أناقش في هذه السطور تصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يقول إن مصر ليست (حليفا), كما ليست (عدوا), والذي جري علي لسان الرجل عقب الهجمات التي تعرضت لها. السفارات والقنصليات الأمريكية في بني غازي وتونس, وصنعاء, والقاهرة, احتجاجا علي الفيلم/ الكارثة( براءة المسلمين) الذي تطاول علي سيدي وحبيبي النبي عليه الصلاة والسلام.. وخلال تلك التظاهرات والهجمات التي تحلق أصحابها حول المنشآت الأمريكية, لتحميل واشنطن المسئولية الأخلاقية عن الاعتداء الذي يمثله الشريط السينمائي الساقط, لقي السفير الأمريكي في بني غازي حتفه حرقا, علي نحو أشعل غضب الإدارة والشعب في أمريكا,وخطورة ذلك التصريح أنه يأتي من رئيس أكبر دولة في العالم مقررا فيما يتصور أن مصر فقدت بالنسبة لواشنطن احتلالها لموقع Positioning في ساحة السياسة الدولية, ومن ثم فقدت موقعها كذلك بالنسبة لمجموعة الدول المرتبطة بواشنطن, فلم تعد تراها (عدوا) أو (حليفا) يعني صارت دولة( بدون), أو ليس لها هوية سياسية محددة في نظر أكبر دولة في العالم!.. فهل يمكن النظر إلي مصر التي تسمح للطائرات الأمريكية العسكرية بالهبوط في مطاراتها( غرب القاهرة كمثال) في أثناء المجهود العملياتي للجيش الأمريكي في منطقتنا بأنها دولة ليست( حليفة)؟!.. وهل يمكن النظر إلي مصر التي تسمح للسفن العسكرية الأمريكية بعبور قناة السويس من دون انتظار للدور في عرض البحر بأنها دولة ليست (حليفة)؟!.. وهل يمكن النظر لمصر التي تقوم بمناورات مشتركة منذ سنوات( النجم الساطع) مع أمريكا وعدد من الدول علي أنها دولة غير (حليفة)؟!.. وأعرف بالطبع أن هناك في مصر من (تزرزر) وتحدث عن أن عبارة أوباما تعني أن مصر كانت دولة( تابعة) لواشنطن ثم تحررت الآن ومن ثم اعتبرها أوباما غير حليفة.. وهذا هو عين الكلام الفارغ, واللغو السياسي البياني العبيط, لأن( الحلف) لا يعني( التبعية), فهل ننظر إلي الدول الأوروبية من الحلفاء للولايات المتحدة, أو التي حتي ترتبط بها في كيان تنظيمي اسمه:( حلف الناتو) علي أنها دول( تابعة) لم تصل بعد إلي درجة (الاستقلالية) التي حققتها مصر خلال الأشهر الماضية؟!.. هذا كلام أقل من مستوي الاستمرار في مناقشته, ومن ثم يظل تصريح أوباما خطيرا جدا.. لا بل لم يخفف تصريح جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض منذ ما يقرب من أسبوعين حول اعتبار الولاياتالمتحدة أن مصر مازالت( شريكا مقربا) دهشتي من التصريح( المدروس بعناية) للرئيس باراك أوباما كما لم تنجح المحاولة المتعثرة لجاي كارني في احتواء التأثير الخطير لتصريح أوباما, أو تخفيفه, أو تجميله, إذ أن درجة( شريك مقرب) التي حاول كارني ربط مصر عليها وتعيينها لا تعني تفسيرا مغايرا لتصريح أوباما, ولكنها تتعلق بموضوع آخر قولا واحدا, ومن دون كثير لجاج.. إذ أن( الشراكة) المقربة التي تكلم عنها كارني ليست الوصف المناسب لمجموعة الأنشطة والأنساق التي تنتظم العلاقات الاستراتيجية بين البلدين, ثم أن( المقربة) تلك هي كلمة مائعة ليس لها توصيف معين يحدد درجتها أو مداها في العلاقات الدولية, فهي كلمة بلاغية أدبية أكثر منها( سياسية), ثم إنها بحكم التعريف متغيرة وانتقائية, إذ ليس بالضرورة ما يعنيه طرف بكلمة( مقربة) هو بالضبط ما يقصده الطرف الآخر.. إلي ذلك فإن الناطق باسم البيت الأبيض أضاف جملة تستحق التأمل في هذا السياق الذي تمثله عبارة أوباما والتي تبدو منعطفا سياسيا خطيرا في نظرة واشنطن إلينا.. إذ قال كارني ما معناه:( إن السلطة الجديدة في مصر مازالت تتلمس طريقها, ومن ثم فمن الصعوبة بمكان تسكينها في خانة الحليف أو العدو), وهو لو أذن ذلك الموظف الأمريكي تفسير مرتبك وفاشل إلي أبعد الحدود, إذ أن الإدارة المصرية الجديدة, والدكتور رئيس الجمهورية لم يتوقفا تقريبا منذ اعتلاء سدة القيادة عن تأكيد وتوطيد احترام مصر للمعاهدات الدولية والالتزامات الإستراتيجية, كما لم يرد من تلك الإدارة لفظا واحدا يسيء إلي الولاياتالمتحدة, ربما بحساسية وحرص أكبر مما كان سائدا قبل أحداث يناير..2011 إن الولاياتالمتحدة ولعديد أسباب كانت مستهدفة طوال عمري شخصيا من مظاهرات في جميع أنحاء العالم, وأذكر منها المظاهرات ضد حرب فيتنام وبالذات عام 1968, وفظائع واشنطن في قصف هانوي بقاذفات بي 52, وأذكر منها المظاهرات المليونية ضد غزو العراق عام 2003 في المدن الأوروبية المختلفة, لا بل حتي مظاهرات اليسار الجديد( النقابيون الخضر مناهضو العولمة) ضد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في قلب العاصمة الأمريكية أحيانا.. فهل معني ذلك أن عواصم الدول التي شهدت تلك المظاهرات كانت (عدوا) لواشنطن, أو يحتار البيت الأبيض في كونها (عدوا) أو (عدوا إلا قليلا).. ثم هل معني ذلك أن البيت الأبيض يري في المظاهرات التي تشهدها واشنطن أن جزءا من الشعب الأمريكي لا يمكن سبر أغواره بحيث تنظر إليه الإداة علي أنه (عدو) أو ليس كذلك؟!.. تصريح اوباما (المدروس جيدا) هو بالعربي الفصيح رسالة تهديد لإدارة الرئيس محمد مرسي, أو اختبار لنوع رد الفعل الذي ستظهره كنتيجة سحب هوية الحليف من مصر.. وتصريح باراك اوباما هو كذلك رسالة اضافية يوجهها لتجمعات تصويتية أمريكية موشكة علي المرور في عملية انتخابية كبري, ويسعدها أن يظهر الرئيس الأمريكي قدرا من القوة والهيمنة علي شعوب ونظم مناطق الاضطرابات في العالم, وبالذات تلك التي يستهدفها المرشح المنافس ميت رومني بكثير تهديد ووعيد. وتصريح اوباما هو افصاح نهائي وكاشف عن موقف أمريكا من حدث يناير 2011, إذ عضدت هيلاري كلينتون كلام اوباما بتصريح قالت فيه ان الربيع العربي استبدل الدهماء بالاستبداد إذ أيدت واشنطن أحداث الفوضي في المنطقة وليس تحقيق الحرية أو العدل الاجتماعي.. ودفعت لبعض منظمات المجتمع الأهلي, ودربت أفرادها للقيام بأدوار صيغت بعناية في ذلك السياق. المزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع