خلال ساعات تبدأ الانتخابات الأولية داخل ائتلاف أحزاب اليسار بإيطاليا لاختيار مرشحها لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات العامة المقررة ربيع 2013. ووسط جملة من التحديات, يخوض خمسة مرشحين السباق لنيل الثقة, في وقت يتطلع فيه الرأي العام للزعيم اليساري المقبل و الذي من المحتمل أن يقود البلاد في الفترة المقبلة. وبحسب أحدث استطلاعات الرأي فإن الحزب الديمقراطي أكبر أحزاب اليسار يحظي تأييد نحو30% من الناخبين, أي يحتل بذلك مركز الصدارة علي الساحة السياسية.لكن الظروف المحيطة بالبلاد, اضطرت الحزب الي الدخول في ائتلاف مع أحزاب يسارية قد تكون أكثر تقدمية( حزب اليسار.. البيئة.. الحرية والحزب الاشتراكي), في مسعي للوصول الي السلطة وإنهاء مرحلة حكومة التكنوقراط غير المنتخبة الممسكة بزمام الأمر. وقعت الأحزاب المتحالفة علي وثيقة نوايا حملت في طياتها تجديد لخطاب اليسار الايطالي. أهم بنودها: التعهد برأب الصدع بين المواطنين والدولة وذلك بإعادة بناء مؤسسات الحكم, تبني اجراءات للخروج من الأزمة الاقتصادية مع مراعاة العدالة الاجتماعية, دفع عملية التكامل السياسي داخل الاتحاد الأوروبي. وجاءت الوثيقة كذلك بتحول كبير فيما يتعلق بالنواحي المدنية في بلد يعد مسيحيا محافظا, حيث أعلن التحالف اليساري عن نيته تمرير التشريعات اللازمة لحصول الشواذ جنسيا علي الاعتراف القانوني بعلاقاتهم. واذا لم تكن الصورة واضحة بعد حول عدد الأصوات التي سيجنيها الحزب من الشواذ, فمن المؤكد أنه سيحصد تأييد فئة أخري كبيرة في المجتمع ظلت تعاني الظلم طوال الفترة الماضية. حيث تعهد بيير لويجي بيرساني أبرز المتنافسين في الانتخابات الأولية و زعيم الحزب الديمقراطي باعطاء الأولوية لقضية منح الجنسية الإيطالية لأبناء المهاجرين الذين يولدون في ايطاليا. وربما تظهر أهمية هذا الاعلان في ضوء الاحصاء الذي أجرته مؤسسة كاريتاس الخيرية شهر أكتوبر الماضي وكشف عن أن هناك5 ملايين و11 ألف مهاجر شرعي في ايطاليا, بنسبة8.2% من تعداد السكان. وفي مشهد علي الطريقة الأمريكية, خرج خمسة مرشحين يطرحون رؤاهم أمام ملايين الايطاليين في مناظرة علي الهواء مباشرة في12 نوفمبر الجاري علي محطة سكاي التليفزيونية. ونال الحدث ترحيبا واسعا في البلاد, فيما اعتبرته وسائل الاعلام لحظة تفتح آفاقا جديدة في الحياة السياسية بإيطاليا. وهو ما يمكن تصوره بالنظر الي أن الانتخابات الأولية المقررة في25 نوفمبر تعد الأولي من نوعها في تاريخ البلاد الحديث. وبالرغم من كون وثيقة النوايا بمثابة دستور ملزم للمرشح الفائز, يعول المراقبون علي الفروق الفردية بين المتنافسين. وهل سيكون من بينهم من يعيد البريق الي اليسار بعدما تنحي عنه رومانو برودي آخر رئيس وزراء يساري؟!وتشير الاستطلاعات الي انحسار المنافسة علي زعامة اليسار بين بيير لويجي بيرساني زعيم الحزب الديمقراطي و النائب بالبرلمان الايطالي(61 عاما), وماتيو رينزي عمدة فلورنسا و القيادي بالحزب الديمقراطي(37 عاما). يليهما نيكي فيندولا زعيم حزب اليسار.. البيئة.. الحرية, شاذ جنسيا و يتبني أفكارا أكثر تطرفا بين كافة المتنافسين(54 عاما). وأخيرا برونو تاباتشي من حركة التحالف من أجل ايطاليا, ولاورا بوباتو من الحزب الديمقراطي وهما الأقل حظوظا.وبالرغم من أن المناظرة خالفت التوقعات, ولم تشهد صداما قاسيا بين بيرساني ورينزي, يري المراقبون ان رينزي يمثل الامتداد لبرنامج رئيس الوزراء التكنوقراط الحالي ماريو مونتي. فهو لا ينوي الانقلاب علي الاصلاحات التي جاء بها الأخير و بخاصة في مجال قانون العمل, ويعتبر ان اعادة التفاوض حول اتفاقية الاستقرار المالي الأوروبية ستضر ببلاده. وبذلك فرينزي يقع في أقصي اليمين بين المتنافسين. أما بيرساني فيمثل تيار الاعتدال حيث انه يتوسط المسافة بين اليسار المتطرف وبين أفكار رينزي. ويطالب بيرساني بإضفة حزمة من السياسات لاتفاقية الاستقرار المالي الأوروبية بما يخفف من وطأة سياسات التقشف علي المواطنين. ولايزال هناك طريقا طويلا علي الفائز أن يقطعه لاستعادة ثقة الشعب, حتي إن كان متأكدا من تفوقه علي منافسه التقليدي تيار اليمين بعد أن تحطم علي صخرة الأزمة المالية.