هذا فنان مبدع حقا.. استطاعت ريشته أن تواجه الفساد والديكتاتورية والظلم التي تعانيها مجتمعات ودول العالم الثالث. وتمكنت رسوماته الكاريكاتيرية ونكاته الساخرة من أن تحارب الظلم والطغيان والفساد والقهر والجهل.. فبدا وهو أعزل يملك بين يديه أعتي الأسلحة وأشدها قوة وفتكا: ريشة موهوبة لماحة.. فكر يقظ.. حس فكاهي.. والأهم من هذا كله روح نضالية لا تكاد تتوقف عن تتبع ألوان الديكتاتورية وصنوف الفساد التي تعانيها شعوب العالم الثالث.. واستطاعت ريشته أيضا أن تقف في صف الحرية والعدالة والديمقراطية وتطالب بحقوق المواطنين العاديين البسطاء.. إنه الفنان الراحل بهجت عثمان الذي تعيد مكتبة الأسرة نشر كتابه البديع: بهجاتوس رئيس بهجيتا الاعظمي بمقدمتين للدكتور علي الراعي والكاتب الصحفي طلال سلمان.. نحن هنا أمام كتاب خاص جدير حقا بتأمل صفحاته القليلة التي تحتوي علي رسومات ونكات هذا الفنان البديع.. والكتاب علي حد كلمات طلال سلمان هو دليل القارئ العربي للخلاص من الديكتاتورية والطغيان.. فبهجاتوس يختصر في شخصه كل حاكم ظالم وكل حاكم متجبر, كل محتكر وكل مستغل, كل متاجر بالدين وكل مستفيد بالتعصب الطائفي.. وبهجاتيا هي أي قطر عربي وكل قطر عربي.. بهجاتوس هو الفساد والتخلف والانحطاط, هو العجز والقهر والجهل.. وبهجاتيا هي الأمة المهددة بالاندثار إن هي لم تغير واقعها الغارق في سوادين: الظلم والظلام. هكذا يبتكر الفنان هذا السيناريو الساخر بريشته, ويصف لنا أحوال جمهورية بهجاتيا العظمي في ظل حكم بهجاتوس.. وتحت هذا السيناريو يرشق بريشته الثاقبة اللماحة كل صنوف الظلم والقهر والخوف التي تعانيها الشعوب, ويصف لنا كذلك سمات الديكتاتور الحاكم التي لاتكاد تتغير في كل بلدان العالم: شرقه وغربها, شماله وجنوبه. فالديكتاتورية واحدة الملامح والمعاناة كذلك. الزعيم بهجاتوس رئيس بهجاتيا العظمي يفرض حول نفسه أسوارا وجدرانا شاهقة مرتفعة.. هو بعيد تماما عن شعبه.. يقيس كل الأمور بمقياسه هو فقط.. لديه أدواته الخاصة وأشياؤه التي تمكنه من فرض جبروته وسلطانه, وهي هنا بحسب ريشة الفنان: نظارة غليظة ذات حجر سميك لايكاد يبصر معها شيئا.. وساعة توقفت عقاربها عند العصر الحجري وعصور القرون الوسطي الظلامية, وعصا ماريشالية يضرب ويفتك بها المواطنين.. بطاقة الاستفتاء في جمهورية بهجاتيا بها ثلاث دوائر:( نعم, نعمين, نعمات)!وفي دولة بهجاتيا صورتان, إحداها للزعيم والأخري لابنه الرضيع نائب الرئيس ورئيس المجلس الأعلي للشباب. وفي رسم آخر يرتدي الزعيم بهجاتوس( عفريته) في عيد العمال, و(مريلة) في عيد الطفولة. يقف الزعيم المعلم ممسكا بهراوة مشيرا بها إلي سبورة مكتوب عليها مفردات الحكم: باع, سمسر, قبض, اإنفتح, سرق, هرب.(!) نكتشف مع بهجت عثمان, أن السخرية هي لون من ألوان النضال.. بل هي جزء أصيل في كل ثورة.. وقد كان المفكر الاقتصادي الفرنسي برودون يعلق علي ثورة شعبه التي اندلعت في حياته عام1848 فيقول: لدينا ثوار كثيرون.. ولكن ليس لدينا فولتير واحد.. إن الثورة تحتاج للساخرين بقدر ما تحتاج للثوار. تحية تقدير إلي ريشة الفنان الكبير بهجت عثمان