الشعب الوحيد فى العالم الذى يتحدث فى السياسة فى أى وقت وأى مكان حتى فى غرف النوم هو الشعب المصرى.. ومؤخرا ظهرت ظاهرة الخطب السياسية فى المساجد، فأضحت خطبة الجمعة سياسية بحتة ما بين مؤيد للرئيس ورافض، وليست للوعظ والإرشاد وتعاليم الدين ودروس الفقه وتحفيظ القرآن.. وأخرها ما حدث من خطيب المسجد الذى كان يصلى فيه الرئيس مرسى من تأييده لقرارات الرئيس الأخيرة أثناء الخطبة مما أزعج المعارضين الذين وقفوا أثناء الخطبة محتجين على كلام الإمام ومنهم من خرج من المسجد وارتفعت الأصوات.. وحتى لا يقف أمر المساجد على ما تريده أنت أو ما يريده الآخر وإقحامها فى الشأن السياسى لأغراض فإن الحديث عن أي موضوع وغيره من الأجندة السياسية لابد أن يبعد عن هذه المنابر لتؤدي المساجد وظيفتها. لا ننكر أن المساجد لعبت أدوارا سياسية طوال تاريخها، فكانت مقرا لعقد البيعات ولحكم الخلفاء الراشدين ومناقشات بين أعلام المسلمين وقادتهم ومشاورة الرعية ومنطلقا للفتوحات والغزوات.. لكن الأمر اختلف الآن وأصبح هناك مقرات للسلطة الحاكمة ومؤسسات سيادية للتباحث فى شئون الدولة واتخاذ القرار، وصارت مع التقدم مكانا للعبادة وتدارس الدين فقط.. وإقحامها فى السياسة والمنازعات يضر بقدسيتها؛ لأن الأصوات المرتفعة ليس مكانها المسجد والسب والزعيق واستفزاز الآخر لا يليق أن يحدث فى مكان كهذا له قدسيته.. فإذا استعملها الحكام للدعوة من منابرها لطاعتهم ومحاربة أعدائهم ومشاورة أرئهم السياسية فسوف يستعملها المعارضون أيضا في الترويج لدعوتهم للانقلاب على الحكام بحجة أحقيتهم بالحكم أو خروج الحكام الحاليين عن الشرع. المسجد ليس لشخص دون شخص، وليس لحزب دون حزب.. ولو سلمنا بذلك فإن العدالة تقتضي أن يُسمح لأي حزب بأن يدلو بدلوه في المسجد، أو نريح (دماغنا) ويمنع الجميع من أي حديث سياسى فى المساجد يثير أي خلاف، وبما أن الخيار الأول يحوِّل المسجد عن رسالته كمكان آمن لعبادة الله، ليصبح مكانا للعراك والصراخ، فيجدر بنا أن نختار الخيار الثاني. فلنترك المساجد فى حالها والأئمة وعدم التأثير عليهم كما كان يحدث فى عهد النظام السابق من خلال الترغيب والترهيب، وغيرها من الوسائل التي جعلت من معظم المساجد أداة طيعة في يد النظام السابق.. المساجد بيوت الله فيها يُصلي المسلمون، ويجتمعون لتخريج حفاظ كتاب الله تعالى، وتعليم الناس الخير، وإلقاء المحاضرات والدروس العلمية النافعة، وغير ذلك من الأمور الحميدة .. بيوت الله هى الملاذ الدافئ يشعر فيها المسلم بالاطمئنان والراحة النفسية والبدنية، والذكر الذي يستأنس به العبد وتسكن روحه فتزال الهموم.. فلنترك المساجد للعبادة والعلم وكفى. لحظة : الثورات لا تقوم بهوى حزب أو شخص بل بشعب ذاق الظلم والقهر ومرارة العبودية. المزيد من مقالات على جاد