مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في مطلع العام المقبل يعود الحديث مجدداحول صعوبة استمرار الثنائي الحاكم لاكثر من فترة الولاية الاولي للرئيس ديمتري ميدفيديف. الاسباب متعددة.. ومنها ان طبيعة الاشياء تقول ان توازن القوي المؤقت يعني ان ايا من طرفي الثنائي لا بد ان يبدي حرصا اكثر علي الاستمرار الي حين ظهور الظروف المواتية لتجاوز الآخر والانفراد بالسلطة, في الوقت الذي ثمة من يؤكد فيه اناستمرار الثنائي يعني ضمنا ضعف احد الطرفين واضطراره الي قبول قواعد اللعبة والاستمرار الي حين ظهور الفرصة المواتية لإعلان موقفه. تاريخ الامس القريب يقول ان الشعب الروسي فقد حق الاختيار والخيار لسنوات طويلة ومنذ فرضت عليه مجموعة اثرياء روسيا الجدد واساطين المافيا من رجال المال والاعلام بوريس يلتسين لفترة ولاية ثانية في عام.1996 ويذكر الكثيرون ما كانت عليه روسيا من ضعف وهوان وما كان عليه رئيسها من ترهل وهزال في منتصف تسعينيات القرن الماضي. لكن هذا الشعب كان اسعد حظا حين استلبه يلتسين ثانية حق الاختيار ليفرض عليه فلاديمير بوتين رئيسا في عام2000. وجاء بوتين لولايتين شهدتا الكثير من الايجابيات وإن عاد الي اسلوب املاء الوصاية علي شعبه من خلال فرض ميدفيديف خليفة له في عام2007 مع فارق بسيط تمثل في ان يلتسين سلم السلطة الي بوتين واختار الرحيل بينما اصر بوتين علي البقاء قريبا من الرئيس يباشر التصرف في الكثير من امور الدولة دون ان يغيب عن الشاشة أو المشهد السياسي العام من موقعيه كرئيس للحكومة وكزعيم للحزب الحاكم صاحب الاغلبية الكاسحة في مجلسي البرلمان. واذا كان خيار بوتين لقي ارتياحا في حينه لاسباب كثيرة منها نجاحه في وقف انهيار الدولة واستعادة روسيا مكانتها في الساحتين الاقليمية والدولية فإن ما اعقب ذلك من انتقادات وسلبيات اودعها الرئيس ميدفيديف مقاله الشهير' روسيا.. الي الامام' يفسر ما نشهده من بوادر محاولات التخلص من اعباء الوصاية' الحريرية' وهو ما يعتبره الكثيرون مقدمة لانفراط العقد مهما حاول كل من طرفي الثنائي الايحاء بغير ذلك. وكانت السنوات العشر الاخيرة كشفت عمليا عن ركود شديد اصاب الحياة السياسية وتراجع المعارضة وسيطرة الحزب الحاكم علي كل مقاليد السلطة اضافة الي تفشي الفساد وتسلط الجهاز الاداري والبيروقراطي في الوزارات السيادية وتغلغل ممثلي الاجهزة الامنية بأشكالها القديمة ممن يحلمون بخنق حرية الكلمة وفرض الرقابة علي المؤسسات الاعلامية وتعمد مضايقة عدد بعينهم من الصحفيين الاجانب تحت مختلف الذرائع الواهية وهو ما قد نتناوله في مقال لاحق. وبهذا الصدد قال ايجور يورجينس مدير معهد التنمية المعاصرة المحسوب علي ميدفيديف بوصفه مشرفا علي مجلس مديريه ان في الدولة نظامين حزبيين اولهما حزب الاستقرار بقيادة بوتين وثانيهما حزب التقدم بقيادة ميدفيديف, معربا عن امله في ان تسفر الانتخابات الرئاسية المقبلة عن اتاحة الفرصة للناخبين للإفصاح عن خيارهم دونما تسلط او تدخل خارجي. وفي الوقت الذي ثمة من يقول فيه ان موسكو بحاجة الي عقد اجتماعي جديد يؤكد اقل قدر من تدخل السلطة في شئون الشعب واكبر قدر من حق الشعب في التدخل في شئون السلطة يقول آخرون بضرورة الحد من تسلط الاجهزة الامنية واتاحة الفرصة والحرية للاجهزة الاعلامية والثقافية. من هذا المنظور يتناول الكثيرون ما يقوم به ديمتري ميدفيديف من محاولات لإعادة ترتيب البيت من الداخل بعد نجاحه في التخلص من قرابة نصف عدد محافظي ورؤساء الجمهوريات ممن كانوا يدينون بالولاء للرئيس السابق. وكان ميدفيديف اتخذ ايضا قرارات اقالة الكثيرين من جنرالات وزارة الداخلية ومنهم وزراء داخلية عدد من الجمهوريات والمقاطعات. غير ان القرارات التي حظيت باهتمام أكبر من جانب المراقبين قد تعلقت بعدد من القيادات المحسوبة علي فلاديمير بوتين رئيس الحكومة الروسية ومنهم من سبق وحظي بتعيينه ضمن مجالس قيادات المؤسسات الاكثر ربحية ومنها' غاز بروم' و' روس نفط' الي جانب مناصبه في الحكومة.