قبل سنوات قليلة لم يكن أشد المتفائلين يتصور أو يداعب خياله أن يأتي اليوم الذي يودع فيه الإخوان المسلمون القهر والإقصاء والتهميش,وأن تتحطم بغير رجعة جدران العزلة التي ضربت حولهم, وأن تشل تلك القبضة الحديدية التي كانت تبطش بهم, لتصبح الجماعة التي وصمت بالمحظورة, مادة خصبة تتصور نشرات الأخبار. , وأن يصبح قادتها نجوم تتهافت عليهم وسائل الإعلام وتتناقل أخبارهم الصحف والفضائيات في كل وقت وحين, بعد أن كان الخوض في حديث الجماعة واستدعاء سيرتها الأولي من المحرمات التي يحظر تداولها, بل كان إحسان الظن بها رجسا من عمل الشيطان علي الناس أن يجتنبوه ويطلبوا السماح والغفران. إنها تلك الجماعة التي وضع لبنتها الأولي الإمام الشهيد حسن البنا في مارس1928 وصارت مدرسة تربوية وإصلاحية شاملة, افتتحت لها فروعا في أكثر من سبعين دولة في شتي أصقاع الأرض حتي أضحت أكبر حركة دينية وإصلاحية في التاريخ الحديث, بعد أن صارت الأكثر تبعا وتابعا. وعلي الرغم من كل العقبات التي وضعت في طريقها, إلا أنها استطاعت أن تشق طريقها بنجاح منقطع النظير, بل ظلت دعوتها حية في القلوب, متأججة في النفوس, ولعل السر في ذلك أنها التزمت منهجا تربويا نبيلا مستمدا من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, استطاع مؤسسها الأول أن يغزو بها القلوب ويخلب الألباب فيجمع حولها الناس من كل الفئات والأعمار, ولم تكن التربية في فكر البنا قاصرة علي جانب واحد من الجوانب, لكنها كانت تربية للانسان, كل الانسان, عقله وقلبه, روحه وبدنه, خلقه وسلوكه. لم يكن البنا مجرد داعية أو زعيم ديني, أو مصلح اجتماعي, يخاطب الناس بنظريات جامدة أو فلسفة كلامية يطلقها من برجه العاجي, لكنه كان مربيا من الطراز الأول, عاش بين الناس وعايش قضاياهم ومشكلاتهم, قضي حياته متنقلا بين ربوع مصر, مدنها وقراها, شوارعها ودروبها وأزقتها, جلس بين الناس في المنتديات وعلي المقاهي, يخاطب الجماهير ويحدثهم كلا بلغته وثقافته.وضع لدعوته أركانآ عشرة جددت توجه الجماعة وسياساتها وهي: الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة. كان يري أن الإسلام عقيدة وعبادة, ودين ودولة, وروحانية وعمل, وصلاة وجهاد, وطاعة وحكم, ومصحف وسيف. لا ينفك واحد من هؤلاء عن الآخر وكان يربي تلاميذه علي قيم تسمو بهم وترتقي, ولم يكن الحكم والسلطان هدفا يسعي إليه, فكان يقول: لستم طلاب حكم, ولكنكم طلاب منهج وعقيدة ونظام وإصلاح, فإذا تحقق بغيركم ففي المحاريب مثواكم وفي المساجد مراحكم ومأواكم.. كانت نقطة التحول الخطيرة في حياة الجماعة عندما أعلن النقراشي باشا حل الجماعة ومصادرة أموالها واعتقال اغلب أعضائها متهما إياها بالتخطيط لقلب نظام الحكم. ثم كانت الطامة الكبري حين اغتيل النقراشي علي يد شاب يدعي عبد المجيد أحمد حسن قيل إنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين, ومع أن البنا تبرأ من هذه الفعلة, وأطلق قولته المعروفة عن القتلة ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين: إلا أن ذلك لم يشفع للرجل وأغتيل بعد ذلك بشهور قليلة في12 فبراير1949 بمؤامرة حيكت بليل تشير خيوطها إلي تواطؤ القصر مع الحكومة لتصفية الرجل الذي وهب حياته من أجل الوطن. وعادت جماعة الإخوان لتمارس نشاطها مرة أخري في عام1951 بحكم تاريخي من مجلس الدولة ينص علي بطلان حل الجماعة, وفي نفس العام اختير المستشار حسين الهضيبي مرشدا عاما للإخوان والذي حكم عليه بالإعدام عقب حادث المنشية, الذي اتهم فيه شاب يدعي محمود عبد اللطيف يقال انه ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين ثم خفف الحكم بحق الهضيبي للأشغال الشاقة المؤبدة, ليتم الإفراج عنه عام1971, في نوفمبر1954 تم حل الجماعة للمرة الثانية وحكم بالإعدام علي ستة من رجالها أبرزهم عبد القادر عودة, ثم عاد النظام القمعي ليعدم ثلاثة آخرين في مقدمتهم سيد قطب. وخلال حكم السادات تم الافراج عن أعضاء الجماعة بدءا من1971 وحتي1975 وعاد الإخوان ليتجرعوا من كأس الإقصاء والتهميش والاعتقالات, خلال عهد الرئيس السابق المخلوع مبارك. ومع اندلاع ثورة يناير2011 تنفس الإخوان الصعداء وعادوا ليمارسوا دورهم السياسي بحرية تامة, ففازوا بالأغلبية في انتخابات الشعب والشوري, ثم كان الانتصار الأكبر والأبرز للإخوان بوصول الدكتور محمد مرسي إلي سدة الحكم في أول انتخابات ديمقراطية حقيقية تأتي بأول رئيس مصري مدني منتخب انتخابا حرا نزيها. ورغم ما حققه الإخوان من نجاحات, وما قدموه من إنجازات تحسب لهم, إلا أن هناك عددا من السلبيات التي يرصدها المحللون والمتابعون لمسيرة الإخوان, من أبرزها أن أداء البعض منهم لم يكن علي قدر الآمال التي تطلع اليها الشعب بعد الثورة ويعلل المراقبون ذلك بقلة الخبرة لدي البعض منهم وانبهار البعض الآخر بالأضواء بعد أن ظلوا سنوات طويلة في غياهب السجون والمعتقلات, فضلا عن التذبذب في بعض المواقف وعدم وضوح الرؤية والتذبذب في اتخاذ القرارات ومع ذلك الموقف المبدئي من عدم الترشيح للرئاسة, والإصرار علي حل حكومة الجنزوري رغم قرب رحيلها, كذلك هناك من يشير الي أن تشكيل المجلس الأعلي للصحافة لم يكن مدروسا بالدرجة الكافية التي تسمح باختيار أعضاء لهم ثقلهم, فضلا عن بعض اختيارات رؤساء التحرير والذين يفتقد بعضهم الخبرة, لكنها عموما خطوة علي الطريق, وأخشي ما يخشاه المرء أن ينسي الناس أمجاد الإخوان وجهادهم في فلسطين وفي القناة وبين جدران السجون والمعتقلات وأن تستغل الأحزاب المتربصة الفرصة لتجمع ما تساقط من سهام في معارك الإخوان المفتعلة, أو يجرها البعض إلي مستنقع آمن تفقد فيه الكثير من رونقها ومكانتها.