أعادت رسالتا الحماة المستبدة و المصير المجهول إلي ذاكرتي أهم تجربة مررت بها في حياتي حتي الآن, ووجدت أن قصتي تتشابه مع حكاية بطلتيهما في كثير من التفاصيل, وأردت أن أرويها لك لكي يتعرف قراؤك علي النتيجة النهائية التي وصلت اليها بعون الله وتوفيقه. فأنا سيدة في الثانية والثلاثين من عمري, عشت فترات عصيبة منذ تخرجي في الجامعة, حيث تمت خطبتي وقتها لشاب يعمل في دولة خليجية, خطبة تقليدية وتصورت وقتها أن حياتي ستمضي في هدوء بلا مشكلات خصوصا وأن بداياتها كانت مبشرة بذلك, إذ لم تحدث أي خلافات ولم يعكر صفو علاقتنا أي شيء, وظللت علي هذا الوضع شهورا حتي لاحظت أن والدته تحاول أن تتصيد لي أي خطأ ولذلك حرصت علي أن ألبي طلباتها وأؤيدها في كل ما تذهب إليه, فأغراها موقفي بالتمادي في الضغط علي, واتصلت بها ذات يوم كما هي عادتي للاطمئنان عليها لكنها لم ترد فساورني القلق من أنه قد حدث مكروه لأي منهم, فاتصلت بخطيبي في الخارج وانا متوجسة من سماع خبر مؤلم فجاءتني اجابته عادي مفيش حاجة وعاودت الاتصال في الأيام التالية فلم ترد والدته علي ابدا, فلما سألته بإلحاح عن سبب عدم الرد قال لي انها غضبانة منك وسوف آتي إلي مصر في إجازة قريبا لحل سوء التفاهم الذي يعلق بذهنها, وضربت أخماسا في اسداس, ورحت استعيد كل المواقف بيننا عسي أن أجد سببا معقولا لغضبها فلم أجد, وانتظرت اجازته بفارغ الصبر ولما جاء الي مصر طلب مني أن اصطحب أسرتي في زيارة لهم لتهدئة الأمور وإزالة الرواسب العالقة في النفوس, فاندهشت لما يقوله ولم اقتنع بهذا الكلام الذي ليس له أساس, ولكن لوجود معرفة سابقة بأسرته وتحت الحاحه وتوسله لي فاتحت والدي ووالدتي عما كان من أمره, وقبلنا زيارتهم علي مضض وهناك فوجئنا بمقابلة سيئة جدا وأحسسنا بإهانة شديدة واستنكر والداي ما حدث ولم أجد ما أرد به عليهما لتبرير هذا الموقف الغريب من أسرة خطيبي الذي لم يوف بوعده لي ولما عدنا الي منزلنا اتصل بي وحاول تهدئة أبوي, وترضيتهما لدرجة انه بكي وأكد تمسكه بي مهما جري. وبت ليلتي وانا أتمني ألا أفقده, ولم يمر يوم واحد حتي اختفي هذا التمسك بي تماما ولم يظهر في المشهد سوي والدته التي أرسلت مع سيدة من أقاربنا سيلا من الشتائم والسباب مع اخبارنا بفسخ الخطبة, ورد الشبكة اليهم, كما تطوعت سيدة أخري للمهمة نفسها وتنافست الاثنتان تنافسا شديدا فيمن تخبرنا بكم أكبر من السباب عن الأخري, ثم تطوعتا للمهمة الكبري وهي استعادة الشبكة وبدا الأمر وكأننا في حرب, ووجدتني وأنا المعروفة بالمسامحة والليونة أصر بشدة علي عدم إعادة الشبكة الي خطيبي السابق, مستندة الي رأي شرعي وقناعتي بأنه مادام المعروف غير موجود بيننا يجب ألا أتنازل عن حقي, وقلت لهاتين السيدتين لن أعيد أليها الشبكة, ولتنساها تماما, فلم تيأس من رفضي, وارسلت الكثيرين ممن اطلقوا علي انفسهم فاعلي خير لكي يقنعونا بحقها في الشبكة, ولما لم تجد استجابة مني طعنت في أخلاقي, وهكذا تسرب الي العناد فكلما ازدادت اصرارا علي استعادتها ازددت تمسكا بالاحتفاظ بها, ولو لم تظهر هذا الشغف والجنون بالشبكة لأعدتها إليها دون أن تطلبها, فهي لا تمثل بالنسبة لي شيئا ولكنه موقف منها ازاء تعنتها معي بغير وجه حق. وظلت الحرب مستمرة بيننا حتي انتهت لمصلحتي واحد/ صفر, ومرت خمس سنوات كاملة عشتها في هدوء وبعدها اكتشفت انني فزت عليها عشرين/ صفر, واليك ملخص الأهداف التي أحرزتها, فلقد التحقت بالعمل بإحدي الشركات الحكومية المتميزة, واكتسبت خبرات عملية وحياتية بالغة الأهمية, وتمكنت من استعادة نقاء قلبي مع اكتسابي قوة كبري في استعادة حقوقي مهما بلغت الضغوط علي, وتجاوزت ألم التفريط السهل ببراعة جعلتني لا أهتز لنبأ زواج خطيبي السابق بعد فترة قصيرة من فسخ خطبتنا ولا أشمت لنبأ طلاق شقيقته بعد أسابيع قليلة من زفافها, بل وتلف منقولاتها الزوجية أيضا, ثم كافأني الله