بعد تفشي فضيحة وزارة الدفاع والقبض علي بعض محظياته ممن تتهمهن النيابة العامة بالفساد واختلاس مليارات الروبلات, جاء دور وزيرة الزراعة في الحكومة السابقة لفلاديمير بوتين التي تواجه النيابة العامة في قضايا مماثلة ما يقول بأن المستقبل القريب سوف يكشف عن المزيد من الفضائح والسرقات الأمر الذي ينال عمليا من سمعة ومكانة الرئيس بوتين ويهدد الكثير من أركان سلطته. جاء الكشف عن قائمة عقارات وممتلكات وحسابات وزيرة الزراعة السابقة يلينا سكرينيك في خارج البلاد, وما يقال حول تورطها في قضايا فساد ليميط اللثام عن سلسلة من قضايا الفساد الاخري التي كان بوتين سبق واعترف بها حين أكد ضرورة اعارتها الاهمية القصوي وتقريرها خلال فترة ولايته الراهنة. وقال بوتين بضرورة تسمية الأشياء بمسمياتها, مشيرا إلي ما وصفه ب الفساد الممنهج الذي يتمثل في غياب الشفافية وعدم وجود الرقابة المجتمعية علي عمل وانشطة رجال الدولة بداية من مؤسسات الضرائب والجمارك ونهاية بمنظومة القضاء واجهزة الامن, وهو ما يعتبره العقبة الرئيسية التي تحول دون خلق مثل هذا المناخ الملائم للاستثمارات والعمل في روسيا. ولعل ذلك كان مقدمة لسلسلة التغييرات الكبيرة التي طالت قوام جهاز الدولة والحكومة وتركيزه علي فك الارتباط بين النيابة العامة واجهزة الامن والتحقيقات والهيئات القضائية. كما اكد بوتين حاجة روسيا الي اقتصاد جديد فيما انتقد عملية الخصخصة في روسيا في تسعينات القرن الماضي, والتي وصفها ب غير النزيهة وإن استبعد احتمالات إعادة النظر في نتائجها. مشكلة وزيرة الزراعة السابقة وكما الحال مع وزير الدفاع المقال ترتبط بالكثير من وقائع الفساد التي ارتكبها مرؤوسوها السابقون ويندرج معظمها تحت اسم قضايا النصب والاحتيال بما في ذلك ما هو معلق علي ذمة زوجها السابق. وقالت لودميلا بريدانوفا نائبة المدير العام لمؤسسة روس اجرو ليزينج التي كانت اسستها وزيرة الزراعة السابقة ان المؤسسة تقدمت بعدد من الدعاوي التي تتهم المسئولين السابقين عنها باختلاسات تقدر قيمتها بما يقرب من40 مليار روبل اي ما يقرب من مليار و300 مليون دولار. وكان التليفزيون الروسي( قناة روسي 1) قد اذاع مؤخرا حلقة من برنامج المراسل الخاص التي كرسها القائمون عن البرنامج للكشف عن خفايا قضايا الفساد في وزارة الزراعة ومؤسساتها ومنها روس اجرو ليزينج التي كانت تتراسها سكرينيك, وهو ما لم يكن ليري النور بدون موافقة ضمنية بطبيعة الحال من رئيس الدولة فلاديمير بوتين.اما خريطة الاختلاسات فكانت تشمل تزوير الوثائق التي تقول بشراء الجرارات الزراعية واقراض الفلاحين بقروض مالية وبناء صوامع الحبوب في الوقت الذي لم يكن فيه هناك أي دليل علي حقيقة هذه المشتريات أو القروض المالية. أما الأموال فكانت تستقر في خزائن مؤسسة برايس بيكر احدي المؤسسات المشتركة مع بريطانيا والتي كانت وزيرة الزراعة تترأسها قبل توليها هذه الوزارة, ومؤسسة اجرو يورو سويوز التي كان يترأسها شقيقها, وهو ما يبدو قريبا من خريطة الفساد التي كشفت النيابة الروسية عن مفرداتها وملامحها في وزارة الدفاع, وفي سبيلها الي اماطة اللثام عن مثيلاتها في وزارات ومؤسسات حكومية أخري. ازاء كل ذلك الكم من المعلومات والتفاصيل التي اغرقت مواقع الانترنت وشاشات التليفزيون حول احتمالات هروب وزيرة الزراعة السابقة كان لا بد من مواجهة الوزيرة السابقة التي ظهرت من مقر اقامتها في فرنسا والدموع تترقرق في مآقيها لتقول انها لا يمكن ان تجد لنفسها موطنا بعيدا عن حدود الوطن وانها في دهشة من مثل هذه المعلومات التي افسدت عليها وعلي بناتها واولادها حياتهم. قالت سكرينيك انها لا تملك في الخارج سوي شقة سكنية في باريس وعيادة طبية في سويسرا, وانها لا بد عائدة إلي موسكو لمواجهة كل ما يقال حول هذا الموضوع. وقالت ان مرؤوسيها مسئولون عن وقائع العجز الذي زاد منذ انتقالها الي منصب الوزيرة بمقدار اربعين ضعفا. وبغض النظر عن تفاصيل هذه القضية التي تبدو نمطية, فانه من اللافت في هذا الموضوع ظهور اسم فيكتور زوبكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق والنائب الحالي لرئيس الحكومة الذي سبق وظهر في قضية وزير الدفاع السابق اناتولي سيرديوكوف بوصفه والد يوليا زوجته. وهنا نتوقف لنشير الي ان زوبكوف كان ولا يزال احد اعضاء فريق بوتين الذين ارتبطوا به منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي ابان سنوات عمله في بلدية مدينة سان بطرسبورج وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام, ومنها ما يتعلق بما قد يندرج في إطار تضاريس خريطة الفساد العشائري ان جاز هذا القول.