سألني زميل عزيز مندهشا: أين أنت من التغييرات الأخيرة في المؤسسات الصحفية والإعلامية؟ لماذا لا أراك علي رأس إحداها, خصوصا بعد أن استتب الأمر للإخوان المسلمين الآن, وأنت أحد البارزين في أسرة الإعلام الإخواني, وزادت دهشته وهو يقول: أعلم أيضا أن صديقك ورفيق دربك وزميل دراستك هو وزير الإعلام الحالي, فأين أنت من هذا كله؟! قلت له يا زميلي العزيز أنت تري الأمر بصورة غير دقيقة, ولو اقتربت من منهج ومدرسة الإخوان أكثر, لأدركت أن هذا السؤال لا محل له, لأن ذواتنا تذوب في خدمة مشروعنا الإسلامي الوسطي, الذي نؤمن به وندافع عنه ونتحمل كل الصعاب في سبيله, والإخوان بالتالي لا يرون في التكليف بالمسئولية إلا نوعا من الابتلاء والمعاناة, فإن عافاهم الله منها فقد فازوا وارتاحوا, وإن تم تكليفهم بها, تحملوا بصبر وجلد واستعانوا بالله سبحانه عليها أداء للأمانة وخوفا من المسئولية. قلت له أيضا إن كل الذين انتموا للإخوان منذ أكثر من نصف قرن وحتي الآن, دخلوا هذه الجماعة المجاهدة وهم يعلمون يقينا أن مصيرهم الذي ينتظرهم, إما السجن أو الاعتقال والتعذيب, أو التضييق في الرزق, أو المنع من تولي الوظائف الرسمية, هم وأبناؤهم وأحفادهم ومن أتي بعدهم, ومعظم هؤلاء الشباب التزموا بمنهج الإخوان, بعد أن قرأوا ولمسوا ما تعرض له أفراد هذه الجماعة في سجون عبد الناصر ومن أتي من بعده, فكيف لمثل هؤلاء أن يبحثوا عن مغنم دنيوي؟! وسألته: هل استمعت إلي حديث الدكتور عصام العريان في إحدي الفضائيات في الأسبوع الماضي, وهو يذكر كيف كانت حالة الدكتور محمد مرسي وهو يتلقي خبر تكليفه من قبل الإخوان بالترشح لرئاسة الجمهورية, وكيف فاضت عيناه قلقا وخوفا وإشفاقا من المسئولية الجديدة؟ وفي ظني أن هذا هو سر القبول الشعبي للرئيس الذي يرتفع يوما بعد يوم, لأنه لم يطلب المنصب, بل تحمل المسئولية والأمانة مرغما, وهذا هو حال الإخوان عموما, صغرت مسئولياتهم أم كبرت. قلت أيضا إن الإخوان لم يتولوا الحكم وإدارة الدولة في مصر من قبل, ولم يعرف كثير من الناس ما هي طريقتهم في العمل وحمل المسئولية والأمانة, وفي هذه الحالة من الطبيعي والمنطقي أن نتركهم في مقاعد السلطة, يقدمون أنفسهم من خلال العمل والإنجاز, وفي الوقت نفسه من حقنا أن نراقب أداءهم وطريقة عملهم وننتقد بالتالي ما نراه سلبيا ونقدر ما نراه إيجابيا, حتي إذا أخذوا فرصتهم أمكن الحكم لهم أو عليهم, فإن نجحوا فقد كسبت مصر, وإن فشلوا فقد أخذوا فرصتهم. إن التضليل العلماني الذي يدوي في وسائل الإعلام ليل نهار, بهدف تخويف الشعب وترهيبه وتفزيعه من الأخونة والأسلمة, والعمل علي تشويه الأداء, وإهالة التراب علي أي عمل إيجابي يتم إنجازه, هو في تقديري دليل علي الشعور بالفشل, والإحساس العام بالعجز عن الفعل, وهو أيضا تحرك في الوقت الضائع, لأن الشعب المصري الواعي, سوف يدرك الحقيقة ناصعة, وسوف يلمس الصواب من الخطأ, مهما ارتفعت وتيرة التضليل والتزييف, ومهما تزايد ضغط المرجفين. ثم قلت لزميلي: أنا واثق من أن سلوك الإخوان المسلمين في مواقع المسئولية, سوف يغير الكثير من قناعات الناس عنهم, وخصوصا أولئك الذين يعرفونهم فقط من خلال ما يردده الإعلام العلماني, وسوف يدرك عامة الشعب قدرة هذه الحركة, وحزبها السياسي الحرية والعدالة, علي العطاء والبذل والعمل والتضحية بلا ضجيج من أجل مصلحة الوطن, وعندها سوف يكتشف الجميع حقيقة الإخوان المسلمين.