من الصور التي صدمت كثيرين, وفي المقدمة منهم, نحن الذين أوكل إلينا المجتمع مهمة إعداد المعلم, ما شهدناه في مستهل العام الدراسي من اعتصامات وإضرابات من أوكلنا إليهم مهمة تنشئة وتعليم أبنائناk علي الرغم من أننا نقر بأن ما طالب به هؤلاء هو حق مشروع, لكن المواءمة الدينية والوطنية تحتم علي الجميع الوعي بأمرين: أولهما: أن وطننا بحاجة إلي قدر كبير من الاستقرار يمكن مواطنيه من العمل والإنتاج. ثانيهما: أن ما حدث من سرقات طوال عدة عقود ونهب, وما رافق ثورة يناير من تراجع اقتصادي مؤسف, نتيجة عوامل شتي, لا تخفي علي أحد. وهذا وذاك يقتضي من الجميع, وفي المقدمة منهم: المعلمون أن يترفقوا بملايين من أبنائنا, ومن قبل ومن بعد, بالحالة التي تمر بها البلاد. وفي ظني, أن المواطن الذي يعرف ربه جيدا, ويعي حق دينه, وتملأ التقوي قلبه وسلوكه, لابد أن يكون أشد حرصا علي سلامة خطي وطنه. ومن هنا تبرز قضية الحرص علي البعد الديني في تكوين المعلم وإعداده. ليس موضوعنا هذا صورة من صور تلك الفزاعة التي يروجها البعض لغرض في نفس يعقوب, بحيث يمكن أن يهب قارئ, قبل ان يعي القضية وعيا عقلانيا قائلا: حتي إعداد المعلم, يريدون أن يأخونوه!! ذلك أن الإخوان المسلمين لا يحتكرون المرجعية الإسلامية بحيث نرادف بينهم وبين كل من يسعي, قولا وعملا, إلي إضفاء الهوية الإسلامية علي المسار المجتمعي العام, وإنما هو اقتناع خاص بكاتب هذه السطور, غير المنتمي إلي أي فصيل سياسي, تعكسه خبرة عملية ومعرفية, تمتد إلي ما لا يقل عن خمسين عاما في علوم التربية عامة, اللازمة لإعداد المعلم, والتربية الإسلامية خاصة. فمن أوليات العملية التربوية بصفة عامة, أنها تستمد مقوماتها الأساسية من الثقافة التي تعمل علي أرضها, لسبب بسيط, وهو أنها تعد مواطنا يعيش في ظل هذه الثقافة, وينفق عليه المجتمع, كي ينضم بعد تخرجه, إلي صفوف الكوادر العاملة في تنمية جانب أو أكثر من جوانب هذا المجتمع, وبتشرب المتعلم للجوانب الساسية للثقافة التي يعيش في كنفها, فيكتسب ما يمكن تسميته بالجنسية الثقافية التي تجعله مصريا أو عراقيا, أو فرنسيا, أو أمريكيا, ذلك أن الذي يجعل المواطن هذا أو ذاك, إنما هو ما يحمله من الثقافة التي تتضمن أساليب التفكير والعمل والقيم والاتجاهات والعادات والتقاليد والموروث الثقافي. ولو دققت التأمل في مناهج ودروس بعض التخصصات الجامعية فسوف تجد الوعي بهذا واضحا جليا, إلا في إعداد المعلم, مع أنه هو الأولي. انظر مثلا إلي مناهج كليات الحقوق, في كل الجامعات المصرية, فسوف تجد أن من مقرراتها الأساسية دراسة الشريعة الإسلامية, منذ أن أنشئت هذه الكليات, مسلما كان الطالب الدارس أو غير مسلم, لماذا؟ هل بدافع حزبي أو سياسي؟ كلا, وإنما هي ضرورة أساسية في تكوين رجل القانون حيث إن الشريعة الإسلامية حكم أساسي في كثير من الأمور, إلي الدرجة التي جعلت سياسيا قبطيا بارزا هو الراحل مكرم عبيد, وهو رجل قانون, لا يكتفي بدراسة الشريعة الإسلامية, كما كان يجب عليه في كلية الحقوق, بل زاد علي ذلك بحفظ القرآن الكريم, مما جعله محاميا بارزا, وخطيبا سياسيا نادرا. وفي كليات الآداب, في أقسام الفلسفة, لابد للطلاب مهما كانت عقيدة كل منهم الدينية من دراسة الفلسفة الإسلامية, وعلم الكلام, والتصوف الإسلامي, بجانب دراسته للفلسفات الأخري من يونانية وأوروبية, حيث يستحيل تجاهل موروث ثقافي فلسفي استمر ما يقرب من عشرة قرون, وكان له دوره في تشكيل الثقافة في كل بلد من البلدان العربية خاصة. وطلاب التاريخ في أقسامه في كليات الآداب والتربية, لابد لهم من دراسة موسعة للتاريخ الإسلامي... وقل مثل هذا في تخصصات أخري, مثل أقسام اللغة العربية وآدابها في كليات الآداب, ودراسة الفنون كذلك, وهكذا. والطالب الذي نعده معلما في كليات التربية, التي تضم عشرات الألوف, وينتشرون بعد التخرج في طول البلاد وعرضها يعلمون ملايين من أبنائنا, كيف يظل معذرة- جاهلا بأسس ومبادئ وأصول التربية من وجهة النظر الإسلامية, إلا من صفحات تعد علي أصابع اليدين, تجيء عرضا في سياق دراسة تاريخ التربية, ومن ثم تترك انطباعا لدي الدارس بأنها فترة وعدت, وليست مستمرة في التأثير والتوجيه والتكوين؟ إن البعض يروج لمقولة ينطبق عليها القول بأنها قولة حق يراد بها باطل, من حيث الادعاء بأن التربية تربية, سواء هنا في مصر, أو في فرنسا أو في أمريكا, ذلك أن هذا إذا كان يمكن قوله بالنسبة لعلوم الكيمياء والفيزياء والهندسة والطب, وغير هذا وذاك مما يتم علي الساحة, إلا أن الأمر يختلف تماما بالنسبة للتربية, فتربية المصري, يمكن أن تتفق مع تربية الفرنسي والإنجليزي في عدد لا ينكر من الجوانب التي كشفت عنها العلوم التربوية والنفسية, لكن تظل هناك جوانب أخري لابد أن يختص بها كل مجتمع وكل ثقافة. إن تكوين شخصية المواطن, لابد أن يستند إلي تصور فكري كلي, يشكل الفلسفة الموجهة, والإيديولوجية المؤسسة, ومثل هذا التصور الفكري الكلي العام, لابد أن يكون متشبعا بما تحمله الثقافة العربية الإسلامية من توجهات وقيم ومفاهيم وطموحات, بجانب ما لابد منه من المتابعة الدقيقة المتعمقة لما تصل إليه العلوم التربوية والنفسية علي المستوي العالمي. ولا ينبغي ان يتدخل هنا ذلك الجدل العام الذي تشهده الساحة السياسية من اصطفاف سخيف بين علمانيين ومدنيين, وبين إسلاميين, فالأمر هنا مرة أخري- هو ضرورة مراعاة الاتساق مع ما يحدث في بعض كليات الجامعة, مما أوضحنا في سطور سابقة, وإلا لجاز لأحد أن يطالب بحذف دراسة الشريعة الإسلامية من كليات الحقوق- مثلا- لإنقاذ الطلاب من براثن الإسلاميين, والحفاظ علي مدنية الدولة!!