ورود وأشواك هكذا يمكن تلخيص المشهد اليمني بعد مرور عام علي إبرام مبادرة الخليج لتسوية الأزمة وتحقيق انتقال آمن للسلطة وطوي عهد الرئيس علي عبدالله صالح. وعندما ينظر اليمنيون إلي الوضع السوري يرون أنهم في خير عميم نظرا لحقن الدماء والوصول إلي حل وسط يحقق بعض التطلعات ولايهدم المعبد علي من فيه, لكنهم عندما ينظرون إلي المستجدات في مصر وتونس يعتقدون أنهم لم يفعلوا شيئا. حينما عرض الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي فيلما تسجيليا بعنوان نجاة اليمن من الهاوية علي ضيوفه بدار الرئاسة وخاصة أمين عام الأممالمتحدة بان كي مون وأمين عام مجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني ومبعوث الأممالمتحدة جمال بن عمر بمناسبة الاحتفال بمرور عام علي توقيع مبادرة الخليج في23 نوفمبر2011 كان الوصف دقيقا إلي حد كبير لأن البلاد أفلتت كما قال في مناسبة ماضية من حرب أهلية ضروس كان يمكن أن تجعلها صومالا آخر. عام مر منذ توقيع مبادرة الخليج في الرياض شهدت اليمن خلاله تطورات إيجابية كان أبرزها وأهمها علي الإطلاق وقف المواجهات المسلحة بين القوات اليمنية التي يتزعمها أقارب الرئيس السابق والقوات المنشقة بزعامة اللواء علي محسن الأحمر, ووقف اشتبكات قبلية عنيفة شارك فيها زعماء قبيلة حاشد من أبناء الشيخ عبد الله الأحمر, كما أجريت انتخابات رئاسية في فبراير الماضي وشكلت حكومة وفاق وطني مناصفة بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم سابقا وبين المعارضة المعروفة بتكتل اللقاء المشترك. واتخذ الرئيس اليمني قرارات أطاحت بكثير من أقارب الرئيس السابق في السلك العسكري والمدني لكنه لم يتمكن من إقالة نجل صالح الذي يسيطر علي قوات الحرس الجمهوري الأكثر خبرة وتأهيلا, وأيضا نجل شقيقه رئيس أركان حرب قوات الأمن المركزي وهو المطلب الذي رفعه شباب الثورة السلمية في مسيراتهم ومظاهراتهم. وتحسنت الخدمات الاساسية بعض الشيء بعد أن كانت قد وصلت إلي أسوأ حالاتها ونجح الرئيس اليمني في وقف زحف تنظيم القاعدة بعد أن بسط سيطرته علي عدة محافظات يمنية وأعلن بعضها إمارة إسلامية وأجبره علي التراجع نسبيا واللجوء إلي تكتيك العمليات الإنتحارية الخاطفة بدلا من الزحف الأفقي, كما نجح الرئيس اليمني في إستقطاب تعهدات مالية في مؤتمرين للمانحين وأصدقاء اليمن عقدا في الرياض ونيويورك بلغت7.9 مليار دولار لدعم المرحلة الانتقالية واستعادة الخدمات وإنعاش الاقتصاد المتعثر. وقد لخص أمين عام الأممالمتحدة الوضع في اليمن بقوله: إن اتفاقية نوفمبر لنقل السلطة ساعدت في التغلب علي وضع الجهود السياسي في البلاد وتخفيف وتفكيك المواجهات العسكرية في صنعاء وأجزاء أخري في البلاد ولكن كما أتضح أيضا وبعد سنة من ذلك أن التوقيع علي الاتفاقية لم يكن بحد ذاته نهاية للأزمة. ويؤكد السفير جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة أنه حرص علي أن تنص اتفاقية نقل السلطة وفقا للمبادرة الخليجية علي جملة قضايا من أهمها اتباع نهج للإصلاحات الجذرية في ممارسة الحكم مع جبر أخطاء الماضي, والاعتراف بدور الشباب واعتماد سبل واضحة تضمن مشاركته في العملية الانتقالية وتحقيق تطلعاته المشروعة, فضلا عن إعطاء فرصة للشعب اليمني من أجل استعادة سيادته والتحكم في مصيره عبر إقامة نظام دستوري جديد. ومع كل هذه الإنجازات لا تبدو الصورة وردية إلي حد الاطمئنان والإسراف في التفاؤل, ويشعر اليمنيون بوجود ما يشبه اللهو الخفي الذي يعبث بالمشهد برمته وسط تبادل الاتهامات بين أطراف العملية السياسية حول إعاقة تنفيذ المبادرة الخليجية, ويبدو أن مسألة توحيد الجيش اليمني وإعادة هيكلته علي أسس وطنية والتي تجري بمساعدة أمريكية وأردنية قد تأخذ بعض الوقت لكن الفعاليات السياسية تطالب الرئيس اليمني بقرارات جريئة وقوية للتمهيد لهذه العملية منها إقالة قيادات ما تزال تحرص علي الولاء للرئيس السابق. في الوقت نفسه فإن التحضير للحوار الوطني الشامل الذي يفترض أن يحدد ملامح ومستقبل اليمن ويقر دستورا جديدا التحدي الأكبر للرئيس اليمني في السنة القادمة خاصة مع ظهور مواقف متشددة من بعض القوي تريد أن تفرض شروطا تعجيزية مثل الحراك الجنوبي الذي يتأرجح في مطالبه بين الفيدرالية والانفصال الكامل وإصلاح الوحدة القائمة. وفي رأي الدكتور عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي فإن مؤتمر الحوار الوطني المرتقب يجب أن يكون منطلقا لبحث وتدارس مختلف القضايا والملفات والمشاكل السياسية والأمنية والاجتماعية بكل شفافية وموضوعية وصولا إلي رؤية سياسية واحدة يشارك في وضعها كل اليمنيين لتحقيق تطلعات الشعب اليمني في بناء دولة مدنية حديثة وتحول دون تكرار الأحداث المؤلمة التي عاشتها اليمن.