الاجمالي, وهي الأزمة التي تعود في جانب كبير منها للضرائب التي تسدد للحكومة المركزية ولايقابلها قدر مناسب من المخصصات لمواجهة احتياجات الإقليم. وكان التصور المطروح ان يفوز حزب الائتلاف القومي بزعامة ماس باغلبية مريحة داخل البرلمان الامر الذي يتيح له اجراء استفتاء علي الانفصال في ظل رفض حكومة مدريد منح كاتالونيا استقلال الميزانية الذي تطالب به, ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقال, حيث جاءت نتائج الحزب مخيبة للآمال بعد أن حصل علي خمسين مقعدا في البرلمان من أصل135 ورغم أنه جاء في المركز الأول الا أنه سجل تراجعا عن الانتخابات السابقة التي فاز فيها ب62 مقعدا, في حين ضاعف حزب سي. آي. يو اليساري الانفصالي حصته ب21 مقعدا مقابل10 مقاعد فقط حصل عليها عام2010, وهو ما يعني أن حزب الائتلاف القومي اذا أراد الاحتفاظ بالسلطة للمضي قدما في إجراء الاستفتاء فان عليه أن يعقد تحالفات جديدة مع حزب اليسار وهي مهمة يراها المراقبون ليست سهلة علي الاطلاق. وفي رأي هؤلاء فانه رغم وحدة الهدف بين الحزبين الا انهما لا يستطيعان العمل معا, رغم الاشارات الايجابية التي ارسلها ماس بأن المناقشات مع الحزب اليساري ممكنة باعتبار أنه لايوجد بديل آخر لانقاذ الموقف. وهنا يشير المراقبون أن الاتفاق بين الحزبين ربما يكون صعبا, فالاثنان يقفان علي طرفي النقيض في قضايا حيوية مثل الاقتصاد وسبل مواجهة مشاكل الاقليم المالية. ففي سبيل مواجهة الأزمة لجأ الائتلاف القومي الحاكم وهو حزب يمين الوسط لتطبيق اجراءات تقشف بما في ذلك خفض الانفاق علي القطاع العام, وفي ظل استمرار الازمة ربما يطبق مزيدا من اجراءات التقشف, وهو امر يرفضه بالتاكيد حزب سي. آي. يو اليساري. ومن ثم يري المراقبون ان أي حديث في الوقت الحالي عن اجراء الاستفتاء ستكون احتمالاته ضعيفة ليس فقط لكون العملية السياسية أصبحت أكثر تعقيدا عن ذي قبل, ولكن لأن خريطة الطريق السياسية المستقبلية اصبحت غير واضحة المعالم, وبعد أن كان حديث ماس ينصب في مجمله علي الاستفتاء علي الانفصال, أصبح التصور المطروح حاليا بعد نتائج الانتخابات هو التشاور مع المواطنين واجراء مناقشات مجتمعية موسعة, وهو أمر يختلف كليا عن فكرة الاستفتاء التي اكتسبت زخما واسعا للحد الذي طرح فيه انضمام دولة كاتالونيا المستقلة للاتحاد الاوروبي الذي رفعت اعلامه خلال المظاهرات لتصبح الدولة رقم.27 وبينما يري البعض أن نوايا ارتور ماس مازالت غامضة بخصوص المستقبل, وأن تزايد مقاعد الأحزاب الانفصالية لا يعني أن غالبية المواطنين ستصوت بنعم في الاستفتاء اذا تم, فان هناك علي الجانب الآخر من يري أن ماس لن يسير في الدفع نحو الانفصال حتي النهاية, وأنه ربما يلجأ لاجراء مفاوضات جديدة حول القضايا المالية المعلقة مع الحكومة المركزية, وان ما يحدث مجرد استراتيجية لدعم موقفه التفاوضي وللضغط للحصول علي أفضل اتفاق مالي. وبغض النظر عما اذا كانت قضية الانفصال تستخدم كسحابة دخان للتغطية علي مشاكل الاقليم الاقتصادية أم لا, فان الشييء المؤكد أن التلويح بالانفصال تلاعب بمشاعر المواطنين وأجج الشعور بالهوية في الاقليم المتمايز عرقيا وثقافيا, وان الانتخابات وان كانت قد انتهت الا انها فتحت فصلا جديدا في العلاقات الاسبانية الكاتالونية.