أيا كانت اسباب التحفظ الفلسطينى وتحفظ بعض الأطراف الأخرى إزاء الدعوة الى عقد منتدى المنامة فى أواخر يونيو لبحث مستقبل التعاون الاقتصادى الإقليمى فى الشرق الأوسط وفرص التنمية به فإن المؤكد لدينا أن أغلب الحاضرين، ان لم يكن جميعهم، سيؤكدون رفض فكرة مقايضة الحقوق السياسية الأساسية للشعب الفلسطينى بحزمة من مشروعات التنمية وفرص الانعاش الاقتصادى والمزايا التجارية مهما تكن أحجام تلك المشروعات والمزايا ومهما تتعدد الأطراف التى يمكن ان تستفيد منها. فالأصل فى التسوية هو الوفاء بحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره كبقية الشعوب وحصوله على دولته المستقلة بالمواصفات والمعايير المتعارف عليها فى القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية. نعم قد يكون صحيحاً أن إنشاء دولة جديدة دون أن يكون لها مقومات الحياة الاقتصادية والاجتماعية الكافية والقابلة للاستمرار والهياكل التنظيمية والإدارية الواضحة يمكن أن يكون فى نظر البعض خطوة غير مأمونة لكن الأمر فى الحالة الفلسطينية يختلف الى حد كبير حيث يحظى الاقتصاد الفلسطينى فى الضفة الغربيةوغزة بمقومات واعدة ومتنوعة وخاصة فى مجالات الإنتاج الزراعى والموارد البحرية والامكانات السياحية، وحيث يتوافر للفلسطينيين بفضل جهودهم الذاتية وبمعاونة من جانب العديد من الاطراف والمنظمات العربية والدولية، بنية أساسية معقولة من شبكات الطرق والكهرباء، وهياكل التعليم ومراكز البحث العلمى والصناعات المحلية. والمؤكد ان تطوير واستكمال تلك البنى الأساسية فى قطاعات الانتاج والخدمات والوصول بها الى مستويات الحداثة العالمية سوف يصبح الشغل الشاغل لصناع القرار الفلسطينى منذ اليوم الاول فى حياة الدولة الفلسطينية المستقلة، وسوف يبهر الفلسطينيون العالم كله بما يمكنهم انجازه فى دروب التنمية والاعمار والعمل الإنسانى والتعاون الإقليمي، وربما أيضاً فى اساليب ادارة الدولة على أسس ديمقراطية وحديثة وبناء سياسة خارجية متوازنة ومنفتحة على جميع الاطراف وخاصة تلك التى عاونتهم فى الحصول على هذا الاستقلال. والآن... وبعد هذه المقدمة الضرورية للتذكير بحقوق الشعب الفلسطينى وامكاناته الراهنة وأدواره المستقبلية.. قد يجوز لنا ان نطرح بعض العناصر والتساؤلات التى قد تساعد المجتمعين فى المنامة وأيضاُ الاطراف الغائبة عن هذا المنتدى على احياء عملية السلام مرة اخرى وتجاوز الهواجس التى عطلت ولاتزال تعطل الوصول الى دولة فلسطينية بجوار دولة إسرائيل. فعلى الصعيد السياسى والقانونى نتساءل: هل يمكن لمنتدى المنامة الخروج بمقاربات جديدة تتجاوز الخلفيات والدعاوى السابق طرحها بشأن الإطار الدينى للصراع وديمومته؟ أو هل يمكن الاتفاق على تجميد هذه الدعاوى وتجريب المنطق السياسى والحقوقى القائم على حساب المصالح الدنيوية الاقتصادية والامنية والإنسانية؟. وماهى أشكال وبدائل التمكين والمقاسمة التى يمكن بحثها فيما يتعلق بمستقبل مدينة القدس؟ وما الضمانات والحوافز الدولية التى يمكن تقديمها لجعل الدولة الفلسطينية المستقلة خياراً مقبولاً ومأموناً وليس فقط وفاء لحق قانونى أو تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية؟ وما مظاهر السيادة المطلوبة للدولة الفلسطينية الجديدة ؟ وإلى اى مدى يمكن طرح مواصفات معينة لبعض هذه المظاهر وخاصة فيما يتعلق بآليات الدفاع وترتيبات الأمن والتسلح؟ وما التصورات العملية التى يمكن طرحها بشأن عودة اللاجئيين الفلسطينيين، بما فى ذلك المراحل الزمنية ومبدأ التخيير وقضايا التعويض؟. وهل يمكن التوصل الى وثيقة عربية اسرائيلية موحدة تعكس رؤى الطرفين لمفهوم الارهاب وكيفية مكافحته قبل وبعد قيام الدولة الفلسطينية المأمولة؟. واما على صعيد التحضير لمشروعات الانعاش الاقتصادى والتنمية الاجتماعية للشعب الفلسطينى فقد يلزم قبل انعقاد منتدى المنامة،مراجعة جميع الأعمال والمشروعات التى سبق لمنظمة التجارة والتنمية (انكتاد) ولغيرها من منظمات وأطراف دولية وإقليمية اخرى اتخاذها لصالح التنمية الاقتصادية فى الاراضى الفلسطينية المحتلة،والتعرف على مدى فاعلية كل منها فى انعاش الاقتصاد الفلسطينى وتحديد المجالات الجديدة التى تستحق اهتماماً خاصاً من المجتمع الدولى والأطراف المانحة فى المستقبل. وقد يكون من بين تلك المجالات ما يتصل بإنشاء بنك مركزى فلسطيني، وبناء أسطول فلسطينى للنقل الجوى والبحرى وتطوير ميناء غزة وبعض المطارات فى مدن الضفة الغربية، وقد تشمل أيضاً افكاراً جديدة لتنظيم انشطة الكشف والاستغلال لموارد الغاز والنفط فى المياه الإقليمية الفلسطينية، إلى جانب إنشاء فروع لبعض الجامعات الأجنبية الكبرى فى بعض المدن الفلسطينية وإذا كانت تلك الأفكار والمشروعات تمثل أولوية فى إطار الاقتصاد الفلسطينى وبرامج التنمية الفلسطينية فسوف يكون من المهم الاستماع إلى رأى الفلسطينيين فى القواعد والضوابط التى يرونها واجبة لتنظيم مشاركة الأطراف الاجنبية فيها وإلى اى مدى يمكن قبول مشاركة أطراف وشركات إسرائيلية فى مثل هذه المشروعات بعد الاتفاق على اعلان قيام الدولة الفلسطينية. كذلك قد تشمل استحقاقات البحث الواردة بشأن مستقبل الاقتصاد الفلسطيني، نظم التصدير والاستيراد، والتعريفات الجمركية وآليات دعم العملة الوطنية الفلسطينية وتوسيع وتنويع أوعية الادخار المحلي. فإذا كانت نيات المنظمين لمنتدى المنامة تتسع للبحث فى عموم أشكال وآليات ومجالات التعاون الاقتصادى الإقليمى بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا وعدم الاقتصار فقط على قضايا الصراع العربى الإسرائيلى فلابد ان يكون لدى المشاركين العرب وعى كاف بخطأ وخطورة الانجرار إلى خطة لمحاصرة أطراف إقليمية اخرى والاضرار باقتصادياتها وهو ما يحقق صالح إسرائيل بالمقام الاول. كذلك يلزم الانتباه إلى خطأ التماهى التلقائى مع الولاياتالمتحدة فى صراعاتها التجارية مع أصدقاء العرب فى كل من الصين والهند واليابان وكوريا، والتركيز بدلاُ من ذلك فى مجالات دعم القدرات الاقتصادية والإدارية واللوجستية للدول العربية وعلى الاخص تحسين وتنويع الصادرات، وتخفيض تكاليف النقل وتأمين خطوطه البحرية والبرية، ومحاربة الممارسات المقيدة للأعمال الحرة، وحماية حقوق الملكية الادبية للمنتجين والمبدعين، وحماية حقوق العمال. لمزيد من مقالات السفير . هانى خلاف