منذ عودة الرئيس فلاديمير بوتين الي عرش الكرملين لفترة ولاية ثالثة والحديث لا ينقطع حول احتمالات تخليه عن رفيق مسيرته دميتري ميدفيديف بعد انتهاء دوره في تكريس مشروع التوريث. وخشية تبعات ليبراليته وأحلامه. ولذا فقد كان ظهور ميدفيديف في ضيافة بوتين في منزله حول فنجان شاي أشبه بجلسة المصالحة بعد إذاعة مشاهد تقريع بوتين لثلاثة من وزراء ميدفيديف, وهو المشهد الذي ثمة من اعتبره محاولة لنفي ما يتردد من شائعات حول قرب رحيل ميدفيديف. أثار تعجل الكرملين دحض ما يقال حول احتمالات رحيل ميدفيديف, وتأكيد عدم مسئوليته عما يتردد من شائعات حول قرب انتهاء شهر العسل بين قطبي الثنائي الحاكم الكثير من الجدل في الأوساط السياسية التي تناولت مثل هذه المحاولات من منظور القول المأثور: يكاد المريب أن يقول خذوني. وجاء ظهورهما سوية حول فنجان شاي في مسكن بوتين في ضواحي العاصمة وتعمد الرئيس الروسي إضفاء اكبر قدر من الحميمية علي اللقاء, تأكيدا آخر لتعمد بوتين تأكيد عدم صحة ما يتردد من أقاويل حول احتمالات تخليه عن ميدفيديف. وكان بوتين غض الطرف عن انتقادات العسكريين لمواقف ميدفيديف خلال إدارة الحرب ضد جورجيا في عام2008 واتهاماتهم له بالجبن والتخاذل وهو ما لم يكن ليظهر علي الملأ دون موافقته الضمنية. ولم يمض من الزمن الكثير حتي عاد بوتين ليتعمد توجيه النقد لعدد من وزراء ميدفيديف علانية علي مرأي ومسمع من ملايين المشاهدين, ما اعتبره الكثيرون إعلانا غير مباشر عن خلافات مكتومة بين الرفيقين. ويذكر الكثيرون أيضا أن بوتين استهل فترة ولايته الثالثة بسحب ما كان أقدم عليه ميدفيديف من تنازلات تحت ضغط مظاهرات المعارضة في نهاية العام الماضي, واستبدالها بقوانين أكثر تشددا أقرها مجلس الدوما لتنظيم عملية التظاهر وتقييد نشاط وتمويل منظمات المجتمع المدني وإعلانها كممثليات أجنبية ما يوقعها تحت طائلة القانون, إلي جانب فرض الرقابة علي الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. ومضي بوتين علي طريق التخلص من تبعات سلفه ليقرر رفع سن التقاعد حتي السبعين بالنسبة لكبار القيادات السياسية بعد ان كان ميدفيديف هبط به الي سن الستين بدلا من.65 حتي قرار الغاء نظام التوقيت الشتوي الذي كان ميدفيديف قرر إلغاءه إلي الأبد, تقدم الحزب الحاكم الذي يتزعمه ميدفيديف(!) إلي مجلس الدوما بمبادرة لإعادة النظر في هذا النظام, وإن سارع بوتين ليقول إن الأمر لايزال قيد الدراسة. وكان بوتين طلب أيضا موافقة الدوما علي مشروع قانون تغليظ العقوبة علي جرائم التجسس الذي سبق واقترحه تلبية لطلب جهاز المخابرات الفيدرالي خلال فترة رئاسته السابقة للحكومة الروسية, وقرر ميدفيديف إرجاء مناقشته إلي اجل غير مسمي. وقد اقر مجلس الدوما في قراءته الأولي الأسبوع الماضي هذا القانون الذي يقضي بتوسيع مفهوم الخيانة العظمي وصلاحيات جهاز الأمن الفيدرالي في روسيا, ورفع عقوبة السجن من12 إلي عشرين عاما علي كل من تثبت إدانته في قضايا تتعلق بتقديم أية معلومات مادية أو تقنية أو استشارات إلي هيئات أجنبية ودولية.كما يجرم القانون بالسجن لمدة ثماني سنوات مجرد جمع المعلومات السرية, حتي وإن لم يثبت نقلها أو تسليمها للغير. ونقلت صحيفة كوميرسانت عن بافيل تشيكوف الناشط في مجال حقوق الإنسان قوله إن مثل هذا الطرح يجعل من تجميع المعلومات حول تزوير الانتخابات إفشاء لأسرار الدولة وخيانة عظمي, فيما اعتبر إقرار هذا القانون خطوة أخري علي طريق ما وصفه بإحياء الستار الحديدي في روسيا.وحول نفس القضية قال المحلل السياسي ميخائيل فينوجرادوف إن فوز فلاديمير بوتين في الانتخابات الرئاسية خلق مناخا جديدا, شجع الأجهزة الأمنية علي السعي للحصول علي صلاحيات أوسع تحت ذريعة البحث عن الأعداء. وأشار اندريه سولداتوف الخبير في مركز اجينتورا الي ان مثل هذا الطرح يعني توسيع دوائر المشكوك في ولائهم ما قد يبرر طلب الأجهزة الأمنية السماح لها بالتنصت والرقابة عليهم ويسمح لها بطلب زيادة الدعم المادي والبشري اللازم لممارسة مثل هذا النشاط. ورغما عن أن كل هذه القوانين والمؤشرات التي يسوقها البعض دليلا علي قرب احتمالات رحيل ميدفيديف, تكشف عمليا عن براجماتية بوتين وتوجهاته المغايرة لسياسات سلفه, فإنها تظل أيضا تأكيدا علي التمسك بمواصلة لعبة التوازنات داخل أعضاء الفريق الواحد, التي طالما لجأ إليها منذ اصطدم بثعالب السياسة وحيتان رأس المال ممن تلاعبوا بسلفه بوريس يلتسين في الكرملين لسنوات طوال. وفي هذا الإطار لايمكننا إغفال حرصه علي تعيين سيرجي ايفانوف رئيسا لديوان الكرملين وهو الذي كان غريما لميدفيديف في سباق الفوز بأحقية خلافته في عام2008, إلي جانب إعلان رفيقه الآخر الكسي كودرين وزير المالية السابق حول احتمالات العودة إلي السياسة الكبري, وهو الذي سبق وانتقد ميدفيديف في نهاية العام الماضي مؤكدا رفضه لمواصلة العمل معه في حال تعيينه رئيسا للحكومة.