عدة مكافآت اخري, فعلي مدي السنوات الخمس التي اعقبت فسخ الخطبة تقدمت إحدي السيدتين اللتين تطوعتا في مهمة ارسال الشتائم بطلب يدي للزواج من ابنها وبالطبع رفضته, وثم تقدمت الاخري بالطلب نفسه فرفضت أيضا, لكن الله اراد أن يجبر خاطري ويثبت لي عدم تصديق أحد للهراء الذي قالته حماتي السابقة عني, فلقد تحول مؤيدوها الي متقربين مني, ثم انهالت علي الجوائز حيث تقدم لي زميل لي في العمل, وهو شاب يتمتع بالأخلاق الحميدة والوسامة وارتفاع المستوي المادي والاجتماعي, وخطبت له, ثم حدثت بعض المشكلات الصغيرة كالتي تحدث في كل الزيجات وحلها خطيبي بكل بساطة, ومن الله علينا بالحلول الرائعة لكل مشكلة وأحسست ان الله راض عني, وبأن هناك من يتمسك بي ثم كتب لي سبحانه وتعالي الحج مع أبي وأمي وبعد عودتي بشهرين يسر الله لي الزواج وقضيت مع زوجي عامين دون حمل فوجدته صابرا وراضيا. وتعودنا ان نقضي بعض اجازاتنا في مدينة ساحلية كلما سمحت ظروف العمل حتي كتب الله لنا أن نقضي اجازة مميزة جدا حيث رزقنا العمرة وزيارة الحرمين الشريفين وبعد شهر واحد تلقينا الخبر السعيد فلقد حملت في توأم وكانت الجائزة الكبري, ورزقنا الله بولد وبنت هما قرة عين لي ولأبيهما, ويكفيني فوق كل ذلك احساسي بالرضا واليقين. أني أريد أن اقول برسالتي اليك أن التريث في اختيار شريك الحياة أمر حتمي وان المرونة لا تعني التفريط في الحقوق, وان المسامحة لا تعني اهدار الكرامة, وان الحل المناسب اذا تعثرت الأمور هو عدم الجور علي حقوق الآخرين, وعدم السماح لهم أيضا بالجور علي حقوقنا, اي نمتثل لما أمرنا الله تعالي به لاتظلمون ولا تظلمون فتح الله علي الجميع أبواب الخير وضمهم مع من يستحقون, واتمني ان تقرأ حماتي السابقة رسالتي, وأقول لها شكرا.. والله أقولها من كل قلبي بعد أن تسببت في ادراكي حقائق كثيرة ولأنها ساعدتني بما فعلته علي مقابلة والد ابني الرائع بإبعاد ابنها عني, فلتهنأ هي بما تريد ولأهنأ أنا بمن أستحق. {{.. وأقول لكاتبة هذه الرسالة: لقد تعاملت مع حماتك السابقة بمنتهي الود والاحترام, وحاولت قدر جهدك أن تنالي رضاها, لكنها استمرأت العناد معك, وإفساد زواجك من ابنها بشتي السبل, ونجحت فيما أرادت بأساليبها الملتوية دون أن ترتكبي ما يستدعي أن تتخذ منك هذا الموقف الغريب, فلم تتوقفي عند هذه المعاملة القاسية, وسعيت مع والديك لزيارتهم واسترضائهم بناء علي نصيحة خطيبك السابق الذي لم يحرك ساكنا في تغيير موقف أمه منك, وقابلوا كل هذا الصنيع الجميل بالنكران, وفسخ الخطبة, وكان المتوقع والحال كذلك أن تهتز أعصابك, وتتشتت أفكارك, فإذا بك تتعاملين مع ما حدث بعقلانية وهدوء شديدين, لأنك كنت علي يقين من أن من سلك طريق الصواب لا يخشي شيئا, وأن الإنسان وهو يوكل أمره إلي خالقه يكون واثقا من أنه لن يخيب رجاءه. لقد كان السبب الرئيسي لما فعلته معك والدة خطيبك السابق, هو رغبتها في السيطرة عليك والتحكم فيك, والاستئثار بابنها دون وازع أو ضمير, أو خوف من الله عز وجل, فإذا بك تخرجين من هذه التجربة الأليمة أكثر قوة, وأشد صلابة, وإيمانا وارتباطا بالله, والحقيقة أن صبرك عليها هو الذي دفعك إلي النجاح في تجربتك الثانية والانتصار علي المكائد التي حاولت تدبيرها لك, وتجاهل رسائل السباب التي بعثت بها إليك عن طريق الجارتين اللتين تعلمان حقيقة ما جري, بدليل تقدمهما واحدة تلو الأخري لطلب يدك لابنيهما. وما أروع جوائز صبرك التي انهالت عليك من السماء حتي جاءتك الجائزة الذهبية بإنجابك طفلين توءم يملآن عليك حياتك بعد عامين تصور خلالهما من حولك أنك غير قادرة علي الإنجاب, لكنها إرادة الله الذي خيب ظنونهم, فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. أسأله سبحانه وتعالي أن يديم عليك سعادتك, ويزيدك من فضله وكرمه, وأن يشفي صدور من يحملون الحقد والضغينة للآخرين.. إنه علي كل شيء قدير.