بعد أن وصلت مصر إلي مرحلة الفقر المائي والامل في استصلاح أراض صحراوية يبدو أن الأمر قد يكون صعب المنال خاصة ان الآبار الموجودة تحت الأرض كما يشير الخبراء مياه موجودة تحت أحواض وبالتالي ليست مياها متجددة. فالسحب منها سيؤدي إلي نضوبها وبالتالي الاعتماد عليها في الزراعة محفوف بالمخاطر خاصة بعد جفاف تلك الآبار, وأمام هذه المعضلة ومع تأكيد جميع تقارير منظمة الفاو العالمية التي اكدت ان السودان إحدي ثلاث دول تستطيع حل أزمة الغذاء العالمي حيث تتوافر بها الاراضي الخصبة وتوافر المياه بها طوال العام ويتوافر للسودان اكثر من دلتا خصبة واراض بكر لا ينقصها إلا إقامة ترع ومصارف كتلك التي انشأتها مصر في القرن ال19 فعاشت مصر علي خير هذه الدلتا لعشرات السنين التي تمتد حتي الآن, فإذا نظرنا للفترة المقبلة بعد افتتاح الطريق البري الدولي الذي سيربط مصر بالسودان الذي لابد أن يشهد انتعاشا كبيرا في الحركة الاقتصادية بين البلدين خاصة ان هناك اتفاقية الحريات الاربع بين البلدين والموقعة بين الحكومات والتي تتيح حرية التنقل والاقامة والعمل بل والتملك بين البلدين. لم يكن أمام كل ذلك إلا أن يتوجه المستثمرون المصريون إلي الذهاب إلي السودان للاستثمار في الزراعة هناك وكان من بين هؤلاء المستثمر ياسر هلالي الذي سألناه لماذا بدأ تفكيركم في الاتجاه للاستثمار في السودان, قال إنه تربطني علاقات تجارية مع مجتمع رجال الاعمال السودانيين مما شجعني علي الاتجاه للاستثمار هناك خاصة بعد انتهاء الحرب بين الشمال والجنوب التي كانت تمثل التخوف الاكبر في الاستثمار بالسودان. وأضاف: ولا أخفي عليك ان نجاح اي نوع من انواع الاستثمار يتطلب ضمانات من اهمها توفير ضمانات ضد الصراعات والنزاعات فبعد انتهاء وصراع الشمال والجنوب قامت الحكومة السودانية بأعداد قانون للاستثمار يضمن للمستثمر جميع حقوقه في الاستثمار, مما دفع دول الخليج للاستثمار في الزراعة وليس في الاستصلاح لأن أرض السودان شديدة الخصوبة والمياه متوافرة ولا تنقصها الا الايدي العاملة, وهنا سألته أليس درجة الحرارة المرتفعة بالسودان قد تكون العائق أمام الزراعة. فأجابني ياسر هلالي لقد تقدمت التكنولوجيا تقدما مذهلا إلي حدأن الارض التي تبلغ مساحتها مائة فدان مثلا في مصر التي تحتاج الي عشرات الفلاحين للزراعة يكفيها ثلاثة أفراد للري والحصاد فلقد وصلت التكنولوجيا الي آلات تجميع القطن والأرز والقمح بمعدات صينية والتي وجدت بشكل كبير في السودان الآن ومع هذه التكنولوجيا انخفضت التكلفة الي أقل من عشر التكلفة في مصر مثلا وهنا أتمني أن تتوجه الحكومة الي النظر للسودان فهي الامتداد الطبيعي لمصر ولابد للمؤسسات المالية من تمويل تلك المشاريع خاصة الزراعية وهو الدور الغائب للدولة ومؤسساتها المالية قبل ان يضيع علي مصر فرصة كبيرة لتحقيق جزء هام منها وهو أمنها الغذائي والامل في اقتناع أجهزة الدولة بأهمية الزراعة في السودان وهو ما نراه أملا يلوح في الافق في زيارة رئيس الوزراء علي رأس وفد يضم ستة من الوزراء يستقبلهم فيها الرئيس البشير سيبحث معهم آفاق التعاون بين البلديين ودفع عجلة التنمية الذي يتمثل في افتتاح فرع للبنك الأهلي بالإضافة الي الطريق الدولي الذي يصل طوله الي45 كيلو يبدأ من عند توشكي ليتجه إلي مدينة ابو سمبل ثم منطقة قسطل علي الجانب الشرقي لبحيرة السد العالي ليصل الي منطقة وادي حلفا والذي تعمل الحكومة علي تشغيل عبارات سريعة لنقل الشاحنات والسيارات عبر بحيرة السد العالي في رحلة لا تستغرق اكثر من نصف ساعة بين ابو سمبل وقسطل كالمعديات التي تعمل حاليا بين ضفتي قناة السويس. وهنا كان لابد من سؤاله عن المشاكلات التي تواجه المستثمر هناك؟ فأجاب: ان مشروعاتنا هناك ليست لي وحدي بالطبع ولكن هناك كثيرا من المستثمرين المصريين اتجهوا للاستثمار في السودان وعلي سبيل المثال فمشروعنا متكامل للزراعة والانتاج الحيواني فنقوم بزراعة مساحة من الارض وانشاء ترع ومصارف وزراعتها وطرحها للراغبين في العمل بالمجال الزراعي بالسودان بداية من الفلاح الصغير وحتي الشركات الكبيرة مع استمرار قيامنا في خدمة هؤلاء في كل ما ينطلق بنشاطهم, اما عن تسويق المنتجات الزراعية فهو بالتأكيد ليس بحاجة هنا فتسويق تلك المنتجات هو من أيسر الاشياء خصوصا أن هناك الكثير من المستثمرين الخليجيين الذين يجدون مساندة كبيرة من حكوماتهم والمؤسسات المالية لديهم التي تقف خلفهم تساندهم عكس الحال عندنا في مصر بعدم وجود رغبة حقيقية للدعم والتخوف لدي المؤسسات المالية من تمويل هذا النوع من المشاريع. وإنني أشعر بأن هذا هو دور البنوك الحقيقي كمحول للاستثمار وليس بنوك رهونات خاصة بعد ان أصبح لدي البنوك فائض كبير لا تعرف دورها الحقيقي في الاستثمار به.