كتب: زكريا عثمان في الوقت الذي تراقب فيه الشعوب العربية الأزمة السورية من كثب, منتظرة لحظة سقوط نظام بشار الأسد بفارغ الصبر وحصول السوريين علي حقهم الطبيعي في الحرية كغيرهم في دول عربية أخري تنسمت ربيعا عربيا, نجد أن القوي الغربية لديها حسابات تختلف تماما عن تلك الأماني العربية وتطلعات الثورة السورية, ببساطة لأن أيا من تلك الأطراف الخارجية يتعامل مع الأزمة السورية ليس طبقا لواقعها وطبيعتها أو حتي ظروف وحجم معاناة الأطراف المعنية بها وإنما وفقا لأجندة المصالح التي يجنيها أي من هذه الأطراف الأجنبية, كل علي حدة من خلال علاقته النفعية بها. ولا شك أن هذا الموقف الغربي المتناقض مع القراءة الموضوعية للواقع علي الأرض في دمشق يزيد من سخونة ذلك الملف الملتهب, حيث أنه يترك الصراع بين بشار والثوار مفتوحا دون سقف زمني محدد لإنهائه بغض النظر عن السيناريوهات القائمة أو البديلة. فإسرائيل تفضل بقاء الأسد أو أي من تلامذة نظامه أنه ينتهج السياسة نفسها ترك الجولان لليهود تجاة الدولة العبرية التي تعي جيدا أن البديل الأوحد لبشار هو الإسلاميون علي غرار ما حدث بمصر وتونس, وهذا إفراز مؤكد في بلد كسوريا85% من سكانها سنة. ويكمن تخوف الصهاينة الآن في قيام الإسلاميين حال وصولهم لسدة الحكم بسوريا إلي تصدير عدد ضحم من الأزمات لإسرائيل أبسطها السعي والدعوة إلي الجهاد لتحرير الجولان فضلا عن التهديد الدائم للحدود السورية- الإسرائيلية المشتركة التي يخشي محللون يهود من تحولها لملاذ آمن لبعض المتطرفين, كما يحدث الآن في سيناء مصر. وهذا السيناريو حال تحققه سيترك إسرائيل بين فكي كماشة كما سيفتح جبهات عدة عليها في آن واحد لأن التهديد علي تل أبيب لن يكون مقتصرا علي الحدود المصرية- الإسرائيلية أو السورية الإسرائيلية فقط وإنما سيشجع قوي أخري في دول عربية مجاورة كحزب الله في لبنان والحركات الإسلامية في الأردن إلي مهاجمتها. أما واشنطن فقد سارعت في باديء الأمر إلي دعم تطلعات السورييين المشروعة في الحرية لتفادي تكرار سيناريو تباطؤ رد فعلها تجاه الثورة المصرية, ولكن التغيرات الديموجرافية والأيدولوجية التي طرأت علي تركيبة وهيكل المقاومة السورية والتي تمثلت في تصدر الإسلاميين للموقف فيما يمكن أن يشكل خطرا علي الولاية الأمريكية ال15' إسرائيل, قللت من إلقاء واشنطن بكل ثقلها وراء الثوار وغيرت الموقف الأمريكي تجاه الثوار من خلال التسليح الفعلي إلي مجرد تصحريحات مناوئة للنظام ومطالبات بتخلي بشار عن السلطة أو ربما دعم المتضارين ماديا وما يحافظ علي ماء وجه واشنطن أمام الأسرة الدولية كراعية لحقوق الإنسان. وأما دول أوروبا فإنها تنتهج نفس سياسة واشنطن بل وتعمل تحت مظلتها وبإيعاز من اليهود الذين يستخدمون المال والإعلام السياسي في استثمار أي موقف لصالحهم. وأما روسيا والصين فموقفهما ثابت وواضح, حيث يبنيان علاقتهما بالملف السوري علي أساس لغة المصالح البحتة. فسوريا شريك اقتصادي مهم ومنطقة نفوذ لهما تسمح بوجود أسطول روسي في المياه الإقليمية السورية بالشرق الأوسط التي تسيطر واشنطن علي معظم دوله سواء بالتحالف أو بلغة المصالح, وهو ما يحقق توازن قوي بين موسكو وبكين من ناحية وواشنطن من ناحية أخري بتلك المنطقة بالغة الحساسية. وأما إيران فمن الطبيعي أن تساند بشار ليس لمجرد كونه حليفا لها وإنما لأنه حائط صد يحول دون تمكن واشنطن من الوصول لطهران لاحقا. وأما الدول العربية فموقفها معروف ولن يغير كثيرا من واقع القضية لأن يقتصر علي مجرد عقد الاجتماعات وإستصدار قرارات الشجب والإدانة أو علي أقصي تقدير تقديم الدعم المادي واللوجستي ثم الانتظار علي أمل سقوط نظام بشار, وهو ما لن يتحقق دون التدخل الحقيقي لحسم القضية وإقناع الغرب بأنهاء المأسآة السورية, وأما تركيا, عضو الناتو, فلن يكون موقفها مختلفا عن موقف حليفتها الأمريكية, وبغض النظر عن حراك أوردغان ومساعي وزير خارجيته أحمد داود أوغلو, فلا يمكن أن تدفع أنقرة اقتصادها ودم أبنائها ثمنا من خلال الانزلاق في حرب بالإنابة عن السوريين لإسقاط نظام بشار. ولا بد أن يتفق الجميع علي أن حل الأزمة لا بد أن يكون سوريا سوريا وليس خارجيا بمشاركة قوات أجنبية حتي لا تدفع سوريا الثمن في فترة ما بعد سقوط بشار. إذن فلن يتحقق السيناريو الأول والمطلوب إلا من خلال تسليح الثوار حتي يحدث توازان قوي أو بالأحري اختلال هذا التوازن لصالح الثوار, وهو ما يتطلب تمويلا خليجيا وعربيا. فالوضع الراهن بين الجيش الحر والنظامي أو أشبه مايكون بمباراة بين الفيل' بشار' والفأر' الثوار', فلا الفأر يستطيع قتل الفيل نظرا لضخامتة المثمثلة في الآلية العسكرية بمعناها الشامل من طائرات ودبابات وغيرها, كما أن الفيل لن يتمكن من قتل هذا الفأر لقدرته علي الكر والفر, وهكذا يظل الصراع مفتوحا إلي مالا نهاية. وعلي كل ليس ثمة سيناريو مقبول بالنسبة لكل الأطراف, فلو افترضنا أن الدول العربية ولاسيما الخليجية مولت عملية شراء أسلحة للمعارضة فمن يقنع الثوار بتقديم ضمانات بعدم مهاجمة اليهود حتي يتسني لواشنطن السماح لدول الخليج بتمرير صفقة من هذا النوع؟