60 مليون جنيه هي قيمة مادفعه المصريون لبنك الطعام هذا العام من أجل لحوم الأضاحي, ومليون و500 ألف أسرة محتاجة في أنحاء مصر, هي المستفيد الأول من10 آلاف بقرة و50 ألف خروف. اشتراها البنك لأجلهم من مصر والسودان وإثيوبيا وكينيا وباكستان واستراليا والبرازيل, وقد صار بنك الطعام المصري أكبر مستوردي اللحوم في المنطقة, وأحد أهم المتحكمين في أسعار العجول والأغنام التي يشتريها بأهداف خيرية وصفقات غير هادفة للربح, بل تهدف لخفض السعر حتي أقل معدل له ورفع كميات الشراء إلي أقصي معدل لها, حتي يستفيد أكبر عدد من المحتاجين في مصر. وهو ما دفع عدد من المصدرين والمستوردين الكبار( مصريين وعربا) إلي مد يد العون ومساعدة البنك في مهمته بالجهد والخبرة والعلاقات بدلا من منافسته وتضييق الخناق عليه, كما يحدث كثيرا في( حرب اللحوم) حين يتصارع التجار الكبار, فلا يتورعون عن محاربة بعضهم ولو بالشائعات وترويج كل تاجر الدعاية الإعلامية الكاذبة عن بضاعة غريمة و منافسة. بورصة اللحوم في باريس يجتمع أكبر تجار ومصنعي ومستوردي اللحوم في العالم نهاية أكتوبر الحالي, داخل أهم معرض للاغذية والمأكولات من نوعه, وهو البورصة التي ستحدد السعر العالمي لطن اللحم العام المقبل. كل تجار ومستوردي اللحوم الكبار يعرفون ان لكل عجل خريطة والنصف الخلفي فيه أغلي من النصف الأمامي. وحسب كتالوج اتحاد مصدري اللحوم البرازيلية, تقسم الذبيحة إلي أكثر من50 قطعة, ولكل قطعة رقم كودي واسم منشور باللغات المختلفة( عربي وانجليزي وفرنسي وألماني وصيني وغيرها), ويعرف الخبراء والمحترفون ثمن كل قطعة وأفضل الطرق لتصنيعها أو طهوها. وبعيدا عن المعارض العالمية, يعرف الجزار والتاجر المصري المتمرس ان كل كيلو علف يعطي كيلو وربع كيلولحمة بلدي,جاموسي أو بقري, وقد يزيد الوزن أو ينقص حسب السلالة, و40% من كل كيلو حي يكون دما وماء, لذا يصل ثمن الكيلو البلدي( قائم) قبل الدبح23 الي25 جنيها, لكنه عند الجزار بعد الذبح والتشفية وعزل الجلد والسقط يصل الي70 جنيها! وحيث ان العلف دائما مستورد( فول وذرة) وكذلك التحصينات والأدوية البيطرية, فلا أمل أن تنخفض أسعار اللحوم البلدي في مصر عن قريب لكن دخول اللحوم المستوردة( علي الخط) يغير من المعادلة ويقلب الأسعار, ففي معظم الدول المصدرة للحوم يهطل المطر طوال شهور العام تقريبا, وتتغذي الماشية في المراعي الإستوائية دون كلفة تذكر, ومن هنا يصبح اللحم رخيصا للغاية, لدرجة ان بعض الشعوب الإفريقية المجاورة علي امتداد نهر النيل تأكل اللحم كطبق رئيسي واحيانا كطبق وحيد في الثلاث وجبات,وطبيعي ان نستورد منهم العجول والأغنام بأسعار معقولة ومقدور عليها رغم أنها في الحقيقة تتفوق علي البلدي عندنا في تغذيتها وصحتها وأحيانا في طرق ذبحها وتبريدها ايضا وبالتالي تصبح الأفضل في جودتها و طعمها! سلام الله علي الاغنام المدبح والسلخانة والثلاجة و الجزارة, كلمات لها لون الدم الأحمر ورائحة الدهن و(الجلد والسقط) و اللحم المقطع و المشفي و( الكركس) غير المفصول عن عظامه.. في هذه الاماكن بإحدي الدول الإفريقية قضينا أيام رحلتنا, نفحص مستوي النظافة والإمكانات المتاحة ونراقب سير العمل وسرعته والماكينات وخطوط الانتاج في حالة التبريد والتجميد او التعليب, وطاقة كل مجزر لذبح الأضاحي خلال ايام التشريق تحديدا التي لا تتجاوز ايام العيد القليلة. التعقيم ومستوي النظافة في بعض تلك المجازر يفوق نظيره في بعض المستشفيات المصرية, خاصة مجازر كينيا التي تأسست في عهد الاحتلال البريطاني السابق للاستقلال, وهي مجازر تبدو مداخلها كمتنزهات وحدائق مفتوحة من فرط جمال الزهور والاشجار بها حتي يستحيل عليك الا ان تصدق انها اماكن للاستجمام والنزهة وليس ابدا للذبح والجزارة و التشفية والتعليب! كل شيء علي خط الإنتاج هنا يتم بنظام وسرعة وهدوء, والمراقبون المتخصصون لهم طرقهم في كشف أسرار المكان من حيث دقة التعامل مع المنتج ودرجة الحرارة المطلوبة في كل معمل ولكل مرحلة, الأنامل الإفريقية السمراء عالية الكفاءة والتدريب وتعرف طريقها في الذبيحة, وكأنما كل خروف مذبوح ومعلق يخضع لعملية دقيقة, لاستئصال كل جزء فيه ونزعه كما ينبغي وعلي حدة, دون عنف ولا ضجيج! النساء في المجزر أغلبية خاصة في قسم التعليب, الذي يتم فيه الطرق علي كل علبة للتأكد من تفريغ الهواء منها قبل لصق البيانات عليها ووضعها في الكراتين, والطرق يحدث صدي يحتاج لأذن المرأة بالذات, كما قال لي رئيس القسم المخضرم, فهو يختار العمالة من النساء علي حد قوله لأنهن الأقدر علي تمييز الأصوات, بحكم أنهن أمهات بالغريزة واول من يسمع ويميز صوت الطفل حين يبكي في فراشه! سكة حديد المواشي! وكانت مفاجأة حين رأينا في المجزر نفسه قطارا وسكة حديد ورصيفا قصيرا من الجانبين كأنها محطة مترو انفاق, ولكن عربات القطار جميعها ويا العجب مخصصة لنقل المواشي عجولا وأغناما, فهي تدخل حية من الخارج الي المجزر وتخرج مقطعة مبردة أو مجمدة في اكياس او حتي معلبة في كراتين من نفس المكان الي عربات النقل والتوزيع. يحدث الآن في مصر وبالرغم من أن دولا إفريقية مجاورة استطاعت بكل بساطة الوصول لهذا المستوي المتميز من العناية الفائقة بالثروة الحيوانية وتكنولوجيا تصنيع اللحوم ومراعاة مواصفات الصحة والجودة العالمية في ذبح الأضاحي, نجد ان الوضع في مصر في هذا المجال مازال متدنيا, ويكفي ان مجزر البساتين الآلي الذي تأسس1982 وكان أكبر وأحدث مجزر من نوعه وتكلف الملايين, معطل ومغلق بسبب سيطرة رأس المال المستغل واصرار الجزارين علي وقف هذا المشروع العملاق, والاستمرار في طرقهم التقليدية في الذبح والنقل, وفي العادة يفضل الجزار الذبح الارضي علي الالي, ليوفر2% من وزن الدبيحة, أو نحو15 كيلو من كل عجل. وهناك نسبة كبيرة من الماشية الحية تدخل مصر عبر الحدود مع السودان, وبعض التجار يتلاعب و يهرب العجول من اثيوبيا الي السودان دون رسوم ولا ضرائب وهناك يعطيها شهادة بأنها عجول سودانية ليرتفع ثمن الكيلو فيها, ومن جنوب السودان الي شماله الي منافذ الذبح الحدودية المصرية في ابي سمبل او سفاجا او السويس او العين السخنة ينتقل اللحم الحي, وقد يتم الاستيراد بالشحن الجوي او بالعبارة بحرا, أوبسيارات النقل برا, لكن القطعان التي تصل حدود مصر( سيرا غير محمولة) تكون قد فقدت جزءا كبيرا من دهنها وليونتها وصار اللحم فيها ردئ الطعم صعب الطهو كثير العضل والعظام بسبب المشي مسافات طويلة(!) وفق القانون تذهب مع كل مستورد بعثة للطب البيطري من وزارة الزراعة المصرية, لتعاين وتراقب صحة العجول والاغنام في اماكنها قبل الموافقة علي دخولها مصر, ورغم السمعة العظيمة التي يتمتع بها الطب البيطري المصري في بلاد العالم تتسم طرق الجزارة عندنا بالبدائية الشديدة, لدرجة أن بعض الجزارين ينقلون ذبائحهم مكشوفة دون تبريد في عربات نصف نقل أو علي ظهر موتوسيكل أو حتي في( شنطة سيارة تاكسي), كما نراها حولنا في الشارع, دون ان يتعرض لأي مساءلة او عقاب, والثمن في النهاية يدفعه المستهلك الذي يشتري اللحمة ملوثة بالبكتريا يصعب ان تزول خطورتها بالغلي في اثناء الطهو والتسوية العادية! توكيل بالذبح في المقابل يحرص بنك الطعام المصري علي استيفاء شروط السلامة الصحية والجودة عند شراء أو ذبح وتوزيع اي أضحية تحمل امانة توصيلها للمحتاجين والفقراء, الذين تبرع لهم اهل الخير في العيد, اوتوصيلها لأصحاب الاضاحي انفسهم الذين يأخذون نصيبهم الشرعي من وزن الأضحية إن أرادوا. وبالاتفاق مع المراكز الإسلامية في الدول التي يستورد منها الاضاحي, يباشر الذبح في أثناء أيام التشريق مندوب من البنك مع مندوبي المركز الإسلامي في كل دولة وهم الذين يعتمدون حاويات اللحم بالاختام والشهادات الدالة علي الذبح الحلال وفقا للشريعة الإسلامية. ولمزيد من الشفافية والمصداقية, زاد بنك الطعام المصري تطورا في أساليبه التكنولوجية ولاول مرة في عيد الأضحي هذا العام, اتاح تصوير الاضاحي في اماكنها في اثناء ذبحها(online) عبر كاميرت النت, بحيث يراها كل من يدخل علي موقع البنك الاليكتروني صباح العيد وأيامه. وقد رصدت الأممالمتحدة ومنظمة الفاو للأغذية والزراعة نشاط بنك الطعام المصري, فاعتمدته كهيئة إغاثة انسانية وكأكبر بنك طعام يخدم المحتاجين في العالم, وطلبت منه نقل خبراته وتكرار تجربته في عدد من الدول مثل باكستان وكينيا والأردن والعراق والإمارات والسودان واليمن والبحرين.