فيما يشبه العرض المستمر تقدم كثير من الفضائيات برامج تهدف إلي احباط المشاهد مع سبق الإصرار بالأخبار السوداء فقط بالإضافة إلي تحليلها في( التوك شو) اليومي لتزداد سوادا . ينتج عنه صورة قاتمة للغد القريب والبعيد تتسلل إلي أفراد المجتمع وتتثبت يوما بعد يوم في عقولهم, لنتساءل: لماذا تتعمد فضائيات( اليأس) قتل( الأمل) في المستقبل الأفضل؟ وما النتائج السلبية التي تصيب الوطن إذا استمرت تلك الجريمة ولم يتم التصدي لها قبل فوات الأوان؟ يجيب د.عدلي رضا أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة ويقول: إن كثير من الفضائيات الخاصة تعمل في منظومة إعلامية فوضوية لتحقيق أكبر عائد مالي حتي لو كان علي أنقاض المبادئ والمصلحة الوطنية من خلال التركيز في برامجها سطحية المضمون علي رصد السلبيات التي تحدث في المجتمع وإثارة خيال المشاهد حول آثارها( الكارثية) المحتملة, مما يؤدي إلي توقعه لمستقبل مظلم بسبب الأسلوب الواحد الذي يتبعه كثير من مقدمي برامج التوك شو بالتحديد الذين يغلب عليهم التشاؤم لجذب أكبر عدد من المشاهدين والمعلنين بلا ضمير مهني يفرض عليهم أن يكونوا علي درجة واحدة من التوازن في عرض السلبيات والإيجابيات معا وهو ما لا يحدث في ظل غياب الضوابط التي من المفترض أن تنظم أداء الفضائيات الخاصة التي يتأثر الرأي العام بالمضمون الفاسد لمعظمها مع ما تثيره من علامات استفهام كثيرة حول استمرار الإنفاق عليها ببذخ من مصادر تمويل مجهولة المصدر بتكلفة لا تتناسب علي الإطلاق مع العائد المالي منها إلا لوكان هدفها فقط يتركز في( قتل) أمل المصريين في مستقبل أفضل بعد ثورة يناير! ويقول د.رشاد عبداللطيف أستاذ تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الإجتماعية جامعة حلوان: إن الفضائيات بصفة عامة تؤثر بشكل مباشر في المشاهدين علي اختلاف مستوياتهم المعيشية والثقافية ولكن يزداد تأثيرها علي البسطاء بفعل قبولهم الآراء من شخصيات لها رصيد كبير من المحبة في قلوبهم مثل مقدمي البرامج ورموز المجتمع الذين يؤكد معظمهم منذ فترة طويلة في البرامج علي السلبيات فقط بصفة مستمرة مما يؤدي إلي غرس التشاؤم من الغد وإشاعة الكراهية للمستقبل الذي يتم تصويره علي أنه أسوأ من الحاضر, ولكن الخطر الأكبر يتمثل في إثارة خوف المشاهدين من مخاطر لم تتحقق في الواقع وينتج عنها قتل الطموح في داخلهم وبصفة خاصة الشباب الذين يشوهون الأمل في الغد قبل أن يأتي بأحلام تتحول إلي أوهام بما يعنيه ذلك من هدم عمدي للمجتمع, ولذلك من الضروري أن تسود لغة التفاؤل في مضمون ما تقدمه جميع الفضائيات مهما تكن توقعات المستقبل سيئة وأن يتحدث أي مسئول بصيغة تحمل الخير للناس مع الحرص علي تحقيق جزء ايجابي ولو كان بسيطا من أي مشروع حتي يصدقه الناس ويندفعوا للعمل والحلم بالمستقبل الأفضل كحقيقة وليست وهما. ويؤكد د.سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس علي أن الإنسان يميل تكوينه النفسي أكثر إلي الإهتمام بالأخبار السيئة خاصة لو كانت نتائجها سوف تتحقق في المستقبل لأنه يخاف من كل مجهول لا يعرفه, ويقول: إن الفضائيات التي تعرض ما يثير التشاؤم من المستقبل تتسبب في إصابة المشاهد في أغلي ما يملك وهو الحلم بأيام أكثر سعادة له ولأبنائه ولأحفاده وتحوله تلك الفضائيات إلي كابوس, فيخاف من المستقبل ويصبح فريسة سهلة للأمراض النفسية وأهمها الإكتئاب لأن الإنسان عندما تتشبع نفسه بالمشكلات يفقد الأمل في كل شئ ويقهره العجز النفسي عن تحقيق طموحه سواء في الحقيقة( حاضرا) أو الخيال( مستقبلا), ولذلك يجب علي كل مشاهد ألا يستسلم لتلك النظرة السوداء للمستقبل والتي تتبناها كثير من الفضائيات الخاصة, وأن يكون يقظا في متابعة الأخبار السيئة ويقيمها برؤيته فقط ولا يقبل وجهات نظر الآخرين وأن يضعها في حجمها الحقيقي بعيدا عن تهويل من يقدمها أو يحللها, وأن يعمل الآباء علي تربية أبنائهم علي التفاؤل بالغد الأفضل وليس علي الخوف منه.