هل ينجح دعاة الانفصال في جنوب اليمن في سلخ هذا الشطر عن جسد الدولة التي توحدت طواعية قبل22 عاما مستفيدين من حالة الهشاشة والإضطرابات التي تعانيها الدولة اليمنية .. عقب اندلاع ثورة شبابية أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح ؟ أم هل ينجح خليفته الجنوبي عبدربه منصور هادي في حماية البلاد من التشظي والانشطار مرة أخري مسنودا بإرادة شعبية ودعم إقليمي ودولي ؟ تجمع المصادر السياسية في صنعاء علي أن الملف الأصعب الذي يواجه الرئيس اليمني ضمن تحديات محاربة الإرهاب والقاعدة وحل مشكلة الحوثيين هو الحراك الجنوبي بتكويناته المختلفة ومطالبه المتباينة والتي تتدرج من أهداف تبدو متشددة مثل حق تقرير مصير جنوب اليمن وإنهاء الارتباط بدولة الوحدة إلي حلول يمكن قبولها أو النقاش فيها مثل إقامة نظام فيدرالي بأقاليم متعددة أو إقليمين شمالي وجنوبي, وهي طموحات تكبر يوما بعد آخر في ظل عودة قيادات جنوبية إلي البلاد وتوقعات بعودة مرتقبة للبقية. ومن حسن طالع المؤيدين لاستمرار وحدة اليمن وهم القطاع الواسع والأعم أن المبادرة الخليجية للتسوية السياسية نصت علي حل مشكلات اليمن في إطار الحفاظ علي وحدة أراضيها ووحدتها الوطنية, وهو نفس الهدف المعلن للقوي الدولية الكبري وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. ويسابق الرئيس اليمني الريح لوقف حوافز الدعوات الانفصالية وكبح جماع النزوع المتزايد نحو فصل الجنوب مرة أخري من خلال عدة ترتيبات مهمة منها تعزيز حضور الجنوبيين بقوة في أعلي هيكل الدولة والحكومة من خلال تعيينهم في مناصب مرموقة بما فيها رئاسة الأمن القومي ورئاسة الجمهورية والوزارات والسلطات المحلية, وإشراكهم في اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني. وسعيا منها لاحتواء الغضب الجنوبي وتصويب الأوضاع اقترحت اللجنة التحضيرية للحوار20 نقطة اعتبرتها مساهمة في التهيئة لإنجاح الحوار كان من أبرزها استمرار التواصل الجاد مع كافة مكونات الحراك السلمي الجنوبي في الداخل والخارج, وإعادة الموظفين المدنيين والعسكريين والموقوفين والمحالين قسرا إلي التقاعد والنازحين في الخارج جراء حرب صيف94, إلي أعمالهم فورا, ودفع مستحقاتهم القانونية, فضلا عن إعادة الممتلكات والأموال التي تم الاستيلاء عليها سواء كانت خاصة بالأفراد أو الأحزاب أو النقابات أو الدولة, واطلاق سراح كافة المعتقلين علي ذمة الحراك السلمي الجنوبي ومعاملة كافة ضحايا حرب94 والحراك السلمي الجنوبي كشهداء ومعالجة الجرحي ودعم و تكريم اسرهم. لكن المطلب الأهم كان إقتراح توجيه اعتذار رسمي للجنوب من قبل الأطراف التي شاركت في حرب صيف94 واعتبار تلك الحرب خطأ تاريخيا لا يجوز تكراره. غير أن أغلب قيادات الحراك الجنوبي رفضت قبول الإعتذار وأظهرت مواقف متصلبة إزاء مبادرات إحتواء المظالم, وبعضها مثل الحركة الشبابية والطلابية واتحاد نساء الجنوب إنتقد المبادرة الخليجية التي نصت بشأن قضية الجنوب علي حوار يفضي إلي حل وطني عادل لها يحفظ لليمن وحدته واستقراره وأمنه, معتبرة أن هذا النص يتنافي مع أبسط قواعد شروط الحوار, فقد حسم نتيجة الحوار سلفا, وبما يلبي رغبات الطرف الآخر في الوحدة, ولم يلب أبسط حقوق شعب الجنوب في حقه باختيار مستقبله ومصيره علي حد بيان صدر عنهما. ويتبدي الوجه الآخر لمشكلة الحراك الجنوبي في عدم وحدة إرادته وتفتت قياداته وانشطاره إلي كيانات عدة وتكوينات ينخرها الصراع والتنافس علي تمثيل الجنوب. وتشهد الساحة السياسية الجنوبية حالة صراع بين تكتلات حزبية وفصائل الحراك الجنوبي ورموز من بقايا نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح, في وقت تتواصل فيه مساعي الدول الراعية للمبادرة الخليجية, الرامية لتوحيد المعارضة الجنوبية وتجاوز حالة الانقسام في إطار التهيئة للحوار الوطني القادم المقرر منتصف نوفمبر. وتعد أبرز التكتلات الرئيسية التي أعلنت عن نفسها وبرزت في ساحة الجنوب مؤخرا تكتل القوي الثورية الجنوبية المؤيد للوحدة اليمنية, والتكتل الديمقراطي الجنوبي المطالب بنظام حكم فيدرالي بقيادة حزب الرابطة, يليه تكتل تيار الرئيس الأسبق علي ناصر محمد المطالب بفيدرالية مشروطة بين إقليمين شمالي وجنوبي ومزمنة بالانفصال, وتيار الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض المطالب بفك الارتباط واستعادة دولة الجنوب. وتؤكد مصادر سياسية أن تزايد التدخل الإيراني الرامي لدعم بعض القوي الرافضة للمبادرة الخليجية في سبيل إفشالها, والتدخل السعودي الضاغط في اتجاه إنجاحها أنتج تحالفات قوي جنوبية متصارعة كان لها الأثر الكبير في توسع الخلافات بين قوي الحراك الجنوبي وقياداته في الداخل والخارج. وشهد جنوب اليمن أخيرا قيام ثلاثة تكتلات جنوبية أعلنت عن نفسها بعيدا عن مطالب الانفصال, وهي مكونات الثورة الشبابية والتكتل الديمقراطي الجنوبي وتكتل ثالث يقوده المعارض الجنوبي محمد علي أحمد العائد من منفاه الاختياري بالخارج.