وكان ميدفيديف طالب بوتين بإقالتهم ومنهم ايجور سيتشين نائب رئيس الحكومة ورئيس مجلس مديري مؤسسة' روس نفط' الذي ثمة من يقول انه يمكن ان يشغل منصب رئيس الحكومة المقبلة في حال فوز بوتين في انتخابات الرئاسة المرتقبة. وتقول المصادر ان مثل هذا القرار يمكن ان ينسحب علي الكثيرين من اعضاء الحكومة ومنهم ألكسي كودرين نائب رئيس الحكومة وزير المالية الذي يشغل عضوية مجلس ادارة بنك التجارة الخارجية وفيكتور زوبكوف نائب رئيس الحكومة وعضو مجلس مديري غاز بروم و روس اجرو ليزينج وسيرجي ايفانوف نائب رئيس الحكومة ووزيرا النقل والطاقة. وفيما عزا البعض مثل هذه الاجراءات والقرارات الي ما يقال حول بدء الحملة الانتخابية للرئيس ميدفيديف, وصفت صحيفة' نوفايا جازيتا' المعارضة هذه القرارات ب' الثورية' مشيرة الي ان الرئيس بدأ حملته الصليبية ضد' رأسمالية رفاق بوتين' علي حد قولها. وكانت اجهزة الاعلام الاجنبية ومنها وكالة انباء' رويتر' توقفت عند سيتشين نائب بوتين و' امبراطور عالم النفط' الذي يفرض هيمنته علي الجزء الاعظم من سوق النفط وعالم الميتالورجيا علي حد وصفها وقالت ان ابعاده عن اكبر مؤسسات النفط في البلاد' روس نفط' يؤكد الرأي القائل باحتدام الشقاق بين قطبي الساحة بوتين وميدفيديف وبدء الصراع حول الكرملين قبيل الانتخابات الرئاسية في مطلع عام.2012 لكن اركادي دفوركوفيتش مساعد الرئيس الروسي حاول التخفيف من حدة هذه التوجهات بإعلانه ان ما يتخذه ميدفيديف من قرارات في هذا الشأن لا يستهدف سوي تحسين الظروف والمناخ اللازم للاستثمارات في روسيا خلال الفترة القريبة المقبلة.غير ان الواقع الراهن يقول ان ما اتخذه ميدفيديف من اجراءات لا يمكن ان يستهدف الاستعداد للحملات الانتخابية وحسب, وانما ايضا يعكس الاختلاف في الرؤي تجاه دور الدولة في ادارة شئون الاقتصاد القومي. وكان بوتين استهل فترة حكمه كرئيس للدولة في عام2000 بعدد من القرارات التي لقيت الارتياح العام ومنها ايفاد عدد من رفاقه في جهاز الدولة والحكومة للعمل كأعضاء في مجالس ادارات كبريات المؤسسات النفطية والصناعية سعيا وراء استعادة حقوق الدولة ووقارها والحد من سطوة وتغول كبار رجال الاعمال. غير انه ومع مضي الوقت توطدت مواقع من وصفوهم ببارونات العصر ممن يقفون اليوم داعمين لمواقع رئيس الحكومة قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة وخصما من رصيد وقوة الرئيس الحالي.ولذا لم يكن غريبا ان يصدر ميدفيديف اوامره بضرورة تفرغ كبار رجال الحكومة والوزراء للعمل في الحكومة والغاء نظام الجمع بين الوظيفتين في موعد اقصاه اول يوليو القادم. علي ان ذلك لم يمنع حكومة بوتين من محاولة الالتفاف حول القرار من خلال ما اعلنه ايجور شوفالوف النائب الاول لرئيس الحكومة حول ان ممثلي الحكومة في هذه الشركات والمؤسسات سوف يستبدلون بآخرين سوف تتولي الحكومة سداد رواتبهم من الرصيد المخصص لادارة املاك الدولة.كما اكد شوفالوف ان سحب ممثلي الحكومة لن يعني التخلي عن سياسة التمسك بإشراف الدولة علي هذه المؤسسات وهو ما سارعت ناتاليا تيماكوفا المتحدثة باسم الكرملين الي الرد عليه بقولها ان تعليمات الرئيس تقضي بسحب كل ممثلي الحكومة وادارة الرئاسة من كل الشركات التي تساهم فيها الحكومة والدولة في موعد اقصاه اول اكتوبر المقبل. اذن هي المعركة وإن اختلفت اشكالها!